مئة عامٍ مرت على ولادة قرية "رضيمة اللوى" القابعة في قلب الوادي الذي حملت اسمه، لكن أبناءها جعلوا من هذا العام فرصة لكي يعطوا قريتهم ما تستحق من تكريم، ليس لجمالها ولا لتميزها، ولا لكون أبنائها غارقين بعلمهم وعملهم حتى الثمالة، ولكن لكل هذا، ولكل من أسس وأعطى لها.

مدونة وطن "eSyria" التقت عدداً من أهالي القرية يوم الأحد الواقع في 31 تموز 2016؛ للحديث عن مئوية القرية، وما تعنيه لهم، فتحدثت مع المربي المتقاعد "فرحان الخطيب"، الذي قال عن قريته: «هي أيقونة "اللجاة" وعمرها من عمر واديها، بدأت مسيرة العلم في قريتنا عام 1926 في منزل "آل قبلان"، ومن خلال البعثات التبشيرية أحدثت أول مدرسة رسمية عام 1928، في منزل الراحل "قاسم أبو عين"، وفي عام 1932 بدأ بناء المدرسة لتحتوي طالبي العلم من القرية والقرى المجاورة، وأينع العلم وكبرت الأشجار وتفتحت الفروع حتى بات عدد سكان القرية 1200 نسمة، وعدد الحاصلين على شهادات عالية ما يزيد على 375 شاباً وشابة بمختلف الاختصاصات، وتعد من القرى القليلة التي تخلصت من الأمّية منذ زمن طويل، ويعدّ أبناؤها سفراء لها أينما حلّوا، وهو ما يجعلها خالدة في قلوبهم وعيونهم».

علاقات أهلها غاية في النضج والتعاون والتفاهم، ويروى قديماً أنه زارها ضيف من إحدى المحافظات، وكالعادة في "جبل العرب" دعاه بعضهم لزيارة البيوت والتعرف إلى "المضافات"، فاكتشف بعد ثلاث زيارات أنه جلس على ذات الفراش في البيوت الثلاثة التي زارها من دون أن يدري كيف وصل ومتى، وما احتفاليتنا هذه سوى تعبير بسيط عن عرفاننا لكل من زرع ولم ينتظر أن يجني سوى المحبة

وفي اتصال مع المغترب "خلدون خيو" ابن قرية "رضيمة اللوى" ورئيس بلديتها سابقاً، والمقيم حالياً في إمارة "دبي"، قال عن دوره وبقية شباب القرية المغتربين في احتفالية قريتهم المئوية: «كثيراً ما نسمع الشباب المغتربين يردّدون عبارة: ربما نكون قد خرجنا من الوطن، ولكن الوطن لم يخرج منا، وهي بكل تأكيد ليست عبارة مجاملة أو تداعيات اشتياق، وإنما هي واقع يومي، وفي كل دول الاغتراب مهما علا شأنها؛ لأنك لن تلتقي مهاجراً إلا وحلم العودة إلى الوطن هو حلمه المستمر.

المربي المتقاعد فرحان الخطيب

أما بشأن احتفالية قريتنا "قرية رضمية اللوى تميز وثقافة"، فقد كوّنّا مع مجموعة من الشباب المهتمين داخل وخارج القطر لجنة عمل وتنظيم، طرحنا خلالها كل ما من شأنه إنجاح هذا العمل، ومع أنه لن يتسنّى لنا حضوره على أرض الواقع، فإنني لا أجد بداً من القول إن غايتنا الأساسية لم تكن بالمطلق إعلان شأن تميز قريتنا المميزة فعلاً؛ لأن كافة قرانا ومحافظات قطرنا هي مميزة بوجه أو بآخر، وقد يكون الشاب السوري المغترب هو الأقدر على لمس تميز أبناء بلده أينما حلوا، وكما قال لي أحد الوافدين من جنسيات أخرى: "راتب المهندس أو الطبيب السوري هنا على سبيل المثال يعادل خمسة أضعاف راتب أي شخص من جنسية أخرى". نحن مميزون بالفعل وقادرون على العطاء والبناء أينما حللنا، تحمسنا لاحتفالنا بالتميز لنوجه من خلاله رسالة إلى الجميع بأن السوريين ما زالوا قادرين على صناعة الفرح؛ نجتمع لنقرأ كتاباً، ونلقي قصيدة شعر، ونستمتع بالموسيقا؛ لأننا شعب حيّ وراقٍ ومدنيّ ومتحضر على الرغم من كل الجائحات التي تحاول النيل من حضارتنا وتمدّننا».

الشاعرة الشابة "يمامة خيو" إحدى المشرفات على الفعالية المستمرة، عدّدت بعض النماذج المعروفة على مستوى "سورية" بالقول: «قبل هذا يكفي أن يعلم العالم أننا في القرية نأكل مما نزرع، ونلبس من بعض ما نصنع، وهي ميزة يعرفها أهل "جبل العرب" عن "رضيمتنا"، وأجزم أن كل الذين تعلموا في مدرسة القرية وشربوا من منهلها كانوا أعلاماً لها، فمن في "سورية" على سبيل المثال لم يسمع عن الطبيب الإنسان "إحسان عزّ الدين"، ومن لم يقرأ للصحفي الشاعر "فواز خيو"، أو الإعلامي "نضال قبلان"، وهناك الكثيرون مثلهم».

مجموعة من الفنانين المشاركين في الفعالية

المشرف على الفعاليات، وأحد الناشطين الاجتماعيين في القرية "بشير خيو" تحدث عن خصائص التفرد في القرية، فقال: «التميز هو تفرد، والتفرد عادة يكون بأشخاص معينين، لكن إن كان التفرد والتميز في الجميع؛ فذاك هو الامتياز.

ففي قرية صغيرة فقيرة إلا من أهلها، تعدّ أرضها الأكثر وعورة في المحيط، لا مكان إلا للمتميزين فيها،

الزميل والشاعر المبدع فواز خيو

تلك هي المعادلة التي فهمها أهلها عبر مئات السنين، وقد وجد هؤلاء أن الرقي بالمعرفة هو الخلاص من فقر أثقل كواهلم، فوجدوا بالمدرسة التي أقامتها البعثات التبشيرية حلّاً للجهل والأميّة، فنهلوا منها ما أرادوا، ووضع الرواد الأوائل في تلك المدرسة اللبنة الأولى في قلعة العلم التي اسمها "رضيمة"، وحلّ التنافس مكان العلاقات البائدة، فأصبح التباهي بالعلم أهم من التباهي بالجاه والنسب. وتوالت السنوات وازداد التنافس والتميز

من عام إلى آخر، فمثلاً عام 1954 نجح في "السويداء" 18 طالباً في (السرتفيكا)، كان منهم تسعة طلاب من قريتنا، وهي نسبة تفوق الوصف لقرية عددها آنذاك لا يزيد على 400 شخص.

وقبلها استطاع أحد رجالها الوصول إلى قبة البرلمان لثلاث دورات متتالية، وبعد ذلك بأربع سنوات عُيّن من قريتنا وزير، وبقي في ثلاث وزارات متعاقبة، وتوالى عطاؤها فكان منها الأطباء المبدعون، وأشهرهم الدكتور "إحسان عزّ الدين"، والمهندسون والقضاة والمحامون والمعلمون والعلماء والإعلاميون، حتى تجاوز رقم الشهادات العليا ثلث عدد السكان.

هؤلاء هم زرع القرية وحصادها، وهي التي تفاخر أنه لم يحمل يوماً واحد من أبنائها سكيناً في شجار،

أو رفع سلاحاً في وجه أحد، حتى الذين لم تتسنَّ لهم متابعة التعليم، يمتهنون مهناً شريفة معطاءة، مع العلم أن بعض المهنيين هم من حاملي الشهادات أيضاً».

أما فيما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية بين الأهالي، فأضاف: «علاقات أهلها غاية في النضج والتعاون والتفاهم،

ويروى قديماً أنه زارها ضيف من إحدى المحافظات، وكالعادة في "جبل العرب" دعاه بعضهم لزيارة البيوت والتعرف إلى "المضافات"، فاكتشف بعد ثلاث زيارات أنه جلس على ذات الفراش في البيوت الثلاثة التي زارها من دون أن يدري كيف وصل ومتى، وما احتفاليتنا هذه سوى تعبير بسيط عن عرفاننا لكل من زرع ولم ينتظر أن يجني سوى المحبة».

الجدير بالذكر، أن الاحتفالية مستمرة أسبوعاً من خلال الندوات والأمسيات الشعرية والموسيقية والمعارض الفنية ومعرض للكتاب، مع حفلات تكريم للذين أسسوا وساهموا في إعلاء شأن العلم في القرية.