عودتها إلى مقاعد الدراسة حالة خاصة ومتفردة لكونها تجاوزت الأربعين من العمر. رافقت ابنتها إلى كلية التربية، واستطاعت بمهارة وإصرار أن تكون الأولى وبمعدل عالٍ طوال ثلاث سنوات على الرغم من ظروف البيت والعمل.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 20 أيلول 2017، ربة المنزل والطالبة في كلية التربية "أمل حمزة"، التي تحدثت عن كيفية وصولها إلى الكلية في وقت متأخر، فقالت: «توفي زوجي قبل سنوات تاركاً وراءه أسرة مؤلفة من ابنتين توأم، وطفل صغير، وهم بحاجة إلى الرعاية والاهتمام، كان وقع رحيله كبيراً علينا، وكان لزاماً عليّ تحمل مسؤولياتي كاملة بعيداً عن الحزن، فالأولاد لا ذنب لهم، ويجب أن يكملوا الطريق. تزوجت من شقيق زوجي الذي وقف إلى جانبي وما زال مستمراً في دعمي حتى اللحظة.

أصنع الهدايا من مادة الشمع، وأحاول على الرغم من ضيق الوقت إنتاج أشكال جميلة ترضي فضولي وشغفي لصنع أشياء مميزة، لم يكن هدفي البيع والتسويق، بل رسالة إلى النساء الراغبات بالعمل والبحث عن فرصة، وهي حالة تواصل مع الناس

كانت ابنتاي التوأم تحضران للشهادة الثانوية، فحرصت على تقديم كل شروط الراحة كي تنجحا بتفوق، غير أن واحدة منهن لم يحالفها الحظ، وكان قراري حاسماً أن أتقدم معها في السنة التالية لكي أدعمها وأكون إلى جانبها؛ وهو ما كان فعلاً، حيث درسنا معاً وتقدمنا للامتحان.

أثناء تسلمها جائزة الباسل للتفوق مع زملائها

تقدمت إلى كلية التربية مع ابنتي التي سبقتني ولم تتقدم في تلك السنة، وبتنا نذهب معاً لحضور المحاضرات، فدخلت جدران الكلية مصممة على فعل شيء يستحق الذكر، حيث وازنت بين البيت بكل مشكلاته ومسؤولياته، وبين دراستي التي تحتاج إلى الاهتمام الدائم».

وفيما يتعلق بتفاصيل يومها في الكلية، وعلاقتها مع زملائها والمحاضرين، أضافت: «في البداية كانت حالة اكتشاف لشريحة غريبة عني، ففارق السن كان كبيراً، وفي الوقت نفسه كان زملائي والمحاضرون يشعرون بالفضول لمعرفة شخصيتي وسبر أغواري، لم أكن مهتمة سوى بما تحتويه الكتب وفهم رموزها، وإعطاء حالة من التفاؤل لكل الذين حولي. وفي الامتحانات الفصلية كنت من المتفوقين، وظهرت النتائج لتزيد تعلقي بالكلية، ومحاولة تحسين مستواي الفكري؛ وهو ما قربني كثيراً من الكتاب، وجعله الجزء الأهم في حياتي بعد الأولاد، واكتشفت من خلال الكلية طرائق ووسائل جديدة تمكنني من التواصل الصحيح مع الأولاد والمحيط.

مع ابنتها على مقعد واحد

وقد حصلت في إحدى المواد على العلامة التامة؛ وهذا جعلني لاحقاً أحرص على المعدل؛ وهو ما جعلني الأولى على الكلية في السنة الثالثة بمعدل وسطي يتجاوز 86%. كان دكاترة الكلية يتعاملون معي مثل أي طالب آخر، لكن حرصي على المناقشة، وطرح القضايا والمواضيع المتعلقة بالمنهاج، وعدم تفويت أي محاضرة جعل منهم يهتمون لما أطرحه دائماً، لكن تبقى علاقتي معهم مبنية على الاحترام الكامل».

لم تقف عند هذه الحد، فقد امتلكت الكثير من المواهب، مثل المهن اليدوية والتراثية، حيث اشتركت في معرض بمدينة "شهبا" كان هدفه دعم العائلات الفقيرة، وأضافت: «أصنع الهدايا من مادة الشمع، وأحاول على الرغم من ضيق الوقت إنتاج أشكال جميلة ترضي فضولي وشغفي لصنع أشياء مميزة، لم يكن هدفي البيع والتسويق، بل رسالة إلى النساء الراغبات بالعمل والبحث عن فرصة، وهي حالة تواصل مع الناس».

تحمل شهادة تفوقها

الفنانة "ميسون أبو كرم" تعرّفت "أمل" في معرض للمنتجات اليدوية في مدينة "شهبا"، قالت عنها: «وجدت فيها الإصرار والحيوية والتواضع، وعلمت من المشاركات في المعرض أنها في الجامعة على الرغم من سنها الذي تجاوز الأربعين، وهي متفوقة في دراستها، ونالت المركز الأول على دفعتها في كلية التربية، قسم الإرشاد النفسي. مبدعة في تصاميمها التي تعلمتها من خلال دورة واحدة للأعمال اليدوية، ومن خلال ما رأيت أن منتجاتها تباع بسرعة نظراً للمسة الفنية الجميلة التي وضعتها على أعمال الشمع.

أظن أنها مثال للمرأة السورية القادرة على العطاء كيفما كانت الظروف، وهي تمثل تحدّياً خاصاً من نوعه في المجتمع».

يذكر أن "أمل حمزة" من مواليد قرية "دوما"، عام 1972.