اختارت المربية "جمانة ناصيف" طريقاً شاقاً في بداية حياتها بحكم الفطرة، والمورثات الفنية التي تحكمت باختيارها، فدخلت معهد الموسيقا، وهي لا تعرف العزف على أي آلة موسيقية، وأبدعت في المعهد والتدريس، وباتت علامة فارقة في دعم المواهب والمبادرات التي تهدف إلى السلام وحماية الطفولة.

مدونة وطن "eSyria" التقت المربية "جمانة ناصيف" بتاريخ 20 كانون الثاني 2018، لتتحدث عن رحلتها الطويلة مع الحياة والموسيقا، فقالت: «كان العود يتنقل من يد إلى أخرى في منزل والدي الشاعر الغنائي المعروف "شريف ناصيف"، الذي أفنى حياته في زرع الكلمة الطيبة والهادفة في عقول الأطفال. أظنّ أن البداية كانت هنا، فبهذا الجوّ المفعم بالمحبة داخل منزل يعجّ بالأطفال والغناء والآلات الموسيقية نشأت، لم أكن أحلم إلا بدخول كلية الصحافة، وليس هناك ما كان يدل على اقتحامي عوالم العزف والغناء غير تلك الجينات التي أتشاركها مع والدي. وبحكم الظروف، وعدم استطاعتي التسجيل في جامعة "دمشق"، نصحني والدي باختصار الوقت والتسجيل في أحد المعاهد الملتزمة فيها وزارة التربية وظيفياً؛ أي معهد اللغة العربية، أو أي معهد، وبعد تقديم الأوراق النظامية اكتشفت أن هناك معهداً للموسيقا، فقررت على الفور التسجيل فيه مع علمي بعدم قدرتي على المواصلة بسبب التكاليف الباهظة التي لا يستطيع الوالد تأمينها، إضافة إلى أن الوزارة غير ملزمة به؛ أي إن دخوله كان مغامرة غير محسوبة.

تعلّمت وتدربت على يدي أشهر المدرسين، وأكثرهم خبرة، وهم: الفنان الراحل "نجيب أبو عسلي"، والفنان "حمد اشتي"، وخضت غمار العزف على العود بعد أن صقل موهبتي الفنان "سعيد حرب" الذي له الفضل الكبير في تدريبي، وكنت من الأوائل في المعهد الذي أحببت كل تفاصيله، وبات التعليم بالنسبة لي هدفاً كاملاً عن قناعة تامة، فالموسيقا هي اللغة الوحيدة التي تجلب السلام والمحبة والصفاء الذهني، وتحرّض على الإبداع الدائم

كنا بحاجة إلى شراء ثلاث آلات، ونسخة الكتب كانت تبلغ خمسة آلاف ليرة سورية لأنها تأتي من "إيطاليا"، غير أن الوالد ابتسم لي، وقال: إن "الأكورديون" موجود، و"العود" موجود، ويمكن شراء آلة "الفلوت"، وصادف أن قام والد إحدى الطالبات بطباعة الكتب في "دمشق" بمبلغ 1500 ليرة سورية؛ لتحلّ قصة الدخول إلى المعهد بعد أن نجحت في فحص المقابلة بطريقة عجيبة».

مع طلابها في باحة المدرسة

وعن سنوات المعهد، تضيف: «تعلّمت وتدربت على يدي أشهر المدرسين، وأكثرهم خبرة، وهم: الفنان الراحل "نجيب أبو عسلي"، والفنان "حمد اشتي"، وخضت غمار العزف على العود بعد أن صقل موهبتي الفنان "سعيد حرب" الذي له الفضل الكبير في تدريبي، وكنت من الأوائل في المعهد الذي أحببت كل تفاصيله، وبات التعليم بالنسبة لي هدفاً كاملاً عن قناعة تامة، فالموسيقا هي اللغة الوحيدة التي تجلب السلام والمحبة والصفاء الذهني، وتحرّض على الإبداع الدائم».

طوال ربع قرن في التعليم، متنقلة بين عدة أماكن، اكتشفت "ناصيف" أنها بقليل من الحب والتعليم، وكيفية التعامل مع الطفل، أن بإمكان الطالب حفظ العلامات الموسيقية، وعزف السلم الموسيقي وهو في الصف الثاني الابتدائي، وأضافت: «منهاج الموسيقا ممتع ومفيد، والهدف منه ترفيهي بالدرجة الأولى، ثم اكتشاف المواهب وتهذيب الروح. وقد سرت على هذا النهج إلى الآن، فالطفل كتاب أبيض أمامك، وأي حشو زائد في المعلومات مضر جداً، وهكذا ثابرت على عملية الترفيه، مع زرع بذور صغيرة، وسقايتها بالمتعة والفرح لكي تورق هذه البذور فنانين صغاراً يكملون طريقهم بالطريقة التي يريدون من دون إكراه أو إجبار، ومحاولة إيصال المعلومة إلى الطالب أنه حرّ في اختياراته واكتشاف ما يرغب، وأجزم أن هذه المخلوقات الرائعة هي الأمل في الموسيقا والحياة. وطوال مسيرتي التي تقترب من ربع قرن في تعليم الموسيقا داخل الصفوف وخارجها، اكتشفت حجم المبدعين الذين يملؤون السماء بعزفهم الجميل على آلات متنوعة، وأصواتهم بمنتهى الروعة، وقد استثمرت ذلك من خلال الحفلات العديدة التي أشرفت عليها بالتعاون مع زملائي الفنانين والمهتمين بالموسيقا، والتي ترافقت مع الرقص التعبيري الراقي».

الأطفال بكل عفوية مع الموسيقا

الفنان التشكيلي "طلعت كيوان"، الذي لازم "ناصيف" مدة من الزمن في مدارس "شهبا"، قال: «مئة وخمسون عازفاً ومؤدياً من الأطفال الصغار، عزفوا وغنوا للسلام والطفولة كالمحترفين الكبار، وسط عدد غفير من الحضور الذين ذهلوا من القدرة العجيبة التي فرضتها المربية "جمانة ناصيف" على هذا العدد الضخم، من دون أي زلة أو خروج عن الإيقاع؛ وهو ما حفزهم على المطالبة بدخول هذه الفرقة موسوعة "غينس" كحالة خاصة فرضت نفسها للدعوة إلى السلام وحماية الطفولة من كل مخلفات الحرب القاسية. كانت هذه الحفلة التي أقيمت في مدرسة "بشير شعبان" الابتدائية بداية لحفلات كثيرة أقامتها المربية "جمانة ناصيف" مع عدد من الشبان الموهوبين الذين أشرفت على تدريبهم، وهي نواة فرقة كبيرة متكاملة تحتاج إلى الدعم والمتابعة».

يذكر أن المربية "جمانة ناصيف" من مواليد "السويداء"، عام 1971.