سعت إلى حلم امتلاك مهارة لغوية خارج حدود دراسة هندسية شعرت بأنها ستقيّد موهبتها، فخطّت "هبة الحلبي" طريقها على هيئة حلم بدأت بوادره تتجسّد بنجاح تلو الآخر.

بعد دراستها للمعهد الهندسي والدخول في مجال العمل، شعرت بأن هذا التخصص بعيد عنها، وقرّرت العودة إلى الدراسة لتكتسب مهارة جديدة تقرّبها إلى المعرفة التي تحلم بتحصيلها، فدرست اللغة الروسية إلى جانب إتقانها السابق للغة الإنكليزية، لكن الخيارات تبدلت إلى مسار جديد ومشوار تعدّه الأجمل وفق حديثها لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 8 تشرين الأول 2017، وقالت: «أتقنت اللغة الإنكليزية بحكم ارتيادي مدرسة لبنانية في "نيجيريا" لكوني درست المرحلة الابتدائية فيها، حيث كان استقرار الوالد للعمل، وعند العودة إلى "سورية" تابعت الدراسة في مدارس قرية "عرمان"، لكنني بقيت على صلة جيدة باللغة، وكانت لدي رغبة كبيرة بتعلّم اللغة الروسية التي باشرت دراستها من المرحلة الثانوية لأكتسب بعض معارفها، وبعد التخرج في المعهد، تقدمت لنيل الشهادة الثانوية من جديد، وكان معدلي مناسباً لقسم اللغة اليابانية، وكانت البداية طريقاً صعباً ومرهقاً حاولت قدر الإمكان تجاوز قسوته لتحقيق هدفي، وإتقان هذه اللغة والتمكن منها».

لأنني أعشق الشعر والأدب لم أشعر بإتقان اللغة اليابانية حتى تمكّنت من مطالعة أدبها، وأخذت أخط بعض المحاولات التي تضاف إلى ما كتبته من أشعار في اللغتين العربية والإنكليزية، وكانت البداية في مجلة "الأسبوع الأدبي"، وأستمر للإعداد لمشروعي في الترجمة الأدبية، وهو مشروع بدأت تظهر ملامحه الأولى لكونه الأقرب إلى ميولي

التسجيل وبداية الدراسة مرحلة فيها الكثير من العمل، لكن الصعوبة أخذت تثقل خطواتها، وأضافت: «اليابانية لغة معقدة، ففي السنوات الأولى استفدنا كطلاب من المدرّسين الذين تدرّبوا على يدي أساتذة يابانيين، لكنهم غادروا "دمشق" مع بداية الأزمة، وتابعنا مع المعيدين، وكانت جهودهم مميزة وساعدونا، لكن الحقيقة التي لا أخفيها أنني عندما بدأت الدراسة شعرت بأنني أضعت دافعي لتعلم اللغة اليابانية تحديداً؛ وهو ما تسبّب لي بصراع داخلي، لكن الفكرة بدأت تتغير عندما حددت دوافعي، وبدأت أكتشف مفاتيح هذه الدراسة التي تطلّبت مني جهوداً كبيرة اختلفت عن كثير من أنماط الدراسة، ولأبني علاقتي مع اللغة وأبحث بكل طاقتي عن أي باب لتطوير المهارة، وليس فقط تجاوز سنوات الدراسة بنجاح، وأكون الثانية على دفعتي، بل لأتقن اللغة كباب جديد للاطلاع على ثقافة جديدة، وتتسلل لي رغبة البحث في الأدب الياباني والمنتج الثقافي، الذي أخذني إلى عوالم جديدة وجدتها متقاربة مع موهبتي في كتابة الشعر باللغتين العربية والإنكليزية».

هبة الحلبي

منحة في إحدى جامعات "اليابان" حلم وضعها على طريق النجاح، وقالت: «هي منحة تقدمت للحصول عليها، وكانت عبارة عن منحة عام دراسي في جامعة "ريتسوميكان" بمدينة "كيوتو"، وكانت هذه المنحة أحد أحلامي، لكن الدخول في التجربة يختلف كثيراً عن معايشتها، فقد وجدت تقريباً بمفردي، فأنا أتقن الإنكليزية، لكنها قليلة الاستخدام في هذا البلد، وكانت مهارتي اللغوية في مراحلها الأولى، هي مرحلة فيها كثير مما كنت أصفه بالكفاح كدعابة، لكنه كذلك في الواقع، لأتابع المحاضرات والبرامج الدراسية من جهة، وأتخذ خطوات للاختلاط بالشعب الياباني وأعبر مراحل هذه المنحة من جهة أخرى، حتى التقيت مجموعة من الشباب العرب الذين أعدّوا مبادرات لدعم الشعب السوري، وباشرت العمل معهم وتعاونا، لأخوض تجربة جديدة كانت خاتمة هذه المنحة وأتعمق أكثر باللغة، وأستفيد من دعم كبير قدمته لي مدرّستي "رغد عادلي" التي تستقر اليوم في "اليابان"، وتابعتني باهتمام كبير».

الشعر والأدب في اللغات الثلاث شغلها ليكون مشروعها المستقبلي للترجمة والكتابة، وقالت: «لأنني أعشق الشعر والأدب لم أشعر بإتقان اللغة اليابانية حتى تمكّنت من مطالعة أدبها، وأخذت أخط بعض المحاولات التي تضاف إلى ما كتبته من أشعار في اللغتين العربية والإنكليزية، وكانت البداية في مجلة "الأسبوع الأدبي"، وأستمر للإعداد لمشروعي في الترجمة الأدبية، وهو مشروع بدأت تظهر ملامحه الأولى لكونه الأقرب إلى ميولي».

المدرّسة رغد عادلي

عن طاقة إبداعية كبيرة لمستها "رغد عادلي" المدرّسة في قسم اللغة اليابانية في جامعة "دمشق"، ومنسقة لمنظمة عالمية مقرها "طوكيو" عند "هبة"، قالت: «تعرّفتها في قسم اللغة اليابانية في جامعة "دمشق"، وكانت منذ البداية مثالاً كبيراً على التحدي؛ فهي فتاة متخرّجة فعلياً في الجامعة، ومع ذلك فإن طموحها لم يتوقف، ورغبتها بالتحدي كانت تشعّ دائماً من عينيها.

العديد من الطلاب في الجامعات عموماً يدرسون فقط من أجل النجاح والحصول على الشهادة، لكنها ليست من النوع الذي يلتزم بدراسة ما من دون أن يتعلق بها روحياً، ويحبها من أعماق قلبه كما هي عادة المبدعين؛ وهذا التحدي الذي جعلها تصاب ببعض الإحباط خلال مسيرتها الدراسية.

هبة في غابة القصب في كيوتو اليابانية

وكان التحدي صعباً بالنسبة لها، وبعد وصولها إلى حالة من الضياع، ظهرت فتاة جديدة داخلها، وعلّمتني قبل أن أعلّمها معنى التحدي، وانطلقت أيما انطلاقة، وأظهرت قوتها الكامنة، وحققت تفوقاً عالياً حصلت بفضله على منحة دراسية في جامعة من أفضل الجامعات اليابانية.

"هبة" باحثة ماهرة في اللغات؛ فهي تتقن الإنكليزية كذلك، وقد قامت بتدريس الإنكليزية لليابانيين في "اليابان"، مع أنها ليست لغتها الأم، وهذا شرط من أهم شروط تدريس الإنكليزية في بلد متقدم مثل "اليابان"، إلا أنها قامت بذلك نظراً لإتقانها اللغتين الإنكليزية واليابانية».

ما يجدر ذكره، أن "هبة عادل الحلبي" من مواليد عام 1990، تتقن الإنكليزية، وتعلّمت الروسية بمفردها، وتعدّ لمشروعها الأدبي، وشاعرة نشرت قصائدها في بعض الدوريات العربية.

ومن المقاطع الشعرية التي ألّفتها ننشر هذا النص:

"اكتبي شيئاً

فصرير القلم يمحو الصمت

اكتبي

فالفكرة تنجب أخرى

وتتحدّى الموت

اكتبي

ففي يراعك ألفُ قنديل

وصدىً لمليون صوت

قد يقرؤكِ

كاتبٌ اعتزل الكتابة

فيقرّر الرجوع

قد يقرؤكِ

طفلٌ قيّدَته الكآبة

لكنه مَلّ الدموع

قد يقرؤكِ

صمودكِ ذات يوم

فيتذكر أنه ما اعتاد الركوع

فليسمع الكون

صوتَ أنفاسك

ولتسمع الجموع

فلتعرفي

أنتِ مَن لا تستسلم

ومَن لا تعرف الخضوع

فعودي للقلم

ولورقِ الدفاتر

وقلوبِ القارئين

فنحن من لم نُخلق لنصمت

بل لنكتب آلام الصامتين"