ضمن أدراج المتفوقين، رُتبت أوراق ملف الطبيب "شاهين المحيثاوي"؛ ليسجّل امتياز السّوريين بالذكاء، فكان بحذاقة الألمان حين سجل حضوره بمؤتمراتهم، ورزانة الإنكليز عندما وضع بصمته في مستشفياتهم.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 11 كانون الأول 2016، التقت المهندس الزراعي "لطفي المحيثاوي" شقيق الطّبيب "شاهين المحيثاوي"، الذي سرد بعض تفاصيل الذكريات التي فيها الكثير من التّناقض بين قساوة صخور "اللجاة"، وإشراقة النجاح، فقال: «في قرية "لبين" بمحافظة "السّويداء"، وفي عام 1940، ولد "شاهين فضل الله المحيثاوي"، ليعيش طفولته كغيره من أقرانه، حتى بلغ الخامسة من العمر، حيث أرسله الوالد المحب للعلم إلى المدرسة، وبمساعدة المعلم الوحيد في ذلك الوقت المربي والمصلح الاجتماعي "فارس سرحان"، الذي توسّم بالطفل "شاهين" النّباهة والذّكاء؛ فما استعصى عليه درس، ولم يصب بالحيرة من صفحات المقرر، ولم يستعن بأحد لغموض أو صعوبة في فرض، فأعطاه الاهتمام والرّعاية حتى نهاية الصّف الخامس، حيث انتقل إلى مدينة "السّويداء"، والتحق بالمدرسة المتوسطة آنذاك، وتابع حتى حصل على الشّهادة الثّانويّة بدرجات أتاحت له كل الخيارات. وفي إحدى الأمسيات اجتمع ووالده يدرسان بروية وتبصر ما يمكن أن يدرس "شاهين" فدخل كلية الطّب، وفي السنة الثّالثة، ونظراً إلى الوضع المادي السيّئ؛ أتيحت له الفرصة بالتطوع لدراسة الطّب على حساب الجيش العربي السوري، وتخرّج في كلية الطّب عام 1965برتبة ملازم أول طبيب، وعُيّن كبيراً لأطباء اللواء في "السّويداء"».

عام 1987 وفي مستشفى "تشرين" عرفت الطبيب "شاهين" رئيس الشّعبة العينيّة، عام 1993 تسلّم رئاسة مستشفى "التّل"، فسعيت وبتشجيع منه إلى مرافقته لأتعلم منه؛ وهو أحد رجالات الطّب المميزين في ذلك الوقت، ومن أوائل الأطباء الذين عملوا في زراعة القرنيّة، فتميز بها وأبدع، ويشهد له بذلك الكثيرون ممن أعاد إليهم نعمة البصر بعد إخضاعهم لعملية ترقيع القرنيّة، وهو مدير المستشفى ونحن كنا الأطباء المقيمين، لم يبخل علينا بالمعلومات والملاحظات، وكان بمنزلة الأخ والأب، أعطى كل ما لديه. وفي مجالسته متعة؛ فهو صاحب النكتة الحاضرة، وللعمل الإنساني لديه الحظوة الكبرى؛ وهو ما أسّس له السّمعة العطرة

وعن عمل الطّبيب "شاهين" بعد الدّراسة، يقول "لطفي": «بعد التخرّج، والتّعيين، عمل "شاهين" على تأديّة واجبه تجاه المرضى على أكمل وجه، فكان المعالج، والنّاصح، والمحبّ للجميع، كما كان خير معين ومساعد لوالديه، وأشقائه على اجتياز مراحل الحياة الصّعبة، شارك مشاركة فاعلة في حرب 1967، حيث عُيّن قائد سريّة طبيّة، فكان الضّابط المقدام، ما أعاقه قصف من تقدم، ولا غارة من إنقاذ أو تلبية مستغيث. وفي عام 1973 أوفد إلى إحدى الجامعات البريطانيّة، وتخصّص في جراحة العيون، عاد إلى الوطن يحمل ثناء أطباء المستشفيات البريطانيّة، ليخدم أبناء هذا البلد، تتلمذ على يديه الكثيرون من الأطباء المقيمين بقصد الاختصاص في جراحة العيون، وشارك في العديد من المؤتمرات الطّبيّة في "فرنسا وبريطانيا وألمانيا والمغرب واليابان والاتحاد السّوفييتي" سابقاً، وقدم العديد من المداخلات العلميّة المهمة. ترأس مستشفى "التّل" العسكري، فنهض به بمساعدة أهل "التّل" الغيورين على بلدتهم، حيث قدموا للمستشفى الكثير من المساعدات الماديّة».

الأستاذ لطفي المحيثاوي

تحدث الطّبيب "أحمد أبو حامد" رئيس الشّعبة العينيّة في مستشفى "حرستا" العسكري عن علاقة "شاهين" بالأطباء المقيمين المتدربين، حيث كان واحداً منهم، فقال: «عام 1987 وفي مستشفى "تشرين" عرفت الطبيب "شاهين" رئيس الشّعبة العينيّة، عام 1993 تسلّم رئاسة مستشفى "التّل"، فسعيت وبتشجيع منه إلى مرافقته لأتعلم منه؛ وهو أحد رجالات الطّب المميزين في ذلك الوقت، ومن أوائل الأطباء الذين عملوا في زراعة القرنيّة، فتميز بها وأبدع، ويشهد له بذلك الكثيرون ممن أعاد إليهم نعمة البصر بعد إخضاعهم لعملية ترقيع القرنيّة، وهو مدير المستشفى ونحن كنا الأطباء المقيمين، لم يبخل علينا بالمعلومات والملاحظات، وكان بمنزلة الأخ والأب، أعطى كل ما لديه. وفي مجالسته متعة؛ فهو صاحب النكتة الحاضرة، وللعمل الإنساني لديه الحظوة الكبرى؛ وهو ما أسّس له السّمعة العطرة».

الطّبيب "غازي عساف" اختصاص الجراحة العامة، ورفيق "المحيثاوي" بالدّراسة والعمل، يقول: «تعارفنا عام 1958 مع دخولنا الجامعة، كلية الطّب، وبحكم جيرة مناطقنا تقاربنا، تطوعنا بالجيش بذات الوقت، وأتممنا الدّراسة، ليكون لنا الإيفاد إلى "إنكلترا"، أنهى الطبيب "المحيثاوي" اختصاص السنوات الأربع لطب العيون بسنة ونصف السنة، ودخل مستشفى "مورفليد" في جامعة "لندن"، أكبر مركز للعينيّة في "أوروبا" الغربيّة، ليكون السّوري الوحيد والعربي الوحيد الذي دخل "مورفليد"، تتالت نجاحاته فتعززت مكانته، ولم يعد الطّبيب المتمرن، إنما بات الزّميل لمشاهيرهم، يعتمدون عليه، ويستعينون به، وكثيراً ما يُستشار، يعود إليه المرضى بعد تحققهم من صواب تشخيصه؛ كما جرى مع أحد أعضاء مجلس العموم البريطاني؛ فبعد أن أثنى أستاذ العيون الأول في المستشفى وربما في "بريطانيّا" البروفيسور "دسموند" على رأي الطبيب السّوري؛ ترأس هذا الطبيب عملية العين الأخرى، وكذلك كان مع الأميرة الكويتيّة القاصدة لهذا المستشفى، وما كان لعرضها السخي بالمال أو بملكيته لمستشفى عيون في بلدها أي أثرٍ يصرفه عن التزامه تجاه البلد وأهله، حيث عاد، فكان رهناً لواجبه تجاههم، وكان الطبيب الناجح المتميز، والمحاضر المتفوق الذي تدعوه البلدان في مؤتمراتها الطّبيّة وتنتقيه؛ ففي جامعة "أولم" الألمانية كانت حصة محاضرته في زرع القرنية ومعالجة الماء السّوداء خمساً وثلاثين دقيقة مقابل عشر دقائق لباقي المحاضرين».

الدّكتور غازي عساف

في الخامس عشر من شهر حزيران 2012، توفي الطبيب "شاهين المحيثاوي"، تاركاً ذكره حاضراً مع كل جلسة لأهله وأصدقائه وزملائه.

الدّكتور أحمد أبو حامد