يعدّ "سلامة عبيد" واحداً من أوائل الأشخاص الذين كتبوا قصيدة الفصحى في "السّويداء" من دون أن يكون لديه أستاذ أو معلم، إنّما تتلمذ على يد الشّعراء الشّعبيين، ووظّف علمه وثقافته لخدمة الأدب، وكان أول من ألّف معجماً عربياً إنكليزياً صينياً.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 8 تشرين الأول 2016، التقت "محمد طربيه" رئيس فرع "جمعيّة العاديات" في "السّويداء" ليحدّثنا عن معرفته "بسلامة عبيد"، فقال: «ولد "سلامة عبيد" عام 1921، حصل على تعليمه في "لبنان" بعد عودته وأسرته من المنفى بوادي "السّرحان" في "السّعوديّة"؛ فهو ابن أحد أركان الثّورة السّوريّة الكبرى وشاعرها المجاهد "علي عبيد"، وحصل على ماجستير في التّاريخ، وامتهن التّعليم، ثم تسلّم مديرية التّربية في "السّويداء"، حيث التقيته وأنا الطّفل ذو السّنوات الخمس الرّاغب بالتعلم المبكر، فساعدتني المديرة "غزيّة حمزة" بالحضور إلى المدرسة متجاوزة القانون، كمستمع، وكانت تعمل على إبعادي عنها أثناء الزّيارات الرّسميّة لأصحاب القرار، إلا أنّ الوقت لم يسعفنا أثناء زيارة "سلامة عبيد"، فانتبه إلى وجودي واستفسر عن وضعي، فكان حظي الجيد بكرمه ليعطي دوامي بالمدرسة الصفة الصّحيحة».

عرفت "سلامة عبيد" منذ الطّفولة، ومن خلال قراءتي لواحدة من مجموعاته الشّعريّة، والأولى "لهيب وطيب" الصّادرة في بداية سبعينيات القرن الماضي، حيث تضم قصائده التي كتبها في الأربعينيات وما بعدها، ويظهر فيها الاهتمام الكبير بالوطن، والنّضال، وموضوع العروبة، وأحاسيس الناس بالوطن، خصوصاً "الجبل"، وقد جاءت هذه السّمات نتيجة ظروف تلك المرحلة التي فرضت نفسها

ويتابع "طربيه" حديثه: «كنت من أكثر المتابعين لتحركات "سلامة" وأخباره؛ وهو المعروف بحُسن السّلوك الإداري، والأمانة المهنيّة، وتواضعه؛ وهذا أهلّه ليكون واحداً من أعضاء مجلس الأمة أيام الوحدة مع "مصر"، كما أنه شارك بتأسيس اتّحاد الكتّاب العرب في "سورية"، وله مساهمات مميزة في ميدان التّاريخ من خلال أبحاث ومداخلات عدة، وكتب متنوعة أشهرها "الثّورة السّورية الكبرى على ضوء وثائق لم تُنشر" مستفيداً من وثائق والده التي تركها له، وقد اجتهد في تلمس نجاحات وعثرات الثّورة، ويعدّ هذا الكتاب لبنة صلبة في بناء كتابة التّاريخ القومي والوطني، ويمكننا القول إنّ "سلامة" أول من تنبّه إلى موضوع الأمثال؛ فكان له كتاب "أمثال وتعابير شعبيّة" شارحاً فيه قصة المثل وعلاقته بالفصيح».

الأستاذ محمد طربيه

وتسترجع "ضحى عبيد" سيرة حياة والدها "سلامة عبيد"، وهي التي كان لها الحظوة الوفيرة بمرافقته إلى الصّين، وتقول: «سافر الوالد إلى "الصّين" عام 1972م، وعمل مدرّساً للّغة العربيّة في جامعة "بكين"، فكان له الأثر الطّيب بين طلابه، وقد أطلق عليهم الأسماء العربيّة ليتمكّن من التّمييز بينهم، مبتعداً عن الأسماء الدّينيّة، فأحبّوها واستمروا في تداولها؛ لسهولة لفظها أثناء عملهم مع العرب وفي سفاراتهم. تعلّم أبي اللغة الفرنسيّة والإنكليزيّة ولم يتقن اللغة الصّينيّة، إلا أنه وعلى مدار عشر سنوات عمل على تنظيم أول قاموس (عربي - إنكليزي - صيني)، أكّد صحة مفرداته أساتذة صينيون، ولم يكتفِ في عمله هذا على التّرجمة الحرفيّة، إنما أضاف من ثقافته ومعلوماته الجغرافيّة والتّاريخيّة والأمثال، كما عمل في الوقت نفسه على ترجمة بعض كتب الأدب والأساطير الصّينيّة المترجمة إلى الفرنسيّة أو الإنكليزيّة، ومنها "النّساجة وراعي البقر"».

عن "سلامة عبيد" الشّاعر والأديب، يتحدث الدّكتور "ثائر زين الدّين" الباحث والشّاعر ومدير الهيئة السّورية للكتاب، ويقول: «عرفت "سلامة عبيد" منذ الطّفولة، ومن خلال قراءتي لواحدة من مجموعاته الشّعريّة، والأولى "لهيب وطيب" الصّادرة في بداية سبعينيات القرن الماضي، حيث تضم قصائده التي كتبها في الأربعينيات وما بعدها، ويظهر فيها الاهتمام الكبير بالوطن، والنّضال، وموضوع العروبة، وأحاسيس الناس بالوطن، خصوصاً "الجبل"، وقد جاءت هذه السّمات نتيجة ظروف تلك المرحلة التي فرضت نفسها».

السّيدة ضحى عبيد

ويتكلم الدّكتور "زين الدّين" عن "سلامة" القاص والرّوائي، فيقول: «حازت روايته الأولى "أبو صابر الثّائر المنسي مرتين" المرتبة الثّانية لجائزة المجلس الأعلى للعلوم في "سورية"، وهي تحكي قصة حقيقية لأحد ثوار سوريّة "أبو صابر حمد ذياب"، حيث اعتقل وحُكم عليه بالإعدام، ثم خُفف الحكم بالنفي إلى جزيرة "غويانا" ليعود بعد زمن طويل ويلتقيه "سلامة" ويكتب روايته، فكان أميناً جداً بنقل وقائع حياة هذه الشخصيّة ورفاقها وإن كان هذا سبيلاً للحدّ من انطلاق المخيلة عند الرّوائي، إلا أنّ اللغة الجميلة والرّشيقة، والحوارات الشيقة، نهضت بهذا العمل وجعلته متميزاً، فهو من أوائل من كتبوا الرّواية، كما كتب مجموعات قصصيّة قصيرة كثيرة منها "سكتي ابنك يا حرمة"».

توفي "سلامة عبيد" عام 1984م على أرض "سورية" كما تمنى، وخلف لنا إرثاً مميزاً من كتبٍ عدة، منها: "الشّرق الأحمر"، و"ذكريات الطفولة"، و"الله والغريب"، ويجري العمل على طباعة كتابه "لمحة عن الشّعر النّبطي وتطوره" لأول مرة، وبعد مضي ما يقارب 34 عاماً على تأليفه لهذا الكتاب.

الدّكتور ثائر زين الدّين