وصلت شهرة الجراح السوري "جورج الخوري" إلى أوجها في "الولايات المتحدة الأميركية" التي لا تسمح عادةً أن يدخل عالم الجراحة فيها طبيب أجنبي بسهولة. الطبيب الإنسان يكشف عن أسرار كثيرة خلال رحلة اغترابه التي يكتنز خبرته فيها للعودة إلى الوطن.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 14 شباط 2017، مع الجراح "جورج الخوري" المقيم في ولاية "كاليفورنيا"، ليتحدث عن رحلته الطويلة مع العلم، فقال: «ولدت في بلدة "عرى" التابعة لمحافظة "السويداء" عام 1969، ضمن عائلة تحب العلم وتقدسه، وذكريات تلك المرحلة لا يمكن أن أنساها، وخاصة حالة الألفة والمحبة والبساطة التي تشعرك دوماً بأنك جزء من نسيج متجانس، وكان الذهاب إلى مدينة "السويداء" لإكمال الدراسة في مدرسة "شكيب أرسلان" يشبه الحلم لما لها من وقع خاص في النفس، والصداقات التي اكتسبتها في دراستي الثانوية لا يمكن أن يمحوها الزمن. كنت من الأوائل على دفعتي في عام 1987، وكان الطبّ هاجسي وطريقي الذي اخترته، وبعد التخرّج كان اختصاص الجراحة العظمية من نصيبي، غير أنني كنت أطمح لدراسة الجراحة النسائية، وبقي ذلك هاجسي الدائم والهدف الذي سعيت إليه».

هناك أفكار مغلوطة عن مستوى التعليم في الوطن بالمقارنة مع غيره من الدول، والحقيقة إن مستوى مناهج الفيزياء والكيمياء والرياضيات أقوى بكثير من مناهج "الولايات المتحدة"، وهم يتميزون باهتمامهم بالاختصاصات؛ فالطالب الذي يبرع في مجال معين يتم الاهتمام به، ومنحه كل ما يلزم لكي يبدع

سافر "الخوري" إلى "السعودية" لتحسين وضعه المادي، ومارس مهنته في مستشفى "الملك فهد"، غير أنّ اختصاص الجراحة النسائية كان الهدف، وهو يحتاج إلى الوقت والجهد والبداية من جديد، حيث قال: «بعد الانتهاء من خدمة العلم، والبحث عن الاستقرار المادي والمعرفة، كان الطريق إلى "الولايات المتحدة" صعباً، وبقيت أحاول الحصول على تأشيرة الدخول ثماني سنوات كاملة، بدأت من عام 2003، حتى تحققت لي، وهناك اكتشفت أن طبيعة العلم مختلفة عما مارسناه، بدأت الأبحاث وتعديل الفحوصات رغبة في دخول مجال الاختصاصات النسائية، والشيء المميز أن مراكز الأبحاث في "أميركا" يعتمد على العملي بعكس الواقع في بلدي الذي يكثر فيه النظري؛ ففي السنة الثانية يبدأ طالب الطب المناوبة ضمن المستشفيات حتى يتعلم كل شيء عن الطب، بينما نحن تعلمنا القطب بعد التخرج. واصطدمت بحالة كان عليّ تجاوزها بصبر كبير، فالجراحة النسائية لا يدخلها في العادة الأطباء الأجانب، وخضعت للكثير من الاختبارات قبل أن أحصل على مرادي، والملاحظة التي اكتشفتها أن الأعداد الكبيرة من الأطباء السوريين والأجانب الموجودين هنا يختصون بالجراحة الداخلية، ولا يقتربون من اختصاص النسائية؛ لأنه حكر على أبناء البلد المضيف؛ وهذا كان تحدياً كبيراً استطعت تجاوزه، واكتسبت المهارة المطلوبة، وتغلبت على كل المعوقات والمخاوف حتى أصبحت أعمل في ثلاث عيادات متخصصة، وبتّ أنافس الأطباء الأميركيين في الاختصاص الذي يبرعون فيه، ونجحت في ذلك».

الطبيب الخوري

وفي مقارنة مدهشة بين التعليم في "سورية" ونظيره في "أميركا"، يؤكد "الخوري" حقيقة مفاجئة بقوله: «هناك أفكار مغلوطة عن مستوى التعليم في الوطن بالمقارنة مع غيره من الدول، والحقيقة إن مستوى مناهج الفيزياء والكيمياء والرياضيات أقوى بكثير من مناهج "الولايات المتحدة"، وهم يتميزون باهتمامهم بالاختصاصات؛ فالطالب الذي يبرع في مجال معين يتم الاهتمام به، ومنحه كل ما يلزم لكي يبدع».

احتفت به الصحافة والإعلام الأميركي مؤخراً عندما أنقذ امرأة أميركية وجنينها من الموت المحتم بعد نزيف حادّ وتمزق كبير في الرحم من دون إنذار سابق عن وجود أي مضاعفات في حالتها، حيث كانت تنتظر ولادتها الطبيعية الخامسة في أحد مستشفيات مدينة "لوس أنجلوس" بولاية "كاليفورنيا" الأميركية.

مع عائلته

يقول عن هذا الإنجاز: «كان وضع المرأة طبيعياً جداً، وفجأة اتصلت بي الممرضة المسؤولة عن مراقبتها بعد منتصف الليل لتخبرني أنها بدأت تنزف فجأة، وبعد لحظات أخبرتني أنها غابت عن الوعي، وضغطها منخفض جداً، كنت في الطريق أفكر في شيء واحد؛ وهو إنقاذ الجنين، وتوقعت أنّ (صمة السائل الأليوسي) قد وصل إلى الرئتين.

كان المستشفى مستنفراً بكل عناصره حتى وصلت ودخلت فوراً غرفة العمليات، وفتحت البطن المعبأ بصورة غير طبيعية بالدم، فتحت الرحم فلم أجد الجنين، كانت مفاجأة غير متوقعة نهائياً، وتلزمنا ثوانٍ فقط لإنقاذ الجنين الذي وجدته مستقراً بين الأمعاء، وعندما أخرجته وقطعت سرته استجاب فوراً، وأسرعت لإيقاف النزف والوصول إلى الشريان.

الدكتور عماد عبود

كان النتيجة مذهلة، وتم إنقاذ المرأة والجنين بسرعة قياسية، بفضل التشخيص الصحيح للحالة بثوانٍ قليلة».

وعن عائلته والمدينة التي يقطنها وعلاقته مع الجوار، أضاف: «أعمل كمدير طبي للعيادات التي تعاقدت معها، وهنا لا تفكر مطلقاً بالمال، فهناك نظام صحي وتأمينات هي المسؤولة عن ذلك. في "كاليفورنيا" الطبيعة تتشابه مع طبيعة "جبل العرب"، والناس طيبون جداً، ولا تشعر مطلقاً بالتفرقة أو أنك غريب، يحترم الناس بعضهم بعضاً، ويحسنون للجوار، وقد تآلف ولداي مع الحياة هنا، فهما عاشا جلّ حياتهما في الغربة، أحاول أن أتعامل معهما بلغتنا الأم، وأتحدث معهما عن "سورية"، وأطمح للعودة إلى الوطن الذي أعشق ترابه وناسه».

الطبيب المشهور في جراحة الأوعية الدموية والمقيم في الولايات المتحدة "عماد عبود"، قال عن إنجاز زميله: «إن الأطباء السوريين يدفعون الموت عن المرضى في كل بقاع الأرض، والعالم يكافئنا بدفع الموت إلينا، والدكتور "جورج الخوري" ابن "جبل العرب" ينجح في إنقاذ أم ومولودها بإجراء عمل جراحي إسعافي بعد إصابتها بتمزق رحم أثناء الولادة نتيجة اختلاط خطر ونادر، وبحاجة إلى جراحة إسعافية وجراح نادر، وهو يثبت قدرة العقل السوري المبتكر والخلّاق».

يذكر أنّ الجراح "الخوري" من مواليد عام 1969، بلدة "عرى" في محافظة "السويداء".