تعدّ مجموعة "بناة الفكر" مبادرة أدبية لأقلام واعدة، تحمل في مضامينها رؤى إبداعية أدبية تهتم بمعالجة درامية مميزة، وفق الفئات العمرية؛ حيث تجسدت بحس معلم أراد استنهاض طاقات الشباب لخدمة الأدب.

حول فكرة إحداث "بناة الفكر"، ومراحل تأسيسها، مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 8 آذار 2018، التقت المعلمة "سوسن نصر" صاحبة المبادرة، التي بينت قائلة: «سأتكلم عن مجموعة "بناة الفكر" بالطريقة التي بدأنا بها أدبياً، إذ تكاد تجف أقلامنا وتقتلنا برودة الشتاء، وما زال هناك الكثير من الأمل، ما زال هناك برعم صغير يعاند قسوة البلاط، وينبت من جانبه حتى يغدو عشباً كثيفاً.

تمثل هذه المبادرة نواة إبداعات أدبية تسعى للبحث عن الكلمة الجميلة والجملة النصية المتوافقة مع الحدث والزمن، وهي تحمل طاقة شبابية مندفعة نحو الوصول إلى هدفها بإصرار وقوة، مع الاحتفاظ بمعايير الكتابة الأدبية. ولعمري أن هذه الاقلام الفتية تبشر بولادة أدباء لهم تأثيرهم في تجسيد الواقع وتدوينه، بحركة ونشاط قد لا تتوفر عند العديد من كتاب الأدب بأجناسه المختلفة، خاصة أنهم قدموا على مسارح متنوعة من تربية واتحاد الكتاب والثقافة، وفي كل موقف تشاهد الحضور اللافت لهم، ويعود الأمر إلى المتابعة وحب الوصول

للأدب طريق يبدأ بزقاق صغير ثم يتسع ليصل نحو السحاب، يقودك بلا أي سؤال، ونحن خلف سحابتنا هذه الطرقات، كما عصافير صغيرة بنينا أعشاشنا من أعواد أفكارنا البريئة منذ عام 2006، حيث جمعنا أهم المواهب وأكثرها عمقاً، وأقربها إلى الفصحى، فعملنا على تهذيبها وتشذيبها إلى أن أصبحت جاهزة للتقديم عام 2007 على "مسرح التربية"، تحت عنوان: "دعم تمكين اللغة العربية"، وهو أول عمل تم بدعم من مديرية التربية في "السويداء"، وإدارة مدرسة "علاء جعفر" التي كانت تعرف بـ"الكرامة"، حيث كانت ظاهرة لافتة للانتباه. اعتمدت في العام اللاحق من قبل "وزارة التربية" كمناسبة يجب الاحتفال بها في كل القطر؛ وهو ما شجعنا على اتخاذ خطوة ثانية، فزاد عدد المشاركين وصارت النصوص أكثر جمالاً، ثم حدث التحول الأهم بخروجنا من نطاق "مسرح التربية" لتظهر بوادر الابداع والمواهب المصقولة، ويكون التقديم الأمتع في المركز الثقافي، وبدعم من مديرية الثقافة. وبعدها انطلقنا إلى "اتحاد الكتاب العرب"، ثم احتفالية في صالة قرية "مصاد"، ثم في المركز الثقافي بـ"المنشف"، متخذين عناوين متنوعة لفعالياتنا».

سوسن نصر

وتابعت القول عن مراحل النضج والتفتح الأدبي للمجموعة الشابة: «ما يميز هذه المجموعة أن نصوصها فتية نحاول الارتقاء بها من خلال صقل المواهب وتوجيهها كل حسب اهتماماته، فهناك الذين رغبوا في الشعر وموضوعاته المختلفة، فاطلعوا على قصائد الأولين، وحفظوا لشعراء "المعلقات"، و"المتنبي"، و"أبو تمام"، و"محمود درويش"، و"نزار قباني" وغيرهم الكثيرون، على الرغم من سنهم الصغير. بينما الأغلبية توجهوا نحو النثر، خصوصاً القصة، فعملوا على دراسة الحبكة وتسلسل الحوادث وعقدها وترابطها، مستخدمين الزمن بطريق مختلفة، إما بطريقة متسلسلة متصاعدة، أو البدء من العقدة أو بالاسترجاع، وببطولة فردية، أو جماعية. ومنهم من كتب المقالة والمسرحية والقصة القصيرة والرسالة، وإن كانت هذه النصوص بداية تفتح الموهبة، إلا أنها بدت كتجارب فتية تبشر بولادة أديب صغير.

استمر التطور من حيث النص الشعري الذي بات أكثر صقلاً وتماسكاً وضبطاً للوزن وكثافة في الصورة، تأكيداً على قدرة المبدع على محاكاة الواقع، والاقتداء بنماذج معينة، أو التفرد بتجربة خاصة. كذلك النص النثري صار أشد نضجاً من خلال المطالعة الحثيثة التي جعلت النصوص أعمق بمشاعرها وخصائصها الفنية وعواطفها، وأقرب إلى واقع متنوع الأسلوب ما بين السرد والوصف والحوار؛ وهو ما جعل لكل نص خصائص ذاتية في الأسلوب تختلف عن الآخر، فهم يحاولون التحكم باللغة، ليتمكنوا من النسج البارع، جاعلين من الألفاظ دلالات مختلفة تنساق مع بنات أفكارهم، وباحثين عما يلائم النص في رحلة استكشاف وصناعة الكلام واللغة».

الأديب جهاد الأحمدية

وعن بنية النص، وتطوره لدى المجموعة، أضافت: «المتتبع للبنية النصية لـ"بناة الفكر" يستشف من حروفها تجليات الحزن والأسى والفقد والتشرد والاستشهاد وضياع الأمنيات، ووجع الوطن الذي نزف بأعماق القلوب، لكنهم استمروا بالبحث عن بارقة أمل تنير حيزاً من نصوصهم، والطموحات تكبر والمشاريع هي أفكار أخذت تتحول إلى خطوات أكثر وضوحاً واتساعاً، ليصبح الهدف الأسمى تأسيس مشروع ثقافي ينطلق من محافظة "السويداء" بخطوات وإن كانت بطيئة تفرضها ظروف الواقع، إلا أنها ثابتة ليعم باقي المحافظات، لإيجاد ثقافة مشتركة بين أبناء المجتمع الواحد، والتشارك في حل القضايا المختلفة. ولأن هذه المبادرة الأدبية لاقت استحساناً في المحافظة، فقد توافدت المواهب إلينا، فكان لا بد من مساهمة المواهب السابقة لصقل المواهب الجديدة من صغار "بُناة الفكر"، وقد تنوعت المواهب فأضيفت إليها فنون جديدة شملت اهتمامات فنية موسيقية وغنائية، وعلمية، مثل: أسرار الأهرامات، الطب البديل، الشخصية وتطورها، وما زلنا نعمل على مواضيع أكثر عمقاً وتشويقاً وجرأة.

ويبقى أن ننتظر حضور دواوين وروايات وأبحاث في الساحة الثقافية لأقلام مبدعينا: "رجاء أبو زور، ديالا الأحمدية، دانا أبو محمود، فؤاد حرب، فينوس العربيد، كنان غانم، نغم عماد، خالد أبو حجيلة، أصالة عريج، راوية السمان، سوار خير، نغم العماطوري، سجا مرشد، سوار مراد، ليال أبو كرم، رهام جبور، جنى أبو محمود"».

من جلسات بناة الفكر

وبيّن الشاعر والأديب "جهاد الأحمدية" عضو "اتحاد الكتاب العرب" رأيه بمبادرة "بناة فكر"، بالقول: «تمثل هذه المبادرة نواة إبداعات أدبية تسعى للبحث عن الكلمة الجميلة والجملة النصية المتوافقة مع الحدث والزمن، وهي تحمل طاقة شبابية مندفعة نحو الوصول إلى هدفها بإصرار وقوة، مع الاحتفاظ بمعايير الكتابة الأدبية. ولعمري أن هذه الاقلام الفتية تبشر بولادة أدباء لهم تأثيرهم في تجسيد الواقع وتدوينه، بحركة ونشاط قد لا تتوفر عند العديد من كتاب الأدب بأجناسه المختلفة، خاصة أنهم قدموا على مسارح متنوعة من تربية واتحاد الكتاب والثقافة، وفي كل موقف تشاهد الحضور اللافت لهم، ويعود الأمر إلى المتابعة وحب الوصول».