برزت منذ طفولتها المبكرة بعدد من المواهب، وأطلقت العنان لمخيلتها الواسعة حتى حققت ما كانت ترسمه بدقة؛ فنالت الشهرة الواسعة في المغترب من خلال قلمها وإبداعاتها في مجال المسرح والرواية، بعد أن اشترطت على زوجها أن يكون مهرها التحصيل العلمي المستمر.

مدونة وطن "ESYRIA" تواصلت بتاريخ 14 نيسان 2017، مع الكاتبة "غازية منصور الغجري" المقيمة في "الإمارات العربية المتحدة"، لتتحدث عن طفولتها التي رسمت معالم شخصيتها قبل أن تدخل معترك الحياة، وقالت: «تميز والدي بالجدية والانضباط الشديد، ووالدتي بالصبر والذكاء، وكانت تعطي كل وقتها لأسرتها إلا أنها مسلوبة القرار.

كانت "غازية" شعلة من الذكاء والحنكة في المرحلة الابتدائية، وتتميز بمواهب متعددة، إضافة إلى ذكائها في الصف، وكنت حريصة على التقرب منها؛ لأنني توقعت أن تكون شيئاً مهماً في المستقبل، وهي قريبة من أهلها على الرغم من غربتها الطويلة، ونشاطاتها الأدبية والفكرية موضع فخر لنا

وكنت حينها في ذاتي ألوم المرأة بعقلها الذكوري ورضوخها للأمر الواقع، وأسقط كل هواجسي وأفكاري في مجلد سري كبير، منددة بهذا الوضع، حيث رسمت على صفحاته خطة لمستقبلي وطريقة حياتي التي تشبه إلى حد كبير ما حققته، وكل ما أنا عليه الآن.

مسرحية سلماكوف

أحببت الغناء في المدرسة والمنزل، وكان اهتمام الآخرين بي وبصوتي يسعدني جداً، وكان والدي يهتم بي ويسجل صوتي (في ساعات الرضا). أحببت الشعر بجنون، وكنت أكتب كل ما أسمعه من الشعر والنثر والوجدانيات، وأدون بعض الأفكار والملاحظات حول الأشخاص، وكنت أحول انطباعي الشخصي عنهم إلى عمل فني ساخر ولاذع أحياناً، كلقاء صحفي، أو مشهد تمثيلي، وأقوم بتأدية كل الأدوار، وكان لوالدي النصيب الأكبر من تلك المقالب التمثيلية لإسقاط سلطته ولو لبعض الوقت».

وتتابع: «كنت جادة في الدراسة، ومشاكسة بحدود الأدب، مارست كل هواياتي في الغناء والخطابة والمشاركة في الأنشطة المدرسية. كان ذلك بتشجيع كبير من والدي الذي أحب مواهبي، لكن سرعان ما تغير موقفه في المرحلة الإعدادية؛ إذ تحول فجأة وطلب مني التوقف عن كل شيء. كنت ومازلت لا أقف عند أي قرار معطل أو مشكلة تواجهني، فدمجت كل هواياتي بهواية المطالعة، ورحت أختار من الكتب ما هو أكبر من عمري، فقرأت لـ"المتنبي"، و"محمود درويش"، و"نزار قباني"، و"بدر شاكر السياب"، و"غادة السمان"، وكل كتاب ذي قيمة.

من إصداراتها

نهم المطالعة انعكس على تمكيني بمادة التعبير، لدرجة أن معلمة المادة كانت لا تصدق أنني أكتب مواضيعي بمفردي، وبعد ذلك أصبحت هي الداعم الأول لي؛ وهذا ما جعل والدي رجلاً فخوراً جداً بي، وكان يردد على مسامعي كلمة كانت حافزاً كبيراً: سوف أرسلك بعثة إلى "روسيا" من أجل التحصيل العلمي إن أردت. لكن فجأة ومن دون مقدمات تراجعت كل الوعود».

كانت قصة زواجها المبكر ضربة قوية لطموحها، وعندما لم تجد بدّاً منه طلبت أن يكون مهرها العلم، وأضافت: «عندما سافرت إلى زوجي في "الإمارات" بكيت كثيراً وبصمتٍ لعدة أشهر، وعشت فترة صعبة وحرجة، مع أنني كنت أطمح إلى التغيير الجذري في حياتي. عانيت حتى اكتفيت؛ لأن الفتاة تعاني سلطة الأب فقط. وبعد الزواج والانخراط في مجتمع ذكوري يحسب كل خطوة على الأنثى، تتحول السلطة المحبة والغيورة إلى سلطة حاقدة ومدمرة. فكان ذهابي للعمل والدراسة وقيادة السيارة فيلماً مكسيكياً طويلاً يتناوله صغار العقول، فانعكس هذا على حياتنا؛ ولأن زوجي إنسان حرّ ويحبني، عانى مثلي من بعض المتطفلين، لكن بإصرار مني وتحدٍّ، وصلت، ونجونا من الغرق في بحر الجهل والضياع.

جزء من شهاداتها ومكتبتها في المغترب

كنت حريصة على أمر واحد عندما علمت أنه لا مفرّ من الزواج، فطلبت أن يكون مهري العلم، وهو شرط وحيد تمسكت به، وعلى زوجي أن ينفذه إن أراد الاقتران بي؛ وهو ما كان تماماً. وهكذا نجوت من براثن الجهل، وانطلقت نحو الحياة».

تابعت حلمها بصبر وحنكة، واتخذت لنفسها الطريق الذي فرض عليها، وأضافت: «كانت كل محطات الدراسة التي خضتها مهمة، على الرغم من الشقاء والتعب، واحتاجت مني إلى جهود جبارة، وتصميم وسهر، وحسن إدارة للوقت. لكن مرحلة تعلم اللغة الإنجليزية كانت الأكثر أهمية؛ لأن الشركة التي كنت أعمل فيها كانت تعتمدها، كنت في سباق مع نفسي ومع الزمن كي أطور مهاراتي ولغتي وأحافظ على عملي، وأستطيع الحصول على ترقية.

التحقت بالمعهد البريطاني من عام 1986 حتى 1999، وتمكنت من اللغة بدرجة ممتازة؛ وهذا سهّل عليّ تعلّم لغة الحاسوب لاحقاً، حيث التحقت بعدة دورات في جامعة "الإمارات"، وحصلت على شهادة قيادة الحاسوب. بعدها حصلت على بكالوريوس إدارة أعمال؛ ولهذا أقول إن الصبر والتصميم والتحدي أوصلوني إلى العلم، والعلم أوصلني إلى جزء معقول من النجاح».

وعن مؤلفاتها وإبداعاتها، وعملها الإعلامي، والجوائز التي حصلت عليها، تضيف: «أول عمل وثقته بالصوت، وعرضته على مستوى المحيط والأسرة كان روائياً، وحمل عنوان: "ليه كده يا والدي" عام 1979، أحداث الرواية تتكلم عن فتاة مشاكسة، تعاني تسلط الأسرة والمجتمع، وتدافع عن حقوقها المصادرة، ولأن جيلنا كان يتابع الدراما المصرية بإعجاب شديد؛ تأثرت بجمال الفن واللهجة المصرية، وعبرت عن ذلك بتحويل الرواية إلى فيلم إذاعي، كنت فيه المؤلف والمخرج والممثلة، تقمصت فيه كل الشخصيات بطابع صوتي يتناسب مع العمر والجنس والمهنة والمستوى الثقافي لكل شخصية.

أما المطبوعات، فكان أولها ديوان "العاصفة والحب" الصادر عن "دار الكلمة نغم للطبع والنشر". وكتبت القصة القصيرة، والمسرح، والرواية، والمقال، وكتبت في صحيفة "الاتحاد" الإماراتية ما يزيد على ألف مقال خلال عام 2000 وحتى 2005، ونشرت في صحيفة "الخليج" بعض النصوص الشعرية.

أما الجوائز الأدبية عن الكتابة، فقد حصلت على جائزة أفضل "قلم نسائي" من الساحة العربية عام 2003، وجائزة "الخاطرة" من "الأثير العربي" عام 2004، وجائزة النقد الأدبي من "شبكة هجر الثقافية" 2005، وحصلت على دكتوراة فخرية من "مؤسسة الإعلام الفلسطيني" عن التفاعل مع القضايا العربية.

ومن الأعمال المسرحية المنفذة: مسرحية "العقد والمرآة"، و"جنين محاصر يا عرب"، التي عرضت على مسارح الدولة في "الإمارات"، و"سلماكوف" التي عرضت في "سورية" عام 2012، ومسرحية "سأغني" أيضاً عرضت في "سورية" عام 2016. ولي أعمال كثيرة في الأدب الرقمي».

المربية الفاضلة "جمال صبح" المولودة في مدينة "صلخد" عام 1945، تحدثت عن المدة التي أشرفت فيها على تعليم "الغجري" بالقول: «كانت "غازية" شعلة من الذكاء والحنكة في المرحلة الابتدائية، وتتميز بمواهب متعددة، إضافة إلى ذكائها في الصف، وكنت حريصة على التقرب منها؛ لأنني توقعت أن تكون شيئاً مهماً في المستقبل، وهي قريبة من أهلها على الرغم من غربتها الطويلة، ونشاطاتها الأدبية والفكرية موضع فخر لنا».

المخرج المسرحي "رفعت الهادي" قال عنها: «"غازية الغجري" كاتبة ومخرجة مسرحية، صنعت أكثر من عمل في "السويداء"، ولها بصمة مميزة من خلال الإشراف على عدد من الموهوبين في مدينة "صلخد" وإطلاقهم في هذا الفضاء المسرحي الواسع، وقد نافست مسرحياتها في أكثر من مناسبة على نيل الألقاب. مجتهدة تعمل بصمت، وحاولت ألا تكون بعيدة عن الناس على الرغم من غربتها الطويلة».

يذكر أنّ الكاتبة والإعلامية "غازية منصور الغجري" من مواليد مدينة "صلخد"، ولديها ثلاثة أبناء.