لظهور الزجل وانتشار النظم به أثره؛ ليس على المستوى الإبداعي فحسب، بل على مستوى الكتابة حول الزجل أيضاً، وذلك بتناول جوانب من تاريخه أو ظواهره أو قواعد نظمه أو خصائصه الغنية أو دوره الاجتماعي، وأهم ما في هذا المجال نقده بنيوياً وإبداعياً.

حول تاريخ الزجل ونقده، مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 21 تشرين الثاني 2016، التقت الباحث والشاعر الدكتور "فايز عز الدين" رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب في "السويداء"، حيث بيّن قائلاً: «يجد الباحث بالمؤلفات العربية التي وصلتنا منذ القرن السادس الهجري، وخاصة المؤلفات التي عنيت بالحركة الأدبية والفنية؛ مادة تاريخية مفيدة حول الزجل والزجالين. ومع أن تجميع هذه المادة وضمها يساعدنا في تكوين تصوّر عن ظهور الزجل ونموّه؛ إلا أنها تظل في حدود الإشارات غير الوافية، لكن -لحسن الحظ- يصلنا من القرن الثامن الهجري مصدر أكثر استقصاء، وهو كتاب "العاطل الحالي والمرخص الغالي" لمؤلفه "صفيّ الدين الحِلِّي" المتوفى 750هـ، حيث مارس المؤلف نظم الزجل واحتك بالزجالين خلال تجواله الطويل بين حواضر مصر والشام والعراق. وقد هيأ له كل هذا إمكانية نقل كتاباته من مستوى إيراد المعلومات والأخبار إلى مستوى التأريخ لحركة الزجل حتى أيامه، والاجتهاد في تأسيس قواعد لنظم الزجل. ومنذ بدايات القرن التاسع الهجري يصلنا كتاب آخر، يتابع "العاطل الحالي"، وهو كتاب "بلوغ الأمل في فن الزجل" لمؤلفه "ابن حجة الحموي" المتوفى 837هـ. "وابن حجة"، أيضاً، كان ينظم الزجل وخالط الزجالين متنقلاً بين الشام ومصر. وما زال الكتابان مصدرين يرجع إليهما الدارسون لتاريخ الزجل وقواعد نظمه.

أما الزجل في العصر الحديث، فقد انتقل إلى طور جديد مع قيام النهضة العربية الحديثة، حيث تبنى الزجل فئة من المثقفين الذين كانوا فصيلاً في حركة النهضة الوطنية، وقد جهدوا في تنمية أدوات الزجل ووسائله الفنية للاستفادة من إمكاناته في تيسير توصيل أفكارهم إلى جمهورهم المُبْتَغى، وهو جمهور أوسع، ولا شك، من دائرة مثقفي الخاصة. كما عملوا على تخليص الزجل من الركاكة والتكلُّف اللذين رانا عليه من عهود الانحدار السابقة، وفك إساره من أيدي فئة "الأدباتية" الذين تدنوا به إلى مستوى استخدامه في التسوّل والابتزاز، وفي سياق حركة الزجل الناشطة هذه، استفاد الزجل من الإمكانات المتجددة للطباعة والنشر واتساع قاعدة القارئين؛ فتوالى نشر دواوين الزجالين، وعنيت بعض الصحف بنشر الزجل، وصدرت بعض الدوريات التي تعتمد المادة الزجلية في المقام الأول، غير أن اسم الزجل لم يحظ بالذيوع والتكرار إلا على أيدي الكُتَّاب والإعلاميين، وخاصة في ثمانينيات القرن الرابع عشر الهجري. وهم لا يستعملون الاسم ليدل على المصطلح المحدد بشكل من النظم بعينه؛ وإنما استعملوه لكي يشير إلى كل نظم باللهجات المحلية. وهكذا انطوى تحت هذا الاسم: (العتابا والميجنا واليادي يادي والروزانا والموال)، بل والأشكال الفولكلورية كهدهدة الأطفال وأغاني العمل، وأيضاً الشعر الحديث الذي ينظمه المثقفون بالعامية، وإمعاناً في تأصيل خصوصية الزجل قيل: "إن الزجل سرياني اللحن في أول عهده، وعربيُّه فيما بعد"

أما في العصر الحديث، فقد كان لانتشار الزجل وصلته بالحركة الوطنية أثرهما في تنامي الكتابة النقدية حوله؛ فظهرت مقالات تعريفية في الصحف والمجلات وفي مقدمات دواوين الزجالين، ثم خُصّ بعض الزجالين المتميزين بمقالات نقدية تبيّن دور أبياتهم الزجلية ووسائلها البلاغية. ثم تصبح الكتابات النقدية حول الزجل أكثر تعمقاً في الدوريات المتخصصة وبعض الأطروحات الجامعية، وخاصة أنه قد ساهم في الجدل حول الزجل ما أثاره الباحثون الأجانب من آراء ونظريات».

الدكتور فايز عز الدين

وتابع الباحث "د. فايز عز الدين" بالقول: «أما الزجل في العصر الحديث، فقد انتقل إلى طور جديد مع قيام النهضة العربية الحديثة، حيث تبنى الزجل فئة من المثقفين الذين كانوا فصيلاً في حركة النهضة الوطنية، وقد جهدوا في تنمية أدوات الزجل ووسائله الفنية للاستفادة من إمكاناته في تيسير توصيل أفكارهم إلى جمهورهم المُبْتَغى، وهو جمهور أوسع، ولا شك، من دائرة مثقفي الخاصة. كما عملوا على تخليص الزجل من الركاكة والتكلُّف اللذين رانا عليه من عهود الانحدار السابقة، وفك إساره من أيدي فئة "الأدباتية" الذين تدنوا به إلى مستوى استخدامه في التسوّل والابتزاز، وفي سياق حركة الزجل الناشطة هذه، استفاد الزجل من الإمكانات المتجددة للطباعة والنشر واتساع قاعدة القارئين؛ فتوالى نشر دواوين الزجالين، وعنيت بعض الصحف بنشر الزجل، وصدرت بعض الدوريات التي تعتمد المادة الزجلية في المقام الأول، غير أن اسم الزجل لم يحظ بالذيوع والتكرار إلا على أيدي الكُتَّاب والإعلاميين، وخاصة في ثمانينيات القرن الرابع عشر الهجري. وهم لا يستعملون الاسم ليدل على المصطلح المحدد بشكل من النظم بعينه؛ وإنما استعملوه لكي يشير إلى كل نظم باللهجات المحلية.

وهكذا انطوى تحت هذا الاسم: (العتابا والميجنا واليادي يادي والروزانا والموال)، بل والأشكال الفولكلورية كهدهدة الأطفال وأغاني العمل، وأيضاً الشعر الحديث الذي ينظمه المثقفون بالعامية، وإمعاناً في تأصيل خصوصية الزجل قيل: "إن الزجل سرياني اللحن في أول عهده، وعربيُّه فيما بعد"».

الشاعرة ربيعة غانم

وعن المؤثرات النقدية بيّنت الأديبة والشاعرة "ربيعة غانم" عضو اتحاد الكتاب العرب بالقول: «إن الحماسة والتوسّع والأقوال المرسلة، وإن كانت مظهراً من مظاهر الاهتمام بالزجل، إلا أنها كانت مثاراً للخلط واضطراب المفاهيم؛ الأمر الذي آذن بتراجع الزجل ووقوفه الآن موقف الدفاع في مواجهة مؤثرات الحياة الثقافية العربية الحالية، وإن بدا بعضها متناقضاً بالنسبة للزجل، وهناك مجموعة مؤثرات، أهمها: حملة دُعاة الفصحى ضد كل أشكال التعبير باللهجات الدارجة أو العامية، والالتفات إلى المأثور الشعبي الجَمْعِي الفولكلوري، وخاصة الجانب القولي منه، وخاصة بعض أشكال النظم منه، وتركيز المثقفين على الشكل بعينه من أشكال النظم في إحدى اللهجات الدارجة في جهة من جهاته، واعتباره حاملاً لخصائص القطر المتميزة ومعبراً عن ذاتيته المتفردة، وظهور الاتجاه الجديد في النظم باللهجات الدارجة، الذي عُرف باسم شعر العامية، الذي يبتعد عن أرض الزجل وأضرابه متحركاً نحو أرض الشعر الحُرّ المعاصر.

ويشير عدد من النقاد إلى أن أنواع هذا الشعر عديدة؛ فهناك (الميجنا، والموشح، والمعنى، والقرادي، والعتابا، والقصيد، ويا حنينا، وآه يا أسمر اللون، وأوف مشعل، وعاليادي، والموال، والشروقي، والبغدادي، والندب، والحداء، والروزنا، والغزيل، وأبو الزلف، وعلى الدلعونا، والهوارة، وهيك مشق الزعرورة، والحوربة، ولوة العروس، والزغاريد والزلاغيط، وأغاني السرير)، وغيرها. ويؤكد بعض الباحثين النقاد أن الذي نراه في الأوزان العامية التي ليس لها مماثل في الأوزان العربية الفصحى مأخوذة في الأغلب عن أوزان السرياني، وهي قابلة للنقد وحكم القيمة الإبداعية».

المراجع:

  • "جرجي زيدان" في كتابه "تاريخ آداب اللغة العربية" نقلاً عن الزجل وتاريخه، أدبه وأعلامه لـ "منير وهيبة"، ص 31.

  • الدكتور "ميشال خليل جحا" في كتابه "أعلام الشعر العامي"، ص 23.

  • الدكتور "غالب غانم" في أبعد من المنبر، ص 53.