تقّمصت "زكية الرافع" دور المربية الكبيرة في طفولتها، وتحولت هذه الهواية إلى حلم سعت جاهدة إلى تحقيقه حتى امتلكته باقتدار، فتعاملت مع نموذج مختلف من الأطفال الذين لم يعرفوا العلم يوماً، ونجحت.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 6 شباط 2017، المربية "زكية نواف الرافع"، فتحدثت عن طفولتها وحلمها، وقالت: «ولدت في بلدة "شقا" التابعة لمنطقة "شهبا" عام 1970، وعشت ضمن أسرة كبيرة تتألف من أب وأم وأحد عشر فرداً، قضيناها بجو من المرح والسعادة على الرغم من عددنا الكبير، كانت الحياة بسيطة، وكنت أوسطهم، واعتدت جمع أشقائي الصغار، وأولاد حارتنا لنكوّن صفاً دراسياً كاملاً، وأجمل ما أفعله تقمص دور المعلمة، وجميع الأطفال كانوا يرشحوني لهذا الدور. كانت باحة البيت مرتعاً لنا ولمدرستنا المفترضة، حيث كنت أعلم الجميع عدّ الحروف، وكل ما يخطر في بال طفلة في الحادية عشرة من العمر، فامتلكت الشخصية القيادية، وبالوقت نفسه العطف على الآخرين، فلا أحب أن أرى طفلين متخاصمين إلا وأصلح بينهما، أشعر بأنني مسؤولة، وامتدت بي تلك الفترة حتى سن الخامسة عشرة، حيث بقيت مجالسة للصغار أسمع قصصهم، ولم تكن تستهويني اهتمامات الفتيات مطلقاً.

عاشت أختي وكبرت مع الأطفال، تعشقهم كأم، فلما وجدنا لديها هذا التعلق وحب تعليمهم قمت بمساعدتها في تأمين بعض الأثاث المناسب، والتدفئة اللازمة، وكل ما يلزمها، نحن فخورون بما وصلت إليه اليوم من نجاح

عشت عالم الطفولة بما فيها من صدق وبراءة، وكنت مجتهدة في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، ثم تراجعت في الثانوي بسبب مرض الربو الذي أصابني، فلم أتابع الدراسة الجامعية».

أثناء أحد النشاطات في الروضة

بعد اشتداد المرض ومحاولة التغلب عليه، لم تنس ملاحقة الحلم، ولم يكن أمامها سوى اللجوء إلى مديرية تربية "السويداء" التي منحتها الفرصة، وتقول: «تقدمت بطلب للتعليم بالوكالة عام 1998، وبقيت فيها حتى عام 2010 كمعلمة وكيلة في مدارس البادية، ثم أوكلت إليّ التربية إدارة مدرسة "المفطرة" للتعليم الأساسي. في هذه المدة حصلت إدارة المدرسة على كتاب شكر من المديرية مع أنه لا يعطى إلا للمثبتين وعلى الملاك الرسمي، قضيت في الإدارة أربع سنوات حتى عام 2006، ثم عينت مديرة بالوكالة في مدرسة "صعد" حتى عام 2010، في هذه المرحلة بدأت علاقتي الحقيقية بالأطفال، حيث تعرفت إلى أطفال يختلفون عن أطفالنا، فهم مازالوا ينظرون إلى المعلم باحترام كبير ورهبة، لكن الخوف كان مسيطراً عليهم، وبما أنني لا أحب أن أرى الخوف في عيون طفل بدأت أتقرب منهم كثيراً، وأحاورهم كطفلة مثلهم حتى لا يشعرون بالوحشة، ووجدت صعوبة في التجاوب أولاً، لكن بعد مدة قصيرة جداً استطعت كسب محبتهم وثقتهم، وأعترف أن هؤلاء كانوا أكثر أثراً في حياتي، وجعل للطفولة مكانة كبيرة لدي. وكذلك في مدرسة "المفطرة" قد واجهت ذات المشكلة بأطفال ليس لديهم انفتاح على التعليم، ومع ذلك كسبت محبتهم ومحبة كل أهالي القرية، وأعطيت الأطفال كل استطاعتي، وغيرت من طباعهم وزرعت الثقة بأنفسهم، ومع بداية الأزمة عام 2011، لم أعد أستطيع الذهاب لصعوبة الوضع، فراودتني فكرة إنشاء روضة في منزلي بمساعدة أهلي، وذلك بتخصيص غرفة للدراسة، وحديقة صغيرة للعب الأطفال فيها، وبأثاث بسيط متواضع».

وتابعت الحديث عن روضتها المنزلية بالقول: «بدأت بعدد قليل في البداية، حيث كان عدد الأطفال لا يتجاز السبعة، وهم من أولاد جيراننا، ثم في السنة الثانية زاد عددهم قليلاً، وفي السنة الثالثة بات الإقبال كبيراً، فلم يساعدني ضيق المكان على استيعاب الأطفال، كانت محبة الأهالي للأسلوب والمستوى التعليمي الذي وصل إليه أطفالهم، والحب والرعاية التي أحيطهم بها خلال هذه السنوات القصيرة عاملاً مهماً في بناء الثقة بيننا.

مع الأطفال في الصف

لقد أصبح عالمهم كل اهتمامي، أعطيتهم وأخذت منهم، وأحب التقرب من تفكيرهم، وأسهم في تغيير سلوكهم من السلبي إلى الإيجابي، وإطلاق مواهبهم وتعزيز ثقتهم بأنفسهم».

كبر حلمها، واتسعت آفاقه، فانتقلت إلى مرحلة جديدة، حيث تقول: «مع ازدياد العدد وضيق المكان أوكلت إليّ رئيسة الوحدة النسائية "ميساء الصباغ"، بافتتاح روضة نظامية في نيسان عام 2015، لتضم عدداً أكبر من الأطفال، وانتقلت إلى بناء جديد أكثر اتساعاً في بلدتي التي أحب "شقا"، وتم افتتاحها في بداية عام 2016، وكانت روضة تشاركية مع الاتحاد النسائي باسم "بيت الطفولة"».

وأضاف شقيقها الأكبر "طلال" الذي ساهم في بناء الروضة بالقول: «عاشت أختي وكبرت مع الأطفال، تعشقهم كأم، فلما وجدنا لديها هذا التعلق وحب تعليمهم قمت بمساعدتها في تأمين بعض الأثاث المناسب، والتدفئة اللازمة، وكل ما يلزمها، نحن فخورون بما وصلت إليه اليوم من نجاح».

ربّة المنزل "ميادة النجاد" جارتها في الحيّ، تحدثت عن عملها بالقول: «كنت أراقب من بيتي المربية "زكية"، وطريقة تعاملها مع الأطفال، أحببت أسلوبها في التفاعل المتبادل، وما تقوم به من نشاطات، فما أن أصبح ابني بسن الرابعة حتى سجلته في روضتها من دون تردد، فلدينا الثقة الكاملة بعملها وأسلوبها وطرائقها المبتكرة التي تساعد أطفالنا على إبراز مواهبهم وتسليتهم قبل دخولهم إلى المدرسة».

أضافت رئيسة الوحدة النسائية "ميسون الصباغ": «إنها من القلائل المخلصين لعملهم، متفانية في العطاء في أي مكان تكون فيه، والآن نلاحظ إبداعها وحبها لأطفال الروضة، هذا إضافة إلى قيامها بمبادرات نتيجة تقربها من الأطفال وأمهاتهم، ودائماً تبحث عن مشاريع صغيرة تفيد الطفولة في الصيف، فأثمر هذا عن إقامة نادٍ صيفي ترفيهي يضم الأطفال من سن الخامسة، إلى ما قبل الدخول إلى المدرسة، وبهذه الخطوة التي تلاقي دائماً الدعم والتشجيع من الأهالي، تكتشف ما يكتنزه الأطفال من مواهب من خلال اللعب والمرح والموسيقا والرحلات الترفيهية».