يطرح العمل الدرامي التلفزيوني "الخربة"، إشكاليات تاريخية، بمكان ولهجة جبل العرب، ورؤى مختلفة في طبيعة الزمان والمكان.

من مشاهدي مسلسل "الخربة " المهندسة "ديما عبيد" من أهالي مدينة السويداء أوضحت لموقع eSyria قائلة: «من المميز في المسلسل الشخصيات التي تجيد اللهجة، والأجمل المكان الجغرافي الذي يعتبر بحق فضاءً واسعاً في زحمة الأمكنة الضيقة في المدن، إضافة إلى أداء الشخصيات بواقعية، واتقانها كشخصية "راعي العجال، أو الأستاذ صياح، أو أبو نايف" وهنا أعني الفنانين من خارج محافظة "السويداء" الذين أقنعوا الناس بدورهم، مع المسحة الدرامية الكوميدية التي نحتاجها اليوم، وهذا العمل مميز بشخوصه، وحركته ومكانه وإضاءته ومعالجته بإسقطات واقعية على مجتمعنا العربي، من مثقفين يدّعون الثقافة وزعامات تقليدية لا علاقة لها إلا بمصالحها الشخصية، وجيل من الشباب الذي يريد الانفتاح والاطلاع وتكسير حاجز التقليد من خلال البيئة المحلية نفسها».

في الحقيقة أنا من بيئة فنية والأجواء الفنية ليست بعيدة عني، لكن العمل وجو التصوير والمكان أضاف إلى تجربتي شيئا جديدا، ومعرفة بثقافة المجتمع، والتباين بين الثقافات في المكان الجغرافي الواحد، ولعل هذا ما يجعلني أكثر حرصاً على تعميق رؤيتي الفنية في اختيار شخصيات تمس الذات أكثر

ومن أهالي "السويداء" المتابعين يومياً لحلقاته وعبر الهاتف أوضح "توفيق الشوفاني" بالقول: «لعل ما يجري من أحداث في المسلسل هو واقع حقيقي لما كان يجري سابقاً من إسقاطات بأن الزعامة التقليدية التي مازلت حتى اليوم تفرض رأيها على النخب الثقافية والمتعلمين، والأهم أن المسلسل قريب من مشاعرنا كثيراً ذلك لأن اللهجة قد أجادها معظم الفنانين المشاركين، بل يمكن القول إن إبداعاً حقيقياً شاهدناه حين يقنع المشاهد بدور "التاجر"عبودي" أو راعي العجال، المبدع "محمد حداق" أو "نفجي" "ضحى الدبس"، والأجمل الفنانة الوديعة "فلوديا" الشخصية المميزة في الحبكة الدرامية، إضافة للمكان الذي يجب أن يتحول إلى مكان سياحي حقيقي، وربما كان "الخربة" رسالة غير مباشرة للسياحة في سورية للاعتناء بالبيوت الأثرية القديمة في قرى المحافظة، وبالتالي المسلسل جميل ورائع ومميز، واستطاع أن يدخل كل منزل بجدارة».

المخرج ممدوح الأطرش

ومن الشخصيات التي لعبت دوراً فنياً مميزاً "جميل" وهو الكاتب والمخرج "د.ممدوح الأطرش" الذي بين رأيه بالقول: "يعتبر مسلسل "الخربة" حالة اسقاطية لواقع عربي عام، ونزعات فارغة يعيشها الأفراد ضمن حالة تغيير انتقالية تمر بها الشعوب الآن، "فالخربة" وإن كانت قد استعارت جغرافية المكان واللهجة، فهو انتقال وإسقاط بضيق القرية بلهجتها ودلالتها وجغرافيتها وشخوصها إلى واقع عربي شمولي عام نعيشه، "أبو نمر وعائلة أبو قعقور" و"أبو نايف وعائلة أبو مالحة" يسقطان على حالة الزعامات العربية الفارغة التي تطليها القشور، وهي تبعد عن لب وعمق ما تحتاجه الناس، والواقع والضرورات، والإيمان بضرورة التغيير بالحياة، دون الاعتراف بالأخطاء».

وعن شخصية "جميل" في مسلسل "الخربة" الذي لعبه المخرج "الأطرش" قال: «وما شخصية "جميل وملحم" إلا تصويب لواقع المثقف الثوري العربي الذي يعتبر نفسه بأنه يملك فكر التغيير والتقدم والمواكبة الحضارية والالتزام بالفكر السياسي لما يُؤمر به داخلياً، استناداً إلى أسس نظرية، تغطيها الشعارات المحفوظة عن ظهر قلب، دون الغوص في جوهرية الفكر الثوري، وتنازعات الحالة الآنية فيما بين النظرية والتطبيق، مع تناقضات الواقع، وما باقي الشخوص إلا هي حالات لشخصيات اجتماعية مشوهه، ونماذج بشرية تعيش حالاتها بتنوعها واختلافها ضمن خطوط العمل الدرامي، تتخبط وتتلاطم مع ذاتها من جهة، ومع خياراتها من جهة أخرى، فأغلبية الشخوص في العمل الدرامي هي أنماط معكوسة، أو تنبع من واقع عام تدلي وتوصل إلى داخل المشاهد بصدقها البريء من أعماقها».

الناقدة منى العبد الله

وتابع "الأطرش" بتصنيف شخصية "جميل" بقوله: «وشخصية "جميل" ضمن هذا الخطر المتصارع من شخصيات متعددة الألوان والأشكال وطرح الأداء الدرامي، وحاولت أن أثبت وجوده، فقد عملت على إثبات وجودي به، ضمن حدود الشخصية المرسومة التي تعبر عن صدق في الإيمان لمبادئ وأسس فكرية تتبناها الشخصية وتناقضها مع وعيها الثقافي، ومن ضمن هذا التناقض ينشأ الصراع الدرامي داخل شخصية "جميل"، من هنا ومن حالة العصبية الدائمة التي أفتعلها كانت شخصية غاضبة في أساس الشعور في اللا وعي بالنقص الداخلي، وترددها غالباً في اتخاذ القرارات الحاسمة على الرغم من انجرافها الفكري لمعاداة الامبريالية العالمية بمجمل صوّرتها».

وحول تأثير المكان على طبيعة العمل الدرامي "الخربة" والإخراج أوضح "الأطرش" بقوله: «المسلسل بمجمله مميز ولكن قد يكون من أسباب وصوله إلى الجماهير هو لهجة أهل "جبل العرب" المحببة والتي قدمت للناس لأول مرة ضمن عمل درامي متكامل، وجغرافيا المكان في قرية "ذكير" بحجارتها الصلبة السوداء وبساطة حياتها وتاريخها الموغل في القدم والحضارة، حاملة بين شقوقها نماذج متعددة لأنماط خلقت هذا الجذب الجماهيري ضمن فضاء واسع من فسحة الوجود متعدد الرؤى، أما الإخراج وأنا هنا أقيم العمل لكوني مخرجاً فهو بلا شك مجهود كبير بذل من قبل المخرج "الليث حجو" فقد عمل في بيئة غريبة عنه وذات خصوصية في عاداتها وتقاليدها وجغرافيتها، وأعطى الشخصيات بعدها وحرية حركتها، مع إضاءة وتصوير كانا هامين في نجاح العمل، بالإشارة إلى أداء الفنانين الذين شاركوا من خارج محافظة "السويداء" والمغفورة زلاتهم القليلة جداً بأداء اللهجة البيئية، أما الزملاء المنتمون إلى البيئة فيؤخذ عليهم بعض الهنات التي يجب ألا تكون موجودة لكونهم أبناء المكان والجغرافيا».

الفنانة مروة الأطرش

ومن الشخصيات الشابة ذات الطبيعة المميزة في الأداء "فلوديا" وهي الفنانة "مروة الأطرش" التي لم تتجاوز بعد منتصف عقدها الثاني، ربما كان السؤال الأكثر شجوناً أن "الخربة" هو العمل السابع لديها بعد "ليل ورجال، وأهل الراية، وأسير الانتقام، جرن الجاويش" وغيرها من الأعمال المسرحية والسينمائية، أوضحت دورها بقولها: «لقد لعبت دور الفتاة التي تربت ضمن بيئة دمشقية استمدت منها لهجتها وبعضاً من عاداتها، فهي لم تكن مغتربة إلى حد الاغتراب عن بيئة الأم، وهي منتمية لا شعورياً إلى البيئة ذاتها، فهي استطاعت أن تحاول أن تخرج بعض من أفراد "الخربة" من عادات لا تنسجم معها، مع حبها للبيئة، وهي لم تصنع الشخصية بشكل فني درامي، بل اتخذت من نفسها الشابة المبدعة المتمردة على ذاتها في خلق توازن بين ما اكتسبته من عادات شامية، وبين بيئة والدها وأهلها، وهي جريئة إلى درجة أنها لم تخف ما يختلج في ذاتها من حركة وفعل، واستطاعت التعايش مع تلك البيئة».

وحول جو العمل الدرامي أشارت بالقول: «في الحقيقة أنا من بيئة فنية والأجواء الفنية ليست بعيدة عني، لكن العمل وجو التصوير والمكان أضاف إلى تجربتي شيئا جديدا، ومعرفة بثقافة المجتمع، والتباين بين الثقافات في المكان الجغرافي الواحد، ولعل هذا ما يجعلني أكثر حرصاً على تعميق رؤيتي الفنية في اختيار شخصيات تمس الذات أكثر».

الناقدة السينمائية "منى العبد الله" قالت: «الاسقاطات على الشخوص ضمن العمل كثيرة وجريئة، وهي حركة كل شخص، او كل شخصية تمثل شريحة من شرائح المجتمع ونحن نطمسها بكلام عامي حين يقول بعضنا "معليش، أو ماشي الحال" كيف لنا أن نتكلم عن شخصية "راعي العجّال" للفنان "محمد حداقي" الذي أعطى بُعداً محلياً للشخصية بأدائه المميز، بألفاظ عامية بسيطة عندما يقول على سبيل المثال "مثل ما بدو عمي أبو نمر" أو تأثيره على الأقل على بقرة "معلمولأكرم"، إضافة إلى شخصية "نفجي" أو الفنانة "ضحى الدبس" الداعمة لأبوها "أبو نمر" بشكل غير طبيعي، لعلها شخصية محلية من خلال حركة أياديها في لباسها العربي».