على الرغم من اقتناعه بأنّ الناس متعشطون لكل جديد، إلا أنه اختار أقدم حرفة في التاريخ لكي يبدع فيها ويحتلّ مكانة مرموقة ضمن فناني العالم في غربته الطويلة بقارة "أوروبا".

"أنور شلغين" الذي يشغل مساحة مهمة في الإعلام الغربي بما تصنعه يداه، نذر جلّ وقته لقضية وطنه الكبير، حيث يعلّم الأيتام السوريين فنّه، ويتنقل من بلد إلى آخر كي يبرز الإبداع السوري للعالم.

أستخدم كل أنواع الجلود التي تسمح القوانين باستعمالها، مثل: جلود البقر والماعز والأغنام والتماسيح والأفعى والأرنب وبعض أنواع الأسماك، وقد اكتشفت طريقة لصبغها بالألوان التي أريد من الطبيعة من دون الاستعانة بالألوان المتعارفة

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 2 أيلول 2016، مع الفنان المبدع "أنور شلغين" المقيم في "بلغاريا" منذ عشرين عاماً، حيث كانت البدايات للحديث عن "الشام" التي لم تفارقه لحظة واحدة، ويقول: «ولدت في حيّ "التضامن" الدمشقي عام 1963، وما زالت تلك الأمسيات التي قضيتها في الحارات الدمشقية العتيقة، وفي "قاسيون" و"الغوطة" تعبق في روحي حتى الآن، تعلمت في مدارس "دمشق"، ودخلت كلية "الفنون الجميلة"، ولم أقم بأي معرض فردي طوال تلك المدة، كان شيء ما يجول في عقلي ولم أعرف ماهيته حتى كان الرحيل نحو الغرب، فاكتشفت أنّ هواء "الشام" مخبوء في أعضائي مهما ابتعدت عنها، وكانت مصدر الوحي الربّاني في كل خطوة أخطوها نحو الفن».

في معرضه باسم سورية

ككل مغترب لم يستطع أن يجد نفسه في بداية الطريق حتى قادته المصادفة إلى صنع هدية لأحد الفنانين الإيطاليين الكبار، وأضاف: «لقد أهداني هذا الفنان لوحة من أعماله، فماذا سأهديه إذا ذهبت لزيارته؟ فكرت طويلاً في حرفة الجلد الطبيعي التي تنتشر في بلادنا، ولها سوق واسع، قادتني قدماي إلى سوق الجلود في "بلغاريا"، وتأملت عمال الدباغة طويلاً، وسألت عن خطوات الحفاظ على الجلد، وكيفية التعامل معه، فاشتريت الجلد وذهبت إلى المنزل، حيث كان لدي "زجاجة نبيذ" رائعة الجمال، كنت أحاول رسم الشكل في رأسي عدة مرات في محاولة لإرضاء ذوق صديقي الفنان، وكان أن ألبست الزجاجة الجلد، لم تكن التحفة التي أريدها، ولكنها حتماً سترضيه لأنها مختلفة، وعندما ذهبت إلى "إيطاليا" لزيارته كانت مفاجأة لي كيف استقبل الهدية، وكيف عرضها لأصدقائه على أنها شيء جديد لم يحصل من قبل.

هذه الحادثة غيّرت مجرى حياتي، ورحت لسنوات طوال أطوّر أدواتي وأفكاري بعيداً عن الآلة والتكنولوجيا والمواد الكيميائية، وقررت أن تكون كل أعمالي وتعاملي مع الجلد بمختلف أنواعه من الطبيعة فقط مهما كانت الحاجة إلى الإضافة، ومهما حاول الآخرون تقليدي فإن الأسرار التي توصلت إليها من الصعوبة أن تكشف، فهي نتاج سنوات من البحث والتجارب والابتكار والتعب».

من أعماله بالجلد على الزجاج

وعن الجلود التي يستعملها في تلبيس تحفه الزجاجية، قال: «أستخدم كل أنواع الجلود التي تسمح القوانين باستعمالها، مثل: جلود البقر والماعز والأغنام والتماسيح والأفعى والأرنب وبعض أنواع الأسماك، وقد اكتشفت طريقة لصبغها بالألوان التي أريد من الطبيعة من دون الاستعانة بالألوان المتعارفة».

فيما يتعلق بالمعارض التي أقامها ونشاطه الفني على مستوى القارة العجوز، أضاف: «تعدّ حرفة الجلود أقدم حرفة عرفها الإنسان على وجه الأرض، وخلافاً للسائد تهتم الدول الأوروبية بتاريخها وحضارتها وتراثها، وعندما تمكّنت من أدواتي بعد رحلة في بحر هذه الحرفة، قررت إقامة أول معرض في "بلغاريا"؛ وهو ما جعلني أتيقن مما أبتكره عندما لقي نجاحاً منقطع النظير، تحدثت عنه أغلب وسائل الإعلام بكافة أنواعها، وقد ذهب ريع المعرض إلى الأطفال السوريين اللاجئين في "بلغاريا"، وكانت فرصة للتعريف بوطني وناسه وعلمه الذي زيّن المكان، وهنا توجد جمعية تهتم بالتراث فقط، وفيها 16 حرفة فقط، وتتبع لوزارة الثقافة، وكنت أول أجنبي أحصل على عضويتها، وهكذا بدأ مشواري الحقيقي، حيث طفت المدن البلغارية بمعروضاتي، وخرجت إلى "رومانيا" و"ألمانيا" و"فرنسا"، وفي أي مكان كان حضوري مشرفاً لوطني الكبير، حيث كنت أحصد الجوائز الأولى، وصنع الإعلام الغربي الكثير من الأفلام عن عملي ومهنتي تحت عنوان: "الفنان السوري"، وفي أي خطوة كان جزء مهم من العائدات يذهب إلى أطفال "سورية" وشهدائها؛ فالفن رسالة قبل أي شيء آخر. وآخر نشاط كان اشتراكي بمعرض ضخم باسم "سورية" ضمّ أعمالاً من 65 دولة من مختلف أنحاء العالم، وكنت قد دعوت 17 طفلاً يتيماً ما بين سنّ العاشرة والسابعة عشرة للتعلم في مشغلي، وقد أقمت لهم معرضاً خاصاً في "صوفيا"، وبيعت كل أعمالهم، ولاقى المعرض صدى كبيراً في اكتشاف السوريين وطاقاتهم وأمانتهم، فالشهرة أحياناً تكون وسيلة ممتازة لإيصال الأفكار التي تريدها بسهولة».

الناس يهتمون دائماً بأعماله المبتكرة

وعمّا قدمه الفن له، وما قدمه للحياة، والنصيحة التي يقدمها لزملائه الفنان في "سورية"، قال: «عندما يولد الإنسان تولد معه شخصيته المستقلة، ومن خلالها يحاول أن يثبت وجوده في الحياة. وأنا كفنان أسعى إلى الحياة الكريمة، ولا تعنيني الشهرة على الرغم من أنها تقدم لك الكثير من المزايا التي يجب استخدامها لخدمة الناس، وهذا ما حاولت فعله.

يجب على الفنان أن يعرف نفسه أولاً، وما يرضي عوالمه، وفي رسالتي حاولت أن أنقل همّ وطني معي ليشاهد العالم حقيقته، والفنان يجب أن يكون صاحب رسالة حتى لا يموت وهو على قيد الحياة».

بطل العالم في "الكارتيه" المدرّب واللاعب "أسامة عزام" المغترب أيضاً في الخارج، والصديق المقرّب من الفنان "شلغين"، قال عن معرفته به: «الصديق الفنان "أنور شلغين" رجل متواضع وخلوق، يعمل بصمت من دون ضجيج، وعلى الرغم من وجودنا معاً في "بلغاريا" وبمدينة واحدة منذ 22 عاماً، إلا أن الفرصة لم تتح لنا لنتعرف عن قرب، وقبل سنتين تعارفنا عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، فبارك لي فوزي ببطولة العالم، ودعاني إلى مشغله المتواضع شكلاً والغني بالفن والذوق الخلاب، وأصبحنا صديقين حميمين بعد أن اكتشفت معدنه الطيب، ولاحظت الفئات الراقية من الناس التي تزوره.

أحببته واحترمته كثيراً عندما رأيت حبّه لسوريتنا، وعطاءه من أجلها، حيث كان يشارك بكافة المهرجانات التراثية باسم وطنه "سورية"، ويرفع علمنا بمكان وجوده في كل مهرجان، وهذا الشيء أعدّه قاسماً مشتركاً بيننا، حب الوطن والتمسك بالعَلَم، والتفاني من أجل رفع اسم "سورية" في المحافل الدولية».