حماية "الدخيل" أو "المستجير"، عادة وعرف عربي قديم يمثّل أحد أركان الأخلاق والذمة المتعارفة في "جبل العرب"، حيث تنتشر القصص التاريخية التي ألهبت الناس، وهبّوا ضد الاستعمار من أجل "دخيل".

مدونة وطن "eSyria" بحثت عن أصل هذه العادة وتاريخها، والتقت الباحث في التراث الكاتب "محمد جابر"، بتاريخ 30 كانون الأول 2016، فتحدث بالقول: «الاستجارة هي طلب الحماية، والأصل فيها الاستجارة بالله، ثم بمن يطبقون "ناموسه". و"المستجير" هو الشخص الذي عزّ عليه دفع البلاء عن نفسه فطلب الحماية ممن هم أعزّ وأشدّ منه بأساً وقوة، والمجير هو شخص عرف بحكمته ونخوته، وهذه عادة عربية قديمة عرفت قبل الإسلام، وفي "جبل العرب" تطبق هذه العادة شأنها شأن البلدان العربية، وقد عرف "الجبل" حوادث كثيرة منها ما هو على الصعيد المحلي، التي تتمثل باستجارة بعض الأشخاص من "الجبل" ببعض الزعماء المعروفين أو الأشخاص الذين اشتهروا بمكارم الأخلاق، ومثال ذلك استجارة أحد الأشخاص بالشاعر "جاد الله سلام"، في قرية "طربا"، وكان هذا الشخص قد قتل ابن أخ المذكور، فقدم له "جاد الله سلام" الحماية مع أنه غريم الدم، وقام بحمايته، ثم طلب منه الرحيل، وبعدها سيكون هذا الشخص غريمه أينما وجده. ومنها ما هو أعمّ وأشمل؛ كاستجارة "سلطان بن الرشيد"، بشيخ قرية "الصورة الكبيرة" الشيخ "واكد زهر الدين"، بعد أن كان فاراً من الاحتلال العثماني، وعندما لحقه الجنود العثمانيون لاعتقاله، قام الشيخ "زهر الدين" بإرسال قصيدة استدعى بها فرسان الجبل لحماية الدخيل، وقد لبى فرسان الجبل النداء، ومن هذه القصيدة نذكر: "قم يا رسل وصل سريع الأخبار.. عن اللابة اللي تزبن كل ملهوف.. الضيغمي تو بحمانا استجاري.. هاها النشامى بلغوا عيال معروف". وهناك ما هو أهم، كاستجارة الثائر "أدهم خنجر"، بـ"سلطان الأطرش" بعد أن كان مطلوباً للاستعمار الفرنسي، وكانت هذه الاستجارة أحد الأسباب المباشرة لقيام الثورة الأولى في "جبل العرب" عام 1922، ومازالت هذه العادة متبعة في الجبل، ولكن أقلّ من قبل؛ فالناس اليوم يستخدمونها لاستجلاب النخوة فيما بينهم، فعندما يكون لأحد حاجة عند الآخر يقول له: "أنا داخل على الله ثم عليك"، وذلك لتكون حاجته مجابة».

عندما يدخل الدخيل ويطلب الاستجارة، يقول: "أنا بوجه صاحب البيت"، فيقول المجير: "وصلت أنشا الله ما يصيبك ضيم وأنا موجود"، ثم يقول المستجير: "أنا فلان من الناس، ويطرح مظلوميته"، ويقول: "أنا داخل بحظكن"، بعدها يقوم المجير باتخاذ كافة الإجراءات والتهدئة من روع الدخيل وإكرامه بالضيافة، ويستدعي الأشخاص الذين يساندونه لحمايته إذا كان الخطر محدقاً، وإذا كان الخطر بعيداً يقوم بالتجهيز لطلب حق هذا الرجل، وعندما ينتهي الخطر عن الدخيل أو يحصل على حقه تترك له حرية اختيار الوجهة التي يريد أن يسلكها

وعمّا يقوله الدخيل وما يتم الردّ عليه، يتابع "جابر" بالقول: «عندما يدخل الدخيل ويطلب الاستجارة، يقول: "أنا بوجه صاحب البيت"، فيقول المجير: "وصلت أنشا الله ما يصيبك ضيم وأنا موجود"، ثم يقول المستجير: "أنا فلان من الناس، ويطرح مظلوميته"، ويقول: "أنا داخل بحظكن"، بعدها يقوم المجير باتخاذ كافة الإجراءات والتهدئة من روع الدخيل وإكرامه بالضيافة، ويستدعي الأشخاص الذين يساندونه لحمايته إذا كان الخطر محدقاً، وإذا كان الخطر بعيداً يقوم بالتجهيز لطلب حق هذا الرجل، وعندما ينتهي الخطر عن الدخيل أو يحصل على حقه تترك له حرية اختيار الوجهة التي يريد أن يسلكها».

الأستاذ محمد جابر

وعن تاريخ هذه العادة وسبب عدم وجودها كما في السابق، يتحدث الناقد والكاتب "إسماعيل الملحم" بالقول: «حماية المستجير أو الدخيل عادة قديمة وأصيلة في المجتمع العربي ومن العادات المتداولة قبل الإسلام، وحتى قبل الجاهلية، ومنها ما كانت سبب في حروب كحرب البسوس التي استجارت ببني "مرة" ضد قبيلة "تغلب" المعروفة، وفي الإسلام عرفت الاستجارة، حيث إن الرسول عليه الصلاة والسلام نفّذ هذه العادة في فتح "مكة"، عندما قال: "من دخل الكعبة فهو آمن، ومن دخل دار أبو سفيان فهو آمن، ومن دخل داره فهو آمن"؛ وهذا يعني أنّ من استجار بأحد هؤلاء، فقد حقن دمه وماله، لكن هذه العادة لم تبقَ على حالها، إذ إنّ التغييرات الاجتماعية الكثيرة والتطور نحو الحياة المدنية قد ساهم في غيابها، وخاصة بعد تطور مفهوم الدولة، بعد أن أصبحت البلدان العربية قادرة على إقامة سلطات تحمي الناس من الجور والظلم الذي يقع عليهم؛ فقد استعيض عن الاستجارة بالوجهاء أو الزعماء المحليين باللجوء إلى القضاء أو الشرطة التي تحميهم بسلطة القانون. أما في العصور التي لم تتكوّن فيها الدولة، وكان القانون القبلي هو السائد، حيث لم يكن هناك من يحمي المظلوم أو يردّ الظلم إلا بهذا العرف، فيقوم الأشخاص الذين يقع عليهم الظلم بطلب الحماية من أشخاص قادرين على رفع هذا الظلم كوجيه القبيلة الذي يستطيع بناء على سلطته وسطوته حماية المستجير».

يذكر أن هذه العادة أغلب الأحيان تكون لدى أشخاص وقعوا في براثن أشخاص ظالمين أو وقعوا في أخطاء غير مقصودة، وكانت هذه الأخطاء تهدّد حياتهم ومالهم، فيلجؤون إلى مكان فيه أشخاص تتوفر فيهم القوة لردّ هذا الظلم، ويكون لدى هؤلاء الأشخاص مسؤولية أخلاقية لقبول هذه الاستجارة وحماية صاحبها؛ وذلك لإيمانهم بأنّ الله هو خير المجيرين.

الأستاذ إسماعيل الملحم