يعيش "المعنّى" على شفاه شعراء الزجل بتجسيد الواقعة والموضوع معتمداً الارتجال، متكئاً على الدلالة والمعنى بما يحمل من صور وعبارات وتعابير إبداعية.

حول "المعنّى" ومشتقاته، مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 30 آب 2017، التقت الباحث التراثي "محمد طربيه"، الذي بيّن قائلاً: «يعدّ "المعنّى" شعراً إبداعياً، لأنه قائم على توثيق اللحظة بارتجال يحمل البعد الدلالي والمعاني المتعددة، وهو كأدب أو فن أدبي مغنى يعتمد الارتجال، وقد اشتق من معانٍ ودلالات عديدة، وإذا بحثنا في تاريخه ونشأته نجد أنه من اختراع "السريان"، فيقول عنه "أنيس فريحة" أستاذ اللغات الشهير: «إن لفظة معنّى هي اسم مفعول من الفعل السرياني "غنّى"، فيكون معناها "المعنّى"، والمعنّى للإنشاء والتنغيم». ويقول المؤرخ "جورجي زيدان": «والذي نراه أن الأوزان العامية مأخوذة في الأغلب عن أوزان الشعر السرياني».

والذي نراه أن الأوزان العامية مأخوذة في الأغلب عن أوزان الشعر السرياني

وللمعنّى أنواع عديدة، منها: العادي، القصيد، الموشح، والمجنس، وغيرها، ويتألف "المعنّى العادي" من مطلع ودور، والمطلع عبارة عن بيتين شعريين، قافية صدر البيت الأول وعجزه، وقافية عجز البيت الثاني واحدة. أما قافية صدر البيت الثاني فتكون حرة، وينظم على البحر "اليعقوبي" الذي يتألف من اثنتي عشرة حركة للصدر، ومثلها للعجز، ومثاله:

الباحث التراثي محمد طربيه

"الحب من قلبي شرب أصفى الخمور... وعن بيدري ما بيبعدو رفوف الطيور

وكــل مــا حبيت زهــرة بــالهـوى... بتغـتار وبياخـد ع خاطرها الطيور"

الشاعر لطفي عبد الرزاق

أما الدور، فيتألف من بيتين شعريين، قافية صدرهما وقافية عجز البيت الأول واحدة، أما قافية عجز البيت الثاني، فتعود إلى المطلع، ومثاله:

"يا ما زنابق غازلتني بالوما... والبلبل البردان بجناحي احتما

وكل ما فتّحت عيني بالسما... يتسابقو عالحب خيات البدور"

وهو على نفس الوزن السابق؛ أي على "البحر اليعقوبي"، والقارئ للأبيات يستمتع بالألفاظ والدلالات».

وعن أنواع المعنّى يقول: «له أنواع منها "معنّى القصيد"، وهو من ناحية القافية وتكرارها أنواع، النوع الأول قافية صدر البيت الأول وقافية عجزه، وقوافي إعجاز الأبيات الأخرى واحدة، أما قافية صدر البيت الثاني وما يليه من الأبيات فواحدة، وأغلب الأحيان يكون في القصيدة "خرجة" قافيتها حرة، لكن قافية البيت الأخير من القصيدة تعود إلى القافية العامة. وينظم هذا النوع على "البحراليعقوبي" الآنف الذكر، ومثاله:

"أحلى من ثياب الأطالس والحرير... وأعلى من شموخ الخورنق والسدير

وأكبر من الرسمال في خزنات مال... وأطهر من الزنبق على حفة غدير

وأكبر من الفجر المــتوج بالجـمال... وأجمل من الزهر المعمّد بالعبير

وأبدع من الشاعر على درب الخيال... حنية جناح الأم عالطفل الصغير"

والنوع الثاني تكون قافية الصدور جميعها واحدة، وقافية الأعجاز جميعها أيضا واحدة، ومثاله:

"وقفت معي عاقبال هالبيت العتيق... وتنهّدت نهدة ع أيام الصبا

قدام بابــو عــتقت كـتير الطـريق... ومن بعد منا ما إنقَلَو مرحبا"

والنوع الثاني المعنّى "الجناس"، ويتألف من عدة أبيات، قافية صدر البيت الأول وبقية الأعجاز واحدة، وصدور الأبيات التي تليه عبارة عن لفظة متشابهة باللفظ مختلفة في المعنى، أما قافية عجز البيت الأخير، فتعود إلى القافية العامة، ومثاله:

"في يوم نايفة جالسة عالمسطبي... وهيفا تمشط شعرها الكث العبي

تمــعنت في بنتــها تــلك العـجوز... وعنها حـسن هـيفا ولطـفا ما خـبي

تذكرت عهد الي مضي بوادي العجوز... قرب البيادر وقت ما شافت أبي

لـعب الهــوى بيقلبها لعب العــجوز... القلب بفنون الهوى أصدق نبي

كانت صبية شارقة مثل العجوز... واليوم صارت شمسها بحضن الغروب

وعصف ريح السن بالورد النضير"».

وأوضح الشاعر الزجلي "لطفي عبد الرزاق" أن هناك معنّى عادياً يحمل بين مفرداته وأنواعه حواراً، ويقول: «يعرف المعنّى بأنه نوع من أنواع الزجل المغنى على المنبر، ويحمل في مضامينه مواضيع واقعية، ويعتمد ثقافة الشاعر وقدرته على اقتناص اللحظة وتوصيفها، والأهم فيه الارتجال، وخاصة في نوع يسمى المعنّى العادي وهو المتداول في الجوقات، وهو مغنى كغيره، لكنه يحمل مواضيع متنوعة وجميعها واقعية. و"المعنى العادي" هو أبسط ألوان المعنى، وأغلب الأحيان يكون العمود الفقري للحوارات الزجلية بين شاعرين، وتكون قافية صدور الأبيات وإعجازها واحدة، وتنفرد قافية صدر الأخير بالخروج من القافية، ومثاله:

"يا جــارتي بالحب وليــالي الهــوى... يا ريت فــينا بهالعمر نبقى ســـوا

بذكر وقت مالخصر عازندي التوى... وخمر الدمع من كاس عينيكي هوى

من يومها قلبــي على حــبك نــوى... وبين السعادة عشت عمري والنوى

تاصرت اسمع صوتك بنبض الحياة... وألمح خيالك كــل ما هــبّ الهــوا"

وكذلك يوجد نوع المعنى القصيد، ومن أمثاله:

"يوم الـي بـدك للهـوى تتبسمي... بدها الدني تنسى هموما المؤلمة

وما يضل باقي لا عذاب ولا كدر... وينبدل بالشوك ورد العجرمي

وبدو الحنان يدّب بيقلب الحجر... والديب يلبس ثوب نعجة مسالمة

والعقربة العقصاتها بتأذي البشر... سماتها بتحولو سـمـن وعســل

وبتنحسد منها الفراشة الناعمة"

نلاحظ أن للمعنّى أنواعاً متعددة ومتنوعة، وهو نتيجة واقعية لإبداع منسجم مع طبيعة الإنسان وتطور عقله وفكره، خاصة بمناقشته مواضيع اجتماعية وإنسانية وثقافية وواقعية، وهو جماهيري وشعبي عامي بامتياز».