يحمل الشعر العاميّ أبعاداً اجتماعية وإنسانية، لكن للبعد الوطنيّ في الشعر مكانة في تاريخ الأدب عامة، ولدى شعراء العامية بـ"جبل العرب" خاصة؛ لما للأدب الشعبيّ من أهميّة في تنمية العلاقة بالبعد الوطنيّ.

حول البعد الوطنيّ للشعر العاميّ في "جبل العرب"، مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 20 تشرين الأول 2016، التقت الباحث الدكتور "أسعد منذر"، فبيّن قائلاً: «يقسم توثيق وتدوين البعد الوطني للشعر العاميّ في "جبل العرب" إلى مرحلتين: الأولى تنحصر في الاحتلال العثماني؛ فقد اشتهر من شعراء الشعر العاميّ في تلك المرحلة: "الشيخ أبو علي قسام الحناوي، وشبلي الأطرش، وإسماعيل العبد الله، وعبد الله كمال، وفندي المتني"، وكان من بينهم شعراءٌ امتلكوا ناصية الكلمة وكانوا فرساناً في الشعر مثلما كانوا فرساناً في الميدان، تركوا لنا شعراً عامياً جميلاً، حيث وثّقوا إرث الوطن المستمر، يؤخذ منه العبر والدروس، وما وصلنا من الشعر العاميّ يثبت أن الأجنبي لم يستقر في ديارهم؛ فنجد أن الشعر العاميّ يزخر بالقصائد التي تبيّن مساوئ الحكم العثماني، على حدّ قول الشاعر "شبلي الأطرش" عن الأتراك:

تتلخص الحصيلة في قراءة الشعر العاميّ لشعراء "جبل العرب" أنه وثّق انعكاس تطوّر الفكرة الوطنية في الشعر، من فكرة الدفاع عن الدار والديرة، وصولاً إلى الفكرة الوطنية والقومية؛ كما في شعر "معذى المغوش وهلال عز الدين"، وتطوّر الموقف من قتال تحت بيرق القرية إلى قتال تحت العلم العربي، وبيان استمرارية الخط الوطني في مواجهة الأتراك والفرنسيين، الذي لم يكن موقفاً طارئاً أو ردّة فعل على أحداث آنية؛ بل ثقافة وحاجة وطنية، مع إبراز دور الشعر العاميّ في وصف مساوئ الحكم الأجنبي، والتحريض على الثورة والتبشير بها، وبيان الموقف من ضعاف النفوس الذين حاول بعضهم طمسه تجميلاً للواقع، وإظهار الوعي السياسي عند الثوار وتصوّرهم لمستقبل بلدهم، وتسامي الثوار عن الأحقاد والصفح عن المخطئين والتماس الأعذار لهم، وتوثيق مشاركة ثوار الجبل في المعارك ضد الفرنسيين في كل أنحاء "سورية"، ومحاولة إبراز دور المرأة في الثورة، وإبراز معاناة الثوار في المنفى وصمودهم وإصرارهم على انتصار قضيتهم

"واللي سلم آمن إلى الترك والخزر... لا بدّ دمو يخالط سمومهم

الباحث الدكتور "أسعد منذر"

ومن يأمن النادوس والتمساح... ويروح عرضو في الأمان سفاح"

أما المرحلة الثانية، فتنحصر بالاستعمار الفرنسي، الذي أوضح الشاعر "علي عبيد" أسبابها بقوله:

الأديب "بشار أبو حمدان"

"وتعاملوا دروب السقاطات والعيب... زادوا الفساد وكتّفوا الناس تكتيف

وتطاولوا عالكلّ والحال تذنيب... وعجز القلم عن ظلمهم بالتواصيف"

صورة تعبيرية عن الشعر العامي

وفيها بدأ التحريض لمواجهة ومقاومة الفرنسيين، ومن هؤلاء الشعراء "هلال عز الدين"، ويقول:

"يا علي عز بلادنا ما صفا له... شاخوا بها فرنسيسها والمخاتير

يا نجم سل السيف وانخي رجاله... ينفر معك أسد بواسل مغاوير

والله ما ارضى عيشة بالنذالة... لو إن تهذب بالسيوف المشاطير"».

وتابع الباحث د. "أسعد منذر" بالقول: «تأتي دراسة الشعر العاميّ لتبيّن لنا أن الموقف الوطني لأهل "الجبل" كان خطّاً مستمراً متصاعداً، تطورت خلاله فكرة الوطن في نظرهم من دفاع عن الدار والديرة، وحماية الممتلكات، وصون العرض والشرف، والذّود عن الكرامة، إلى أن صارت هذه القيم العظيمة جزءاً من مفهوم الوطن بمعناه المتطور، الذي يشمل -إضافة إلى ما سبق- شعور الانتماء إلى وطن وشعب واحد، وصل في شعر المجاهد الشهيد "معذى المغوش" إلى مستوى المفهوم القومي العربي حين قال:

"من مصر لساحل بيروت... لا نجد لا بغدادنا

من أجلها نحيا ونموت... بالسيف نحمي مجادنا"

وأكثر من ذلك تتطوّر راية النضال ورمزه في نظر الثوار، من بيرق القرية إلى العلم العربي الذي رفعه الثوار فوق دار الحكومة في "دمشق" بعد أن طردوا الأتراك منها عام 1918، وخاطب "معذى المغوش" العلم قائلاً:

"عرش المظالم انهدم... وعز طب بلادنا

حنا حماتك يا علم... بأرواحنا وكبادنا"

وفي الشعر العاميّ الذي تركه لنا أجدادنا الثوار، يتضّح أنهم كانوا يمتلكون الوعي السياسي لقضيتهم؛ استقلال "سورية" ووحدتها، ورفض الدويلات الطائفية التي صنعها المستعمر الفرنسي، كما يبدو في قول "هلال عز الدين":

"حق إنو الجبل يرجع للعرين... وما تركنا لا دمشق ولا حماة

وما نساوم وما نظل مقسمين... ويوسف العظمة يحقق مبتغاه"».

الشاعر والأديب "بشار أبو حمدان" الباحث في التراث الشعبي، أوضح انعكاس البعد الوطني للشعر العاميّ بمجموعة من النقاط، قائلاً: «تتلخص الحصيلة في قراءة الشعر العاميّ لشعراء "جبل العرب" أنه وثّق انعكاس تطوّر الفكرة الوطنية في الشعر، من فكرة الدفاع عن الدار والديرة، وصولاً إلى الفكرة الوطنية والقومية؛ كما في شعر "معذى المغوش وهلال عز الدين"، وتطوّر الموقف من قتال تحت بيرق القرية إلى قتال تحت العلم العربي، وبيان استمرارية الخط الوطني في مواجهة الأتراك والفرنسيين، الذي لم يكن موقفاً طارئاً أو ردّة فعل على أحداث آنية؛ بل ثقافة وحاجة وطنية، مع إبراز دور الشعر العاميّ في وصف مساوئ الحكم الأجنبي، والتحريض على الثورة والتبشير بها، وبيان الموقف من ضعاف النفوس الذين حاول بعضهم طمسه تجميلاً للواقع، وإظهار الوعي السياسي عند الثوار وتصوّرهم لمستقبل بلدهم، وتسامي الثوار عن الأحقاد والصفح عن المخطئين والتماس الأعذار لهم، وتوثيق مشاركة ثوار الجبل في المعارك ضد الفرنسيين في كل أنحاء "سورية"، ومحاولة إبراز دور المرأة في الثورة، وإبراز معاناة الثوار في المنفى وصمودهم وإصرارهم على انتصار قضيتهم».