عانت "رنا" منذ طفولتها شللاً دماغياً أثّر في وظائف الحركة والنطق لديها، إلا أنّ اهتمام أهلها ساعدها على تخطّي العديد من الفترات الصعبة في حياتها، وصقل مواهبها التي ظهرت من خلال الرسم، والرياضة، والعمل اليدوي، وحصاد الجوائز.

مدونة وطن "eSyria" التقت والدها "نزيه كنعان" بتاريخ 5 كانون الثاني 2017، الذي أصبح الأقرب والمعين لها بعد وفاة والدتها، حيث تحدّث عن الوضع الصحي لابنته بالقول: «لم تظهر أيّ أعراض غريبة على ابنتي في طفولتها المبكرة، بل بدأت بمراحل لاحقة سبقت المشي والنطق، وعلى الرغم من محاولاتنا الاهتمام بها ورعايتها طبياً، إلا أنّها بقيت على هذه الحال، وكان الضرر في مركز النطق بالدماغ، إضافة إلى الخلل الحركي».

لم تظهر أيّ أعراض غريبة على ابنتي في طفولتها المبكرة، بل بدأت بمراحل لاحقة سبقت المشي والنطق، وعلى الرغم من محاولاتنا الاهتمام بها ورعايتها طبياً، إلا أنّها بقيت على هذه الحال، وكان الضرر في مركز النطق بالدماغ، إضافة إلى الخلل الحركي

وتابع: «ظروف عملي كانت تبعدني عن المنزل عدة أيام، لكنني كنت على يقين من رعاية أمها لها واهتمامها بها، فقد نذرت كلّ الوقت والجهد لتعليمها، حتى إنها استطاعت التأقلم مع أطفال المدرسة وأظهرت تميزاً في مادة الرسم، وشاركت في المعارض الدورية، حتى أصبحت في الصف السابع، ودخلت معهد الإعاقة الذهنية التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية في "السويداء"».

رنا كنعان مع والدها نزيه كنعان

وتحدثت "رنا كنعان" على الرغم من صعوبة نطق الحروف؛ لتخبرنا بما حقّقته قائلة: «شجّعتني المعلمة في المعهد على الاهتمام بالرسم أكثر، سجلت بدورة في المركز الثقافي بـ"السويداء" بإشراف الفنانة "منيرة الأشقر"، وكانت دورة جميلة استفدت منها، بعدها التحقت بثلاث دورات؛ مدة كل دورة ستة أشهر، وبعت لوحات من أعمالي في معرض "الجمعية السورية لذوي الاحتياجات الخاصة" الذي يقام سنوياً، كما طوّرت مهاراتي وأصبحت أرسم على الزجاج، وسط إعجاب جميع مدرّسي المعهد بعملي، حيث رشحوني لدورة تطريز لتعلّم غرز الخياطة».

وتابعت: «طلب مني المدرّسون تعليم الطلاب الأصغر مني الرسم، وصنع الأساور المطاطية التي تعلّمتها من مقطع فيديو عبر الإنترنت، وشاركت ببطولات رياضية، وحصلت على ميداليات ذهبية وفضية، وشهادة في رمي الكرة الحديدية، وميدالية ذهبية في مسابقة ألعاب القوى لذوي الاحتياجات الخاصة بجامعة "القلمون" في "دمشق". وفي يوم الإعاقة العالمي شاركت بنشاط الجري من المحافظة إلى الملعب البلدي، وحصلت على ميدالية فضية».

من أعمالها بالرسم على الزجاج

الفنانة "منيرة الأشقر" المديرة السابقة لمركز الفنون التشكيلية في المركز الثقافي بـ"السويداء"، تحدّثت عن "رنا" بالقول: «تمتلك القدرات المدفونة والطموح والذكاء والمثابرة على الرغم من إعاقتها الدماغية المؤثرة بكل أطراف جسدها، وكانت من الطالبات التي فرضت نفسها على من حولها بطريقة جميلة، أحبّها الجميع للطفها وهدوئها. بدأت منذ سبع سنوات التردد إلى المركز، حيث درّبتها على استخدام يدها وكيفية التركيز مع القلم واللوحة. واللافت في الأمر أنّها لا تحبّ المساعدة من حولها؛ وعندما نضع لها لمسات فوراً تغيّرها على طريقتها التي تراها مناسبة؛ وهذا دليل على ثقتها بإبداعها وإحساسها الخاص. بساطة خطوطها جميلة، بدأت تلوّن وتتمتع بما تستنتج من عجينة اللون التي علّمناها إياها، وتضعها بشكل جميل على اللوحة، واستمرت حتى هذه الأيام بموهبتها، وتشارك بالمعارض السنوية والمعارض الخاصة بذوي الاحتياجات.

تعلّمت كيف ترسم بقلم الرصاص والفحم والألوان المائية والباستيل، وانتهت بالزيتي الآن، وكان لوالديها الفضل الكبير بتقدّمها؛ فهما يلازمانها في دروسها على الرغم من كل الظروف الصعبة؛ فالأم كانت مريضة بالسرطان، وقد شهدتُ تضحيتها، حيث كانت تذهب باكراً لتأخذ جرعتها في "دمشق"، وتأتي مسرعة لتجلب "رنا" وتجلس معها لتنجز لوحتها، وتنسى آلامها أمام إنجاز ابنتها قبل وفاتها».

إحدى لوحات رنا

يذكر أنّ "رنا كنعان" من مواليد "حمص" عام 1991، وهي حالياً مقيمة مع عائلتها في قرية "الرحى" في "السويداء".