قرنان من الزمن، ومضافة "عرى" القديمة شاهدة على أهم المواقف والقرارات التي اتخذها زعماء وفعاليات "جبل العرب"، إضافة إلى ما قدمته من خدمات الضيافة وإغاثة الملهوف.

حول تاريخ مضافة "عرى" وتاريخها، مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 28 تشرين الأول 2017، التقت الباحث "زيد النجم"، الذي بيّن قائلاً: «تعدّ المضافة الأقدم في "السويداء"، لأنها حملت مجموعة كبيرة من الأحداث والوقائع التي ما زالت الذاكرة الشعبية تزخر بها، منها على سبيل المثال: أنها كانت تأوي الضيوف من مختلف الأماكن، وتطعم الجائع، فقد كان أصحابها يقومون بإعداد ما بين 5 إلى 7 "خلاقين" يومياً؛ وهي أوعية من النحاس الكبيرة سعة كل وعاء ما بين 4-5 (أمداد)، وهي وحدة قياس وزن، و"المد" هو 20 كيلو غراماً؛ أي إن الدار كانت تطبخ من البرغل كميات كبيرة وتقدمها للقادمين إليها، كما أنها كانت تساهم في حماية المجتمع من الصراعات وحل الخلافات والنزاعات.

تعدّ مضافة "عرى" الأقدم بتاريخ الجبل، حيث كانت مقراً ومركزاً للمناسبات الوطنية التي ضمتها، وعندما رفع العلم العربي في الثلاثين من أيلول عام 1918، وفي اليوم الثالث منه احتفل أبناء الجبل و"القلمون وحوران والقنيطرة" في مضافة "عرى" بهذه المناسبة. والاحتفالية الثانية كانت بعد صدور العفو عن المبعدين عن الوطن، وذلك عام 1936، حيث تداعى الزعماء للاحتفال بالثوار القادمين من "وادي السرحان"، فهي مركز الفرح، ومصدر القرار في الحرب والسلم

ومعنى "عرى" في اللغة، لفيف الشجر الملتف الذي لا تسقط أوراقه في الشتاء، وتعني أيضاً النفيس من المال، وكذلك عرى الليل أي البرد، فهي الجامعة المانعة لتنوع مجتمعي يحمل المبادرة الإنسانية ليكون وحدة مجتمعية متكاملة. وقد سكنت المضافة قبل 200 عام، لكن وجودها في "عرى" منذ مئات السنين، فهي تعود بفنونها إلى الفن العمراني المتميز من العمارة النبطية، والوجود السكاني فيها يقودنا إلى فترة الزمنية، والزائر والناظر إلى سقوفها والمشاهد للأقفال والمفاتيح بقناطرها يشعر بقيمتها التاريخية، ولهذا اتخذها أهل الجبل عبر صراعهم مع الاحتلال العثماني المركز الأساسي في التداول والتشاور، ومصدر القرار المصيري».

الباحث زيد النجم

وعن تأسيس المضافة اجتماعياً، قال الباحث في التاريخ "توفيق الصفدي": «يعود تأسيسها اجتماعياً إلى "إسماعيل الأطرش"، الذي دخلها بشخصيته الفذة والآفاق الوطنية قبل قرنين، وأكسبها القيمة في جعلها مركز الإشعاع للموقف واتخاذه، وتقرير مصير أفراد المجتمع من خلالها، وكثيرون من زعماء بلاد الشام والأمراء والشيوخ والملوك زاروها، ونهلوا من معين الرأي السديد فيها والرؤية الثاقبة للتصدي للمشكلات والمعوقات التي كانت تعترض حياة الناس، والعائدة إلى قانون الدولة العثمانية الجائر، وقد أفرز المجتمع ما أراد لتنظيم حياته، ومن خلال المضافة قدم قانوناً اجتماعياً وضعياً يحمل قيم الحياة ومبادئ الإصلاح والتكافل الاجتماعي، وهذا يعود إلى عمق الوعي الاجتماعي عند أهل الجبل.

والتوافق بين العائلات وشيوخها وزعمائها، على التوجه نحو مضافة "عرى" لتكون المركز الذي يصدر منه قرار الحرب والسلم، وقد أكد الراحل المؤسس للمضافة "إسماعيل الأطرش" هذه الرؤى، وهذا ما أكده الرحالة القس "ووتر"، الذي وصفه بالقول: (إنه أشجع رجل في شعب شجاع، حيث يتفوق على بقية الزعماء بفطنته وحنكته وسياسته، إن سماته تدل على رجل يتحلى بالشجاعة والإرادة الفولاذية، فهو ربع القامة، فلا يبدو بارزاً، وهو يقف بين زائريه، عنقه القصيرة، ومنكباه العريضان، وأطرافه الضخمة تدل على قوة فائقة، هيئته العامة ذات ملامح عربية أصيلة، حديثه موجز، وأشد إيجازاً في أجوبته). لقد استطاع من خلال المضافة تثبيت الزعامات بالمشاورات فيها، ونشر الأهازيج والغناء وتكريم الشهادة والشهداء، وتناول الأحاديث المهذبة والوطنية، والحث على النضال والبطولة، وخلق رموزاً للأحداث ونشر ثقافتها، لتصبح المضافة الأولى في جبل العرب، والمآل لأهلها بعد أن اشتهرت بالكرم والجود بالدرجة الأولى، وهي رمز العزة والرخاء والبطولة والوطنية بالدرجة الثانية، وإذا أرادوا أن يصنفوا كريماً، يقولون: (كرمك كما كرم مضافة عرى)».

الباحث توفيق الصفدي

وعن مآثرها التاريخية والوطنية، أوضح الباحث "إبراهيم جودية" بالقول: «تعدّ مضافة "عرى" الأقدم بتاريخ الجبل، حيث كانت مقراً ومركزاً للمناسبات الوطنية التي ضمتها، وعندما رفع العلم العربي في الثلاثين من أيلول عام 1918، وفي اليوم الثالث منه احتفل أبناء الجبل و"القلمون وحوران والقنيطرة" في مضافة "عرى" بهذه المناسبة. والاحتفالية الثانية كانت بعد صدور العفو عن المبعدين عن الوطن، وذلك عام 1936، حيث تداعى الزعماء للاحتفال بالثوار القادمين من "وادي السرحان"، فهي مركز الفرح، ومصدر القرار في الحرب والسلم».

مدخل المضافة