يعكف الشيخ "حسن الغضبان"، منذ ريعان شبابه على دراسة ومعرفة التراث العربي الموروث من نصيحة ومثل وحكمة؛ وهذا ما جعله يمتلك ميزاناً مقنعاً من الكلام في حلّ الخلافات بين الناس الذين يلجؤون إليه.

مدونة وطن "eSyria" زارت الشيخ "الغضبان" في بيته بتاريخ 5 تشرين الثاني 2017، ليحدثنا عن أهم المشكلات التي ساهم في حلّها بالقول: «في أحد الأيام جاء إليّ شاب من مدينة "السويداء"، وقد أحب فتاة من قرية "الهويا" وأخبرني أن الفتاة تحبه أيضاً، لكن والد الفتاة يرفض هذا الزواج، ويهدد بارتكاب فعل جرمي في حال حدوثه بطريقة يتم تجاوزه فيها، فقمت بالذهاب مع بعض الوجوه المعروفة من الناس إلى بيت والد الفتاة، وأنكرنا عليه هذا الفعل، وبدأنا الحديث بكلام الله عز وجل (لا إكراه في الدين)، وأن الأساس في الزواج هو الإيجاب والقبول من الطرفين، وهذا موجود، كما تحدثت مستعيناً بالمثل الشعبي الذي يقول: (دوّر لبنتك قبل ما تدوّر لابنك)، وأن الشاب لا يعيبه شيء، وأن الرفض هنا فعل مكروه من الأب، ومع ذلك استمر الأب برفضه، فغادرنا بيته وقلنا له إنك أرقت ماء وجوهنا عندما ركبت باطلاً، وذلك ليشعر بالذنب على ما فعله. ومع علمي أن الشاب والفتاة يريدان الارتباط بالحلال، طلبت من الشاب أن يتفق مع الفتاة ويحضرها إلى منزلي لتبقى الفتاة عندي مصانة ومكرمة، وطلبت من الشاب المغادرة، ريثما يحل الموضوع، وقد حدث ذلك، بعدها قمت بإبلاغ الشيخ "عبد الوهاب أبو فخر"، وهو أحد الوجوه المعروفة أيضاً في المحافظة، وطلبت منه إبلاغ شيخ العقل "حمود الحناوي"، حيث قام باستدعاء الأب وطلب منه الموافقة على هذا الزواج؛ لأن رفضه يخالف شرع الله طالما أن الفتاة تريد الزواج بهذا الشاب، وقد خضع الأب لذلك القرار، وتم الزواج بين الشابين، وهذا كله يستند إلى تراثنا وموروثنا المتعارف، وهنا يتدخل هذا التراث ليحل مشكلة، وهي في مهدها».

الشيخ "أبو عصام"، شيخ نقي متمكن، يتمتع بملكة الحفظ، ويحفظ الكثير من الأمثال والعظات والنصائح التي لا يبخل بها في المناسبات الاجتماعية والوطنية والثقافية، وهو رجل يغني بحضوره المجالس والمناسبات في بلدته وخارجها، ويلبي أي دعوة تتوجه إليه للمساهمة في حل أي مشكلة بين أشخاص أو مجموعات، معتمداً بذلك على موروثنا التاريخي والاجتماعي وحسب العادات والتقاليد، مختصراً على المتخاصمين اللجوء إلى القضاء. ويتميز أيضاً بأنه يستطيع عبر انسجام كلامه وبلاغته أن ينهي الخلاف بوقت قصير، ويتمكّن من إرضاء الطرفين

وعن بداية حياته مع دراسة هذا الموروث وأصوله، يقول: «منذ طفولتي كان يلفت انتباهي الحديث الذي يدور بين من هم أكبر مني سناً، وخاصة الشيوخ، وكنت أسمع أبي أحياناً يقول أثناء العمل مثلاً أو نصيحة، وفيما بعد أدركت أن من يحمل هذا الكلام عليه أن يقرن القول بالفعل، فعلى من يحمل التراث أن يكون شخصاً صحيح المسلك، جيد الخصال، وخاصة من الناحية الأخلاقية حتى يثق الناس بكلامه ولا يتهمونه بالنفاق، وما ساعدني أيضاً أن لدي ذاكرة ممتازة، فما إن أسمع المثل أو النصيحة مرة واحدة حتى أحفظهما، وتطور هذا الموضوع مع التقدم بالسن، فبدأت أحتفظ بالحكم والأمثال التي أقرؤها أيضاً في بعض الكتب، وهنا أصبح لدي قاعدة تساعدني في حل الخلافات بين الأشخاص الذين يلجؤون إليّ لحلّ خلافاتهم المادية أو المعنوية، وهذا العمل جزء من القضاء العشائري الذي يتدرج بالمراتب عندنا.

الأستاذ حسين الملحم

والقضاء العشائري في "جبل العرب" لا ينفصل عن القضاء العربي وموروثه، لهذا تتشابه التسميات ومثيلاتها في الأقطار العربية المجاورة، وقد عرف بين القضاة عدة أسماء، فهناك (الملم أو الوجه)، وهو الشخص الذي يلتقي عنده طرفا النزاع أو الخصومة لتحديد نوع القضية المعروضة، وإذا لم يستطع هذا الرجل حلها، يحدد هو أحد الأشخاص الذي يعدّه أقدر منه على الحلّ، ومن التسميات أيضاً (الكبار)، وهم من الشيوخ، ولهم الحق في إضافة اختصاصات الوجه لتحديد القاضي المعني بالنظر في القضية، ولهم حق فرض الحل بما يرونه مناسباً وحقاً، وهناك (أهل الديار)، أي الأشخاص المختصون بحل الخلافات حول الأراضي والعقارات والإرث. وهناك (المناشر)، وهم من ينظرون في قضايا العرض أو دخول المنازل. وهناك (الزبود)، وهم الذين ينظرون في قضايا المال. و(القصاصين)، وهم الذين ينظرون في قضايا المشاجرة والقتل».

بدوره الباحث في التراث الأستاذ "حسين الملحم" من بلدة "المزرعة"، تحدث عن "حسن الغضبان"، بالقول: «الشيخ "أبو عصام"، شيخ نقي متمكن، يتمتع بملكة الحفظ، ويحفظ الكثير من الأمثال والعظات والنصائح التي لا يبخل بها في المناسبات الاجتماعية والوطنية والثقافية، وهو رجل يغني بحضوره المجالس والمناسبات في بلدته وخارجها، ويلبي أي دعوة تتوجه إليه للمساهمة في حل أي مشكلة بين أشخاص أو مجموعات، معتمداً بذلك على موروثنا التاريخي والاجتماعي وحسب العادات والتقاليد، مختصراً على المتخاصمين اللجوء إلى القضاء. ويتميز أيضاً بأنه يستطيع عبر انسجام كلامه وبلاغته أن ينهي الخلاف بوقت قصير، ويتمكّن من إرضاء الطرفين».

أثناء حل أحد الخلافات

يذكر أن الشيخ "الغضبان" من مواليد بلدة "المزرعة" عام 1936، ولديه سبعة أبناء، وقد عمل في بداية حياته في صفوف الجيش العربي السوري منذ عام 1954 حتى عام 1982.