أكثر من ربع قرن قضاها في "روسيا" مغترباً، عمل خلالها بكل جد ومثابرة على التعريف بالموسيقا العربية والزي الفلكلوري السوري، وعلى إدخال آلة العود إلى أشهر المسارح ودور السينما فيها، إنه المغترب الفنان "كمال بلان".

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع الأستاذ "كمال" بتاريخ 10 نيسان 2015، فتحدث أولاً عن البدايات: «أنا الأصغر من بين إخوتي، ومنذ أن كنت طفلاً عانينا ظروفاً معيشية صعبة دفعتني للعمل وأنا في سن الحادية عشرة، كنت أعشق سماع الموسيقا والأصوات الشجية، فبدأت تعلم العزف على آلة العود متأثراً بشقيقي الأكبر، مع الوقت أصبحت أعزف في الحفلات المدرسية والرحلات، وحين تطور عزفي لقّبوني بخليفة "فريد الأطرش"، ومنذ تلك المراحل لم يفارقني العود، حتى خلال سفري إلى الاتحاد السوفييتي لإكمال دراسة الهندسة عام 1973».

المغترب هو خير سفير لبلاده في المغترب، وعليه أن يقدم وينجز كي يقدم أفضل صورة لمجتمعه ويعمل على تعريف الناس بإنجازات وإبداعات أبناء وطنه

وحول تجربته الفنية الاغترابية قال: «يمكننا تقسيم تجربتي الاغترابية إلى مرحلتين: الأولى: هي مدة الدراسة بين عامي 1973-1983. والثانية: من عام 1989 وحتى الآن، تخللتهما فترة عودتي إلى الوطن بين أعوام 1983-1989.

تكريم من وزارة الثقافة الروسية

في المرحلة الأولى وخلال دراستي للغة الروسية التي لم تتجاوز السبعة أشهر شاركت فيما يقارب خمساً وثلاثين حفلة، وكان حلمي دائماً دخول "الكانسيرفاتورا"، لكن الحظ لم يحالفني بسبب عدم قدرتي حينها على قراءة النوتة الموسيقية، فدرست الهندسة المدنية، وكان عزائي الوحيد في غربتي آلة العود التي كنت أشكي لها همومي وأشواقي.

عام 1983 عدت إلى الوطن، لحنت خلالها العديد من الأناشيد لفرقة "الدرب" التي كنت أحد مؤسسيها الأوائل، وقد غنت لشعراء المقاومة مثل: "محمود درويش"، و"سميح القاسم"، وغيرهم، ومن القصائد التي لحنتها: "أموت اشتياقاً"، و"سأقاوم"، و"لأجمل ضفة أمشي"».

خلال عمله الفني في روسيا

وتابع: «المرحلة الثانية والأهم من تجربتي الاغترابية بدأت من العام 1989؛ حيث سافرت إلى الاتحاد السوفييتي مبعوثاً من مؤسسة الإسكان العسكري، بمهمة مسؤول العقد لمجموعة فنادق اتفق على بنائها في عدد من المدن، ولكن لظروف خارجة عن إرادتي متمثلة بمرض ابني الوحيد بقيت في "موسكو" إلى اليوم، ونتيجة الظروف المعيشية القاسية التي ما برحت تلازمني قمت بدايةً بالعزف في المطاعم العربية في "موسكو" للحصول على لقمة العيش».

وحول أهم ما حققه في "روسيا" قال: «تلك الظروف القاسية لم تستطع لجم حصان طموحي، فقد قمت بتكوين أول فرقة سمفونية للموسيقا العربية القديمة عام 1998، حيث جمعت عازفين روس وعلمتهم كيفية عزف ربع العلامة بعد أن كانوا يعدونها نشازاً في الموسيقا فتعودتها أسماعهم، كما قمت بتعليم المغنية الأوبيرالية أصول الغناء باللغة العربية، ليصار إلى تقديم حفلات ننشر فيها حضارتنا العربية، فتعرّف الناس خلالها إلى الإبداع العربي في مجال الموسيقا وأسبقيتهم في ذلك.

الفنان المغترب كمال بلان

في "روسيا" كنت أول من أدخل آلة العود والزي العربي إلى واحدة من أشهر صالات الموسيقا الكلاسيكية في العالم؛ وهي صالة "تشايكوفسكي" متصدراً الفرقة الحكومية الأكاديمية الروسية للآلات الشعبية.

وعملت على تطوير فرقتي السيمفونية، وأشرفت على توزيع العديد من الموسيقا والأغاني العربية القديمة والمشهورة توزيعاً سمفونياً فريداً من نوعه بالاشتراك مع المختصين الروس، كما اشتركت في تأليف موسيقا "القدس" كي يعي العالم أنها مدينة السلام والتسامح بين الأديان».

وأضاف: «عام 2007 لعبت دوراً تمثيلياً في مسرح الأمم في "موسكو"، مدخلاً آلة العود في الموسيقا التصويرية في مسرحية "الأحلام الملونة للحمار الأبيض"؛ وكنت خلالها شخصية مميزة جداً.

وشاركت موسيقياً في أشهر ثلاثة أفلام روسية، بعد انهيار "الاتحاد السوفييتي" وهي: "الفصيلة التاسعة"، و"لعبة التبييت التركية"، و"الغرباء"، وهو فيلم (روسي - أميركي - مصري) مشترك؛ حيث قدمت فيها أروع الألحان، وفي عام 2015 ظهرت كممثل على الشاشة الروسية حيث لعبت أدواراً في ثلاثة أفلام هي: "الوطن"، و"بارمان"، و"جوني".

إضافة إلى ما تقدم فقد عملت على تصحيح النظرة الخاطئة التي كانت شائعة في "روسيا" حول الموسيقا العربية والشرقية عموماً، فخلال عملي في المطاعم العربية وجدت أن الفتيات الروسيات اللواتي يعملن كراقصات لا يعرفن ولا يستطعن تمييز أي موسيقا يرقصن عليها، لذا كنت سباقاً في العمل على تغيير هذه النظرة حول الرقص العربي والشرقي الذي يعد من التراث والفلكلور العربي، من خلال تعليم الفتيات تمييز الموسيقا، وتحويل الرقص من رخيص وخلاعي إلى رقص مسرحي، مانعاً طالباتي العمل في المطاعم وخاصة العربية منها، لأنها كانت السبب في تشويه صورة هذا الفن، ولأنها ليست المكان المناسب له، بل يجب أن يتم ذلك على المسارح والأماكن التي تقدّر وتحترم التراث، فكانت مدرستي في الرقص الشرقي الأشهر في "روسيا".

لقد أقمت حفلات مميزة في عدد كبير من مسارح "موسكو" المشهورة ومنها: مسرح "أرميان جيغارخانيان"، و"نازاروف"، و"بزنس تسنتر"، و"مركز الفن"، وفي مسارح أخرى. ومن أهم أعمالي التي عُدّت أعمالاً ضخمة: "جنة الحياة"، و"سفينة نوح- سفينة الحب"، "ديمومة الشباب فلترقص الروح"، و"الحياة رقصاً"، وغيرها حيث كنت فيها المؤلف والمخرج ومصمم الرقصات».

وختم: «المغترب هو خير سفير لبلاده في المغترب، وعليه أن يقدم وينجز كي يقدم أفضل صورة لمجتمعه ويعمل على تعريف الناس بإنجازات وإبداعات أبناء وطنه».

الأستاذ "أسامة مطر" مغترب سوري في "روسيا" قال حول تجربة الفنان "كمال بلان": «كانت الموسيقا تستهوي الفنان "كمال بلان" منذ طفولته؛ فشارك منذ أيام دراسته الأولى في "سورية" بفعالية في الأنشطة الموسيقية الطلابية.

بعد عودته إلى "روسيا" عام 1989 ترك العمل الهندسي بسبب شغفه بالموسيقا الأصيلة، فعمل بكل جد ومثابرة حتى أصبح موسيقياً بارزاً قادراً على التأثير في مسيرة الموسيقا العربية والشرقية في "روسيا" من خلال أعماله ومساهماته الفنية المتميزة في مجالات الموسيقا والتمثيل والمسرح؛ وحصل على تكريم من وزارة الثقافة الروسية».

يذكر أن الفنان "كمال بلان" من مواليد العام 1953، محافظة "السويداء"، وهو ابن أخ الفنان السوري المعروف "فهد بلان"، بعد إنهائه لدراسة الهندسة في "روسيا" عام 1983 عاد إلى "سورية" وعمل في مؤسسة الإسكان العسكري؛ أشرف خلالها على بناء العديد من الأبنية المهمة، ومنها مبنى السياحة في مدينة "السويداء" قبل أن يسافر مجدداً إلى "روسيا" عام 1989.