تمثّل الأغنية ركناً أساسياً في تراث "جبل العرب" بكلماتها وألحانها وأدائها، وقد رددت على شفاه معظم الناس، واليوم بعد دخول التكنولوجيا باتت الأغنية التراثية بأسلوب مختلف ومتنوع.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 1 تشرين الثاني 2017، التقت "برهان البربور" الشاعر وعازف آلة "الربابة" التراثية، فبيّن قائلاً: «عرفت الأغنية التراثية في "جبل العرب" بأنواع متعددة ومتنوعة، واليوم لها خصوصية بعد أن اجتاحت العولمة كل شيء حتى شملت مناحي الحياة واستخدامات الإنسان الثقافية والاجتماعية والنفسية، وربما دخلت سيكولوجياً ضمن ترتيب حركته الآنية، ولأن التراث الشعبي وأغانيه جزء من الحراك الثقافي الحامل لدلالات مجتمعية بما تحمل من موروث وتراث وأفكار ورؤى؛ فقد دخلت الأغنية معترك الثورة الثالثة أو ثورة الاتصالات، التي بدورها كان لها الأثر وفقاً للرؤية المنطقية لمواكبة الأحداث والتقانة، والتماهي مع واقع الأغنية الشعبية التراثية من منظور فني موسيقي وما خلفته الاتصالات على عناصرها الثلاثة المهمة في ركائز الأغنية التراثية، وهي: الكلمة، واللحن، والأداء، فالنص الذي كان يتم اختياره بإتقان من قبلِ شعراء الأغنيةِ بغية تطوير حركة الثقافة الموسيقية من الناحيتين التجديد والتطوير فيها، اليوم تتم إعادةُ النظرِ في المنهجية والطريقة الفنية التي تُكتَب فيها كلمات الأغنية، خاصةً أنَّ بعض الشعراء أصبحوا يمارسون تكنولوجيا الكلمة الغنائية، ويقدمون كلمات أغانٍ تتلاءم مع الموضة أو العولمة إن صحَّ التعبير، فالشعر الغنائي فنٌّ كأيِّ فنّ من فنون الحياة يساهم في انعكاس صورة واقعية عن مفهوم وثقافة البيئة التي تقِّدم تلك الفنون، وعليه باتت الأغنية الجبلية التي امتازت بالتماهي مع البيئة المحلية، بعيدة عن طبيعة المكان والنشأة».

من المعروف اجتماعياً أن الأغنية التراثية لها وقعها على أذن المتلقي، من حيث اللحن والكلمة والأداء، واليوم باتت الأغنية التراثية تقتحم بألحان ذات إيقاع سريع، وكلمات معاصرة لا تتلاءم مع طبيعة المكان والزمان واللحظة الآنية، وبتنا نشعر بالبعد الإبداعي بين القديم وما يسمى التجديد اليوم؛ فالتقنيات الحديثة لا تنفي إطلاقاً الإبداع، لكن الإبداع يخدم التقنيات بمنحها مساحة واسعة من التصرف

وعن اللحن وتدخّل التكنولوجيا فيه أوضح الموسيقي "سلمان البدعيش" ورئيس جمعية "أصدقاء الموسيقا" بالقول: «عند صناعة اللحن الذي يعدّ ركيزة من ركائز الأغنية، لا بد من توفر مجموعة من العوامل للأغنية، أولها التلازم مع البيئة المحلية الصادر عنها اللحن ليصبغ بصبغتها، لكن ما دخل في الأغنية التراثية أنه تم تضمين آلة "الربابة" أو "المجوز" أو "الشبابة" في الجبل، وإدخال آلات إلكترونية وإيقاعات سريعة لا علاقة لها بالتراث، وعلى الرغم من البحث عن كلمات من الشعر الشعبي لتلحينه وتجديد دم الحاضر بدم الماضي لوضع منهجية جديدة عامة للنهوض بالأغنية، وإعادة النظر فنياً وبأسلوب علمي دقيق، بما يقدم ابتداءً من اختيار المقام للأغنية، ونهاية بالجملة والقفلة والحبكة في الجملة الموسيقية، وصولاً إلى الإيقاعات التي باتت هي الأخرى في ضياع غير مقبول من تدخل الآلات الإيقاعية التي تحمل إيقاعاً إلكترونياً مع أنغام الأورغ مثلاً، مع أن الأغنية التراثية لها أبعاد متعددة، أهمها أنها تدخل في صلب الحياة اليومية والبيئة والثقافة، وتعبر عن مدى علاقة المبدع بمجتمعه، والعديد من الأغاني التراثية كانت تدوينية وتوثيقية، ولها وقعها في النفس والروح، وتساهم في بناء الشخصية الجمعية، وتنشر ثقافة العلاقة الاجتماعية، خاصة أن ألحانها تحمل دلالات مكانية؛ لذا فإن الأغنية التراثية هي الحاضنة لمجموعة من العلاقات الاجتماعية والثقافية والبيئية، ولها أنماط متعددة، مثل أغاني المواسم أي الحصاد، و"الجوفية والشروقي والفن والمطلوع"، وغيرها الكثير، وجميعها ألحان باتت تخضع لتقنيات تكنولوجية واستخدامات إلكترونية من شأنها إبعاد أفراد المجتمع عن تراثهم وهويتهم التراثية، وهذا ما يدفع المجتمع إلى العودة للأغاني التراثية القديمة البسيطة التي تحمل عبق الماضي الجميل، الذي يمنح عطر الوجود والحياة والبساطة الإنسانية».

الشاعر برهان البربور

وبيّن الكاتب "محمد طربيه" بالقول: «من المعروف اجتماعياً أن الأغنية التراثية لها وقعها على أذن المتلقي، من حيث اللحن والكلمة والأداء، واليوم باتت الأغنية التراثية تقتحم بألحان ذات إيقاع سريع، وكلمات معاصرة لا تتلاءم مع طبيعة المكان والزمان واللحظة الآنية، وبتنا نشعر بالبعد الإبداعي بين القديم وما يسمى التجديد اليوم؛ فالتقنيات الحديثة لا تنفي إطلاقاً الإبداع، لكن الإبداع يخدم التقنيات بمنحها مساحة واسعة من التصرف».

الموسيقي سلمان البدعيش
الكاتب محمد طربيه