يعدّ الشاعر الشعبي الراحل "حمد المصفي" آخر جيل العمالقة في الشعر الشعبي الذي وثّق مراحل تاريخية متعددة، حيث تجاوز المحلية ليدوّن بقصائده أحداث "اليمن والعراق وتونس والجزائر وفلسطين وسورية"، وما خاضته من تجارب بصوته الشعري.

عن حياة الشاعر الراحل "حمد المصفي" وبيئته الاجتماعية، مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 7 أيار 2017، التقت نجله "فراس المصفي" الذي تحدث عن حياة والده قائلاً: «ولد في قرية "امتان" المعروفة في "جبل العرب" أنها منبع الأدب والفكر والشعر، وكانت ولادته في 26 آذار عام 1929، حيث خاض تجربة عارمة في عمله وصراعه مع الحياة اليومية بعد أن فقد والده وهو بعمر السنة، فعاش يتيماً وتربى ضمن أسرة فلاحية، لكنها تمتاز بقرض الشعر الشعبي. وقرية "امتان" المعروفة ببلدة الشعراء ضمت ستة عشر شاعراً مميزين، منهم شقيقا الراحل "حمد المصفي". هذه البيئة الإبداعية الفلاحية التي نشأ فيها، أكسبته روح المبادرة نحو المعرفة بعد أن نال الشهادة الابتدائية، وأخذ يبحث عن العلم وكنوزه، حتى إذا ما اشتد عوده التحق بالجيش واشترك في معارك عام 1948، ثم عام 1967، لكن الميزة التي تركت الأثر الإيجابي في حياة والدي أنه قضى مدة زمنية طويلة بخدمته في "الجزيرة السرية"، وعاشر بتلك الأماكن أبناء العشائر العربية حيث نهل من معينها المفردات البدوية النبطية، وتطور في رؤيته للشعر الشعبي إلى درجة كبيرة، ونال التقدير منهم حتى ما بعد الخدمة لزمن ليس بالبعيد، وبالتالي تراه يدون الأحداث الوطنية والقومية؛ إذ قلما يحدث موقف في أي بلد عربي إلا ويكتب عنه قصيدة شعرية؛ لهذا عرف بقوميته وعروبته الصادقة».

أحب والدي التجديد والتطوير في صوره؛ لذلك تراه يتنقل بين المجتمعات في شعره، وهو الذي اهتم أكثر بالتاريخ حتى لقب بشاعر قائد الثورة السورية الكبرى "سلطان باشا الأطرش"، ورسم خطوطاً عامة في استحضار التاريخ وأحداثه حين عمل على تصوير وقائع "سلطان بن رشيد" الذي جاء إلى "الجبل" وصور مراحل سيره بقصائد خالدة مازال المجتمع يتناقلها إلى يومنا. اقترب والدي من عقده التاسع وهو يحمل هاجساً ذاتياً بمصداقية وجدانية، رحل وهو يحمل ألف سؤال وسؤال بصدره كشاعر موثق للحدث واللحظة، وترك إرثاً مهماً لو قيض للباحثين دراسته لرأينا تطور القصيدة الشعبية لديه

وعن التجديد في شعره أضاف: «أحب والدي التجديد والتطوير في صوره؛ لذلك تراه يتنقل بين المجتمعات في شعره، وهو الذي اهتم أكثر بالتاريخ حتى لقب بشاعر قائد الثورة السورية الكبرى "سلطان باشا الأطرش"، ورسم خطوطاً عامة في استحضار التاريخ وأحداثه حين عمل على تصوير وقائع "سلطان بن رشيد" الذي جاء إلى "الجبل" وصور مراحل سيره بقصائد خالدة مازال المجتمع يتناقلها إلى يومنا. اقترب والدي من عقده التاسع وهو يحمل هاجساً ذاتياً بمصداقية وجدانية، رحل وهو يحمل ألف سؤال وسؤال بصدره كشاعر موثق للحدث واللحظة، وترك إرثاً مهماً لو قيض للباحثين دراسته لرأينا تطور القصيدة الشعبية لديه».

فراس المصفي

حول شخصية الشاعر الراحل "حمد المصفي" الإبداعية أوضح الشاعر "حازم النجم"؛ موثق حياة شعراء "جبل العرب" وأشعارهم، قائلاً: «يعدّ الشاعر "حمد المصفي" واحداً من الشعراء الشعبيين الأوائل في "جبل العرب" الذين خطوا نهجاً في إبداعهم الأدبي، وعمل عليه من عقود خلت، فكان الشاعر المتميز بالكلمة والمعنى والدلالة، وهو يملك ثقافة الشاعر المتعددة المشارب ما بين قراءاتٍ أدبية وعلمية وجغرافية وسياسية، متوازيةً مع ثقافته الاجتماعية، ومع معرفته بدقائق أمور البدو من حيث التقاليد والأعراف، وبالذات القصائد النبطية التي كانت محفوظات كاملة عن حياة البادية، وقد أصبحت هذه المعطيات عوناً له في إصدار شعرٍ نبطي مميز أصبح به ومن خلاله متربّعاً على عرش الفولكلور الشعبي في "جبل العرب"، فشاعرنا يرسمُ معانيه بريشة الثقافة، ولا يحرمُ الشعر من كلمة وحشية أو معنى يحتاج إلى اطلاع واسع من قبل المتلقي، كما كان يقول: (هي كنسبة الملح للطعام)، فهذه الشؤون تمرّ نادراً في قصائده، لكنها تتركُ صدى في نفس المتلقي وذاكرته».

وعن اللغة الشعرية التي تميز بها، تابع الشاعر "حازم النجم" بالقول: «يأخذني هذا الموضوع إلى لغة الشاعر، وما أعنيه لغة القصيدة من حيث اللفظة الواحدة والتركيب اللغوي الذي جاء في معظمه جديداً وخاصاً في شعره، من حيث نظمه بالشعر المحكي أيضاً، وأعني اللهجة المتداولة في "الجبل"، كذلك بعض القصائد الفصيحة بما في ذلك مبنى القصيدة من خلال الأوزان والنماذج، فله ألوانٌ من الشعر، وقد كتب على معظم أوزان الشعر النبطي من "هجيني وشروقي وهلالي وحُداء"، ونماذج "الفن والعتابا" وغيرها. وكتب أيضاً في شعر التفعيلة النبطي مثل قصيدته "فارس أسمر"، ونوّع في مقامات الشعر من "مخمس ومربوع ومجزوء" وغيرها، وهذا يحتاج إلى دراسة أدبية واسعة يستحقها هذا الشاعر الكبير».

الشاعر حازم النجم

يذكر أنّ الشاعر "حمد المصفي" توفي في شهر نيسان 2017.

الشاعر حمد المصفي ومراسل المدونة