يحتلّ الشعر الشعبي في "جبل العرب" مكانة مهمة في الذاكرة، فتاريخ نشأته بدأت مع وجودهم فيه، حيث حمل لواءه شعراء دوّنوا الوقائع والأحداث بصور إبداعية واقعية، وكانت مصدر التأريخ.

حول نشأة الشعر الشعبي في "جبل العرب"، مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 22 حزيران 2017، التقت الباحث التراثي الدكتور "أسعد منذر"، الذي بيّن قائلاً: «يحمل الشعر الشعبي أبعاداً اجتماعية وإنسانية، وله مكانة في تاريخ الأدب عامة ولدى الشعراء في الجبل خاصة، لما له من أهمية في تنمية العلاقة المشتركة بالزمان والمكان، ويقسم التوثيق والتدوين للشعر الشعبي في "جبل العرب" إلى مرحلتين: مرحلة الاعتماد على الشعراء، أمثال: "الشيخ أبو علي قسام الحناوي"، و"شبلي الأطرش"، و"إسماعيل العبد الله"، و"عبد الله كمال"، و"فندي المتني"، وتنحصر في فترة الاحتلال العثماني، إذ كانوا فرساناً في الشعر مثلما كانوا في الميدان، وتركوا إرثاً شعرياً جميلاً، حيث وثّقوا باستمرار، ومنه يؤخذ العبر والدروس، وقد زخر بالقصائد التي تبين مساوئ الحكم العثماني، على حدّ قول الشاعر "شبلي الأطرش" عن الأتراك:

يحمل الشعر الشعبي أبعاداً اجتماعية وإنسانية، وله مكانة في تاريخ الأدب عامة ولدى الشعراء في الجبل خاصة، لما له من أهمية في تنمية العلاقة المشتركة بالزمان والمكان، ويقسم التوثيق والتدوين للشعر الشعبي في "جبل العرب" إلى مرحلتين: مرحلة الاعتماد على الشعراء، أمثال: "الشيخ أبو علي قسام الحناوي"، و"شبلي الأطرش"، و"إسماعيل العبد الله"، و"عبد الله كمال"، و"فندي المتني"، وتنحصر في فترة الاحتلال العثماني، إذ كانوا فرساناً في الشعر مثلما كانوا في الميدان، وتركوا إرثاً شعرياً جميلاً، حيث وثّقوا باستمرار، ومنه يؤخذ العبر والدروس، وقد زخر بالقصائد التي تبين مساوئ الحكم العثماني، على حدّ قول الشاعر "شبلي الأطرش" عن الأتراك: "واللي سلم آمن إلى الترك والخزر... لابد دمو يخالط سمومهم ومن يأمن النادوس والتمساح... ويروح عرضو في الأمان سفاح" وتنحصر المرحلة الثانية بالاستعمار الفرنسي، الذي أوضح الشاعر "علي عبيد" أسبابها بقوله: "وتعاملوا دروب السقاطات والعيب... زادوا الفساد وكتفوا الناس تكتيف وتطاولوا عالكل والحال تذنيب... وعجز القلم عن ظلمهم بالتواصيف"

"واللي سلم آمن إلى الترك والخزر... لابد دمو يخالط سمومهم

الأديب فرحان الخطيب

ومن يأمن النادوس والتمساح... ويروح عرضو في الأمان سفاح"

وتنحصر المرحلة الثانية بالاستعمار الفرنسي، الذي أوضح الشاعر "علي عبيد" أسبابها بقوله:

من أدوات التراث الشعبي

"وتعاملوا دروب السقاطات والعيب... زادوا الفساد وكتفوا الناس تكتيف

وتطاولوا عالكل والحال تذنيب... وعجز القلم عن ظلمهم بالتواصيف"».

الباحث الدكتور أسعد منذر

الشاعر "فرحان الخطيب" عضو اتحاد الكتاب العرب، وعن نشأة الشعر الشعبي قال: «إنّ الموجة البشرية الأولى التي سكنت جبل العرب عام 1685، واستمرّت حتى الآن، لا تدل على وجود تاريخ للشعر الشعبي قبل بداية القرن التاسع عشر؛ إذ عثرنا على بعض القصائد للشاعر "أسعد نصّار"، وتلاه الشاعر الشيخ "أبو علي قسّام الحناوي" المولود عام 1815، والمتوفى عام 1884، وقد جاء في كتاب "التعريف بمحافظة جبل العرب" لمجموعة من المؤلفين والصادر عام 1962 عن وزارة الثقافة: "من أَقدم شعراء الجبل المعروفين اليوم "أسعد نصّار"، والشيخ "أبو علي قسام الحناوي"، وهذان الشاعران شهدا فتوحات "إبراهيم باشا" المصري. وكان "أسعد نصار" أقدمهما تاريخاً، وإذا علمنا أنّ حملة "إبراهيم باشا" كانت عام 1837؛ فهذا يعني أن "أسعد نصّار"، كان حينئذٍ في سن متقدمة لأننا لم نسمع بذكره لاحقاً، كما سمعنا بالشيخ "الحناوي" وقصائده التي تناولت المعارك القاسية بين أهالي الجبل والقوات العثمانية، كما في معركة "ساري عسكر" عام 1852، ومن المفيد أن نذكر هذين البيتين للشاعر "نصّار" في الغزل، وهو يتذكر محبوبته التي تركها في "لبنان"، حيث يقول:

"فَوق الجبل يا ريح سافر بالعجل... وقرب عليك بعيد خطوات المجال

نجمي غطس في برج عالي واختفى... وطل ونفذ من خلف ظهرك يا جبل"».

وعن البدايات أكد "الخطيب" بقوله: «في الحديث عن بدايات الشعر الشعبي في الجبل لا تكتمل الصّورة إلا إذا تمّ ذكر الشّاعر المجلّي "شبلي الأطرش" والمعاصر للشيخ "قسام حنّاوي"، إذ أنه ولد عام 1850، وتوفي عام 1904. وقد تنوعت أغراض شعره، وأضاف إلى أغراض الشعر عند "الحنّاوي" غَرَضَيْن مهمّين، هما: الغزل، وشعر المنفى؛ فقد نفته "تركيا" عدة مرّات إلى سجونها في "رودس وأزمير وأنقرة"، فاشتعل حنيناً ووجداً إلى وطنه وجبله وداره، فقال:

"يا دار قلبي دايم الدوم يطريـك... وان نمت أشوفك بالهواجيس يا دار

يا كبر همي ان كان غيري مراعيك... وحنا بحبس الروم جـوات البحـار"

وفي الغزل يقول:

"إن كان عنا يســـألون حبابي... يا حوبتي راسي عليهم شابي

جسمي فني عيا يشيل ثيابي... والموت عن هجرانهم أحلالي"

إن الشعر الشعبي في الجبل بدأ مطلع القرن التاسع عشر ممزوجاً باللهجة اللبنانية والبدوية، وما استجدّ على ساكنيه من تطويع للكلام حسب الحاجة، وكان الشعر يشتمل على الأغراض التي ذكرناها، ولاحظنا عدم الاستقرار بالوزن الشعري ضمن القصيدة الواحدة، ودخول الفصيح وبحور الفراهيدي في بعض القصائد، إذ كان همّ الشعراء إيصال الفكرة، وتدوين واقع الحال، أكثر من اهتمامهم بالصنعة الفنية للشعر، لكن هؤلاء الشعراء الثلاثة لهم الرّيادة في افتتاح ديوان الشعر الشعبي في الجبل، ليلحق بهم فيما بعد "إسماعيل العبد الله، ونجم العباس، وجاد الله سلام، وصياح الحمود الأطرش"، ونصل إلى مطلع القرن العشرين بولادة الشاعرين "ثاني عرابي، وسلمان النجم"، ولما تزل مسيرة الشعر الشعبي تسير بوتيرة عالية، على أيدي أجيال متعاقبة، والآن يتجدد الشعر على أيدي شباب يستحقون الوقوف ودراسة نتاجهم».

وتابع "الخطيب" عن اللهجة في الشعر الشعبي بقوله: «نرى أن لغة هذا الشعر تقترب من اللهجة اللبنانية، وهنا ندرك أن الشاعر حديث الوجود في الجبل، ولا يزال محتفظاً بلهجته، مع محاولته الاقتراب من اللهجة التي توضعت في الجبل على ألسنة من جاء قبله، كقوله فيما بعد:

"حنا بني معروف نحمي الجار لو جار... نقنى المزند وفتيلك ما نداريــــــه"

أمّا الشيخ "أبو علي قسام الحناوي"، فقد ترك لنا مجموعة من القصائد، احتوتْ عدداً من الأغراض الشّعرية، أهمها الفخر والرثاء والحكمة، لكنّ ما ميّز هذا الشعر، هو أنّه كان سجّلاً تاريخياً للأحداث التي مرّت، وحرصنا على تسميته بالتأريخ الشعري، لكثرة ذكر الأيام والتواريخ، وعدد أيام المعارك والحملات وأفرادها، وعدد قتلى الفريق المهاجم والمدافع أيضاً، ولربما تطرق إلى عدد الغنائم كقوله:

"وأول فتوح الشر ذبح البصيلــــــي... كسبنا خمسمية حصان فرد نهــــار

ذبحنا الوزير وكل ضباط عسـْـكرو... وثلثين جيشو راح قصف عمــــــار

وستين كون نقابلو وما نهابــــــــو... ونســـحق جيوشـــو بهمة الجبـــــــار"

ونلاحظ هنا دقة القول، فهم ذبحوا قائد الحملة "علي آغا البصيلي"، وكسبوا خمسمئة حصان في يوم واحد من أيام المعارك التي خاضوها، مع أنهم حاربوه ستين "كوناً" يوماً ولم يخافوه، وقد قتلوا ثلثي جيشه، وبعدها يختم بقوله:

"وسبعين ألف اللي انفقد من عسكرو... ومن بعدها أصلح وفات الثــار"

وقد فُقد من عسكره سبعون ألفاً، وانتهى الأمر بعقد اتفاقية صلح، وهذا نموذج من الشعر التأريخي عند الحنّاوي، وقد قارنّا شعره مع الباحثين التاريخيين، فوجدنا أنه يتطابق وهذه الأعداد، حتى إنهم أفادوا منه في بحوثهم».