التقط تفاصيل الطهو من رائحة الطعام الذي تعدّه والدته كل يوم، واكتشف أن هذه الموهبة هي حياته التي جاهد لكي يمتلك خيوطها، ويحيكها لينال منها الشهرة والمتعة، ومع الزمن، باتت بصمته في الطهو لا تمحى من السجلات وذاكرة الذوّاقة.

"ربيع عامر" المغترب في "الإمارات العربية المتحدة" منذ زمن طويل، سرد في حديثه لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 28 نيسان 2017، تفاصيل رحلته الناجحة كواحد من أهم الطهاة العرب في دولة لا تعترف إلا بالناجحين، وخاصة عندما نال جائزة مزدوجة عن عمله كـ"شيف" مطبخ، حيث قال: «الجائزة كانت على مدار سنتين، وهي أكثر من جائزة؛ فالأولى كانت في "لا سيال أبو ظبي" 2016 كأفضل "شيف" عربي، حيث حصدت 3 ذهبيات في 3 مطابخ مختلفة. والثانية في المكان نفسه عن "سلامة الغذاء"، وحصلت على شهادة وتكريم.

في مهنتنا لا يمرّ يوم إلا وهناك شيء مختلف، وكان أصعب ما مررت به عندما كنت أحضر للعمل مع طاقمي في الساعة السادسة صباحاً عندما وصلني خبر وفاة والدتي. أما أجمل المواقف التي مررت بها، فهي عند ولادة ابنتي بعد سبع سنوات من الانتظار

وهي ليست المرة الأولى في حصد الجوائز؛ فقد نلت جائزة جائزة "الأوردس" العالمية لعام 2016 كأفضل "شيف عربي" على مستوى الشرق الأوسط وشمال "أفريقيا"، وكذلك جائزة أفضل "شيف عربي" في مسابقة "دبي غولف فود صالون كولينير" المعروفة عالمياً. وحصدت ذهبيتين وفضية، ودعيت إلى "ألمانيا" للمشاركة بأحد المعارض في "ميونيخ"، إضافة إلى عدد من التكريمات من قبل العديد من الدوائر الحكومية في "دبي" و"الشارقة"».

الشوندر مع الجبنة

وحول دخوله هذا المجال، وتأثير البيئة التي نشأ فيها، أضاف: «تربيت في بيت كل أفراده يحملون شهادات علمية عليا، لكنني لم أنل غير شهادة الثانوية العامة، أحببت مهنة الطهو لدرجة أنني كنت أساعد أمي بالخبز على الصاج، وتجهيز "الكبة" أو "المنسف العربي"، الذي تشتهر به منطقتنا، وكنت مولعاً بمشاهدة برامج الطهاة الغربية، وعندما تغادر العائلة المنزل أستغل الوقت للذهاب إلى المطبخ، وأحاول صنع شيء مختلف وغير مألوف بالنسبة للأهل، كانت النتائج معقولة قياساً بالوقت والأدوات غير المكتملة، وهكذا بات موضوع الطهو يأخذ مني الوقت الكثير للتعلم، لكن المتعة التي كنت أحسّ بها ما زالت ترافقني حتى اللحظة».

بدأت قصة نجاحه بحادثة غريبة أخرى كادت تودي بحياته، حيث قال: «سافرت إلى "قطر" عام 2000، وعملت بمطعم وفندق، وفي عام 2001 غيرت وجهتي نحو إمارة "الشارقة"، وتابعت التعلم من الطهاة العالميين عن طريق برامج الطهو، وهذا الأمر ساعدني بالترقيات؛ حيث كانت توكل إليّ مهمات أكبر من مركزي الوظيفي لأنجزها بشغف ومتعة، وعندما ترقيت كمساعد "شيف" في أحد المطاعم الكبرى، قررت فتح مطعم صغير لأبدأ فيه حياة جديدة، لكن موقعه كان بعيداً، ولم تنجح التجربة، فتوجهت للبحث عن عمل في "دبي"، وقد عانيت كثيراً عند وصولي، حيث سُرقت محفظتي وأموالي وهاتفي النقال، ورحت أبحث عن عمل أستطيع من خلاله استعادة حياتي التي شعرت بأنها تضيع هكذا بغفلة عين. كان لدي مقابلة عمل في أحد الفنادق، فسرت مشياً على الأقدام في شهر آب، ودرجة الحرارة عالية جداً ولا تطاق، وكادت تهلكني، وعند وصولي إلى الفندق كانت حالتي يرثى لها، واكتملت القصة عندما أخبرني "الشيف" أنه لا عمل لي بعد أن رأى هيئتي المزرية، كان الجوع ينهشني والتعب ينهك جسدي، وعندما أخبرت "الشيف" أن يدعني أعمل ليوم واحد بتكلفة أكلي وأجرة الطريق إلى "الشارقة"، حاول أن يعطيني مالاً من جيبه الخاص، لكنني رفضت ذلك بشدة، فأمر أن أدخل للعمل في المطبخ، كنت أعمل بقهر لا يوصف، ودموع الحزن تقطر من عيني وقلبي؛ وهو ما جعلني أقسم على أن أكون الأفضل في أي مكان. وهكذا كان الدرس قاسياً، لكنه أوصلني إلى ما أنا عليه الآن. أما الحادثة الأخرى، فكانت عام 2006، عندما دخلت المطبخ وبدأت العمل من دون أن أدري أن هناك تسرباً للغاز، لكن القدر أنقذني في آخر لحظة».

"الكبة" على طريقته

ومن "دبي" بدأ عمله يتصاعد نحو الاحتراف والشهرة، وأضاف: «بدأت أتعلم وأترقى، وأشارك بالمسابقات الخاصة بمهنتنا، وتسلّمت العمل في مطعم "العراب"، لمدة خمس سنوات، وبعدها في فندق "الكابيتال اكزيكتف" وكنت أصغر "شيف" فيه، وأعلى رتبة. وتنقلت بين أماكن مشهورة طوال 17 عاماً، وصار لي اسم في إمارة "دبي" وتلفزيونها الرسمي. وطلبني "الشيف أوي ميكيل" نائب رئيس اتحاد الطهاة بالعالم لأعمل معه في فندق "رديسون بلو"، وقدم لي الدعم، وشجعني أثناء المسابقات، وحصدت الجوائز.

ولـ"الشيف" السوري "ماجد الصباغ" رئيس الجمعية السورية للطهي فضل كبير في ذلك؛ فهو الداعم الأساسي للشباب السوريين، ويشجعهم على الارتقاء في العمل».

من أسرار العمل

وتابع: «الجميع يعلمون أن السوريين عباقرة في مجال الطعام والفنادق، لكننا كنّا في وضع صعب لأننا نعمل بلا هوية، وعند اعتماد "الجمعية السورية للطهاة" بالعالم أحسسنا بشعور لا يوصف؛ فأن يعترف بك كـ"شيف" من قبل اتحاد الطهاة العالمي، إنجاز لا يشعر به إلا من يعمل في مهنتنا، فمن خلالها ندخل المسابقات، ويعرف المتخصصون بابتكاراتنا وإبداعنا، فأنا قدمت الطعام العربي بطريقة عصرية تحكي عن التطورات المحيطة بنا. ففي المسابقات تسجل الوصفات باسم الشخص الذي قام بعمل هذه الوصفة، وهكذا تترك بصمتك الخاصة مدى الحياة».

وعن أصعب المواقف التي مرّ بها، يضيف: «في مهنتنا لا يمرّ يوم إلا وهناك شيء مختلف، وكان أصعب ما مررت به عندما كنت أحضر للعمل مع طاقمي في الساعة السادسة صباحاً عندما وصلني خبر وفاة والدتي.

أما أجمل المواقف التي مررت بها، فهي عند ولادة ابنتي بعد سبع سنوات من الانتظار».

رئيس "الجمعية السورية للطهي" الشيف "ماجد الصباغ"، قال: «"ربيع عامر" من الطهاة الأوائل في مجاله حالياً، وهو قائم على مطعم مهم في "دبي" اسمه "أصيلة"، حيث يقدم الأكل الإماراتي بطريقة مبتكرة.

ويعدّ عضواً فاعلاً في "الجمعية السورية للطهي"، وحائز على عدة جوائز في هذا المجال وفي مسابقات عالمية كثيرة، مجتهد خلوق ومتابع لعمله بصدق وأمانة. ولتميّزه في هذا المجال الواسع؛ يمثّل جمعيتنا في مسابقة عالمية قادمة في "الصين"».

يذكر أنّ "ربيع عامر" من مواليد قرية "الهيات" في محافظة "السويداء"، عام 1982، التحق بدورات في اللغات الأجنبية والحاسوب، وسلامة الغذاء، وهو عضو مستشار وخبير في صناعة الجودة العرب، ويتدرّب في "سمارت بزنس أكاديمي" في "السويد".