برز الدكتور "فريد الشحف" بمقالاته السياسية، وتحليله للأحداث عن علم ومعرفة، وخاصة تلك المتعلقة بالغرب عموماً، وخاض غمار الترجمة والتأليف، فبرع فيها بطريقة لافتة، حيث ترجم مع الأديب الشاعر "ثائر زين الدين" أعمالاً مهمة، أغنت المكتبة العربية، ونالت استحسان القرّاء.

مدونة وطن "eSyria" التقت الصحفي والمترجم الدكتور "فريد الشحف" بتاريخ 27 تشرين الثاني 2016، الذي تحدث عن مرحلة تكوين الوعي السياسي لديه، وبناء الشخصية، فقال: «ولدت عام 1958 في قرية "مردك" المعروفة بمثقفيها وتنوعها السياسي ومواهبها المتنوعة، وأغلب الأحيان يلعب المحيط الخارجي والمشهد السياسي والاجتماعي الذي ترعرع فيه الشاب الذي يتحضر لدخول مسرح الحياة دوراً مهماً في بلورة طموحاته المستقبلية بما يتناسب مع رغباته وإمكانياته الشخصية. وقد شهدت مرحلة الطفولة والمراهقة أحداثاً كان لها أثر في بلورة وعينا ونظرتنا إلى الحياة. أهمّ هذه الأحداث: تأسيس الجبهة الوطنية التقدمية، وحرب تشرين، والمؤامرة التي تعرّض لها "لبنان"، والأهم كانت المؤامرة على "سورية" في منتصف السبعينيات من القرن العشرين، التي استخدمت "الأخوان المسلمين" واجهة لها.

لا شك أن تجربة العمل في السفارة، والخبرة التي حصلت عليها، كانت حافزاً وعاملاً مهمّاً في أن أجد نفسي في مجال التحليل السياسي والإعلامي، لكون المرحلة التي مارست العمل فيها حسّاسة وخطرة. كنت أشعر بالثقة في نفسي، وبصحّة التحليلات الإعلامية والسياسية التي أكتبها

كنّا نحن الشباب نحاول التعبير عن تفاعلنا مع الأحداث، بطريقتنا الخاصّة، منّا من كان يعبّر بأغنية شعبية، وآخر بخاطرة أدبية، وثالث بمقالة سياسية، ورابع بفقرة تمثيلية وغير ذلك.. والحقيقة كانت هناك مواهب لافتة، لكنها لم تجد من يحتضنها ويطورها ويضعها على الطريق الصحيح. والتخصص الذي كان يجذبني في نهاية المرحلة الثانوية؛ هو العمل الإعلامي، لكونه الوسيلة الأكثر أهميّة، والقادرة على نقل وجهة نظر الإنسان من محيطه الضيّق إلى جمهور أوسع، والكشف عن الأخطاء، وطرح حلول لها، وهو موجود دائماً في قلب الأحداث، وعلى صلة مباشرة بالناس يتفاعل مع همومهم ومشكلاتهم».

الدكتور ثائر زين الدين

وعن دراسته واختياراته التي اتبعها في الحياة، أضاف: «أُتيحت لي منحة دراسية في "الاتحاد السوفييتي" السابق عام 1981، وكانت رغبتي الأولى هي الإعلام. وفعلاً سافرت في العام نفسه، ودرست في قسم "الصحافة الدولية" كلّية الآداب في جامعة "الصداقة" في "موسكو". فتحت الدراسة عيني على حقائق خطرة في المجال الإعلامي، لم نكن نعرفها من قبل؛ أهمّها النظريات الإعلامية الغربية وأهدافها، وأساليب وطرائق عملها في الواقع، الدعاية النازية ومبادئ "غيبلز" وزير دعاية ألمانيا الهتلرية والأب الروحي والمرجع الأساس حالياً لمنظري الإعلام في الدول الغربية، والدور الكبير والخطر الذي يلعبه الإعلام في الصراع السياسي والأيديولوجي على المسرح السياسي العالمي، والتقاء هذا الصراع في الاستحواذ على عقول شعوبنا العربية، وقياداتها النخبوية.

لقد أثارت لدي إحصائية اطلعت عليها، وكانت قد نُشرت في مجلة "الموقف الأدبي" بداية الثمانينيات؛ أسئلة كثيرة لم أجد جواباً مقنعاً عن معظمها حتى الآن. تقول هذه الإحصائية: إن أكثر من 90% من الأخبار التي تُكتب في الصحف العربية عن الدول العربية نفسها؛ مأخوذة من أربع وكالات عالمية للأنباء؛ أي إن ما كان يعرفه المواطن العربي -وما زال إلى حدّ بعيد- عن الأحداث العربية في دول عربية شقيقة؛ هو من وجهة نظر غربية، وقد كتبت حينئذٍ حلقة بحث، بعنوان: "النظريات الصحفية البرجوازية والدول النامية"، حازت المركز الأول في مسابقة حلقات البحث للطلبة الأجانب لعموم "الاتحاد السوفييتي". وقد ترجمتها ونشرتها في مجلة "دراسات اشتراكية" عدد نيسان، عام 1985. عملت بداية عام 1992، في القسم الإعلامي في سفارة دولة "الإمارات" في "موسكو"، عندما كنت أحضّر لأطروحة الدكتوراة في كلية الصحافة في جامعة "موسكو" الحكومية، التي تخرّجت فيها عام 1993، ومارست العمل فيها حتى نهاية عام 1997».

ويضيف عن هذه المرحلة: «لا شك أن تجربة العمل في السفارة، والخبرة التي حصلت عليها، كانت حافزاً وعاملاً مهمّاً في أن أجد نفسي في مجال التحليل السياسي والإعلامي، لكون المرحلة التي مارست العمل فيها حسّاسة وخطرة. كنت أشعر بالثقة في نفسي، وبصحّة التحليلات الإعلامية والسياسية التي أكتبها».

وعما أنتجه شخصياً في مجال الكتابة السياسية، والترجمة، يقول: «لا شك أنّ الباحث، يعدّ كلّ عمل له مهمّاً، لكن أميّز آخر كتابين، هما: "الدعاية والتضليل الإعلامي.. الأساليب والطرق"، و"الإنترنت – سلاح رأس المال العالمي الأميركي ضد ثقافة العالم العربي"، اللذان صدرا عام 2015، عن دار "علاء الدين" في "دمشق"، بسبب أهميتهما الراهنة، حيث تناولا الإعلام ودوره، في افتعال وتنظيم وإدارة أحداث ما يسمّى "الربيع العربي". وهما يلقيان الضوء استناداً إلى مصادر موثّقة، عن الدور الأميركي الرئيس في افتعال الأحداث، وعملية التحضير لها وإعداد الكوادر، وتدريبها على طريقة إنزال الناس إلى الشوارع، والشعارات التي يجب رفعها. إضافة إلى الأساليب والطرائق التي انتهجها وينتهجها الإعلام الغربي.

أمّا فيما يخصّ الترجمة، فمن وجهة نظري، إنها تحتاج إلى تخصّص؛ فإتقان اللغة الأجنبية وحده، لا يؤهّلك لتكون مترجماً؛ فترجمة الأدب تحتاج إلى مترجم أديب. وعندما بدأت العمل في هذا المجال، تعرّفت إلى صديقي الشاعر "ثائر زين الدين"، وكان حينئذٍ يترجم كتاب "عودة الإنسان"، عرضت عليه المساعدة، لكبر حجم العمل، وصعوبة اللغة، لكون العمل كُتب قبل أكثر من قرن ونصف القرن، والكثير من الكلمات التي استخدمها لم تعد متداولة في الأدب الحديث، فعرض عليّ أن نترجم معاً؛ فأحدنا يكمّل الآخر؛ هو شاعر من الشعراء المتميّزين القلائل، ويعرف جيداً اللغة الروسية، وبدوري أتقن اللغة الروسية جيداً؛ وهذا ما ساعدنا على إنجاز العمل بسرعة أكبر، وبدقة وأمانة أكثر، لأسلوب ولغة الكاتب. وقد صدر لنا حتى الآن عشرة أعمال، معظمها روائية لـ"بولغاكوف، وأيتماتوف"، وآخرين».

الشاعر الدكتور "ثائر زين الدين" مدير الهيئة العامة للكتاب، تحدث عن علاقته بالمترجم الدكتور "فريد الشحف"، والأعمال المشتركة التي أبدعاها، فقال: «بدأت علاقتي مع الدكتور "الشحف" عام 2005، عندما كنت أترجم عملاً ضخماً للأديب الروسي "دوستويفسكي" عنوانه: "عودة الإنسان"، يوم ذاك طرحت عليه إن كان يعمل في هذا الحقل، ولا سيما أن لغته لغة متميزة، فأعجبته الفكرة لكنه كان يخشى من بعض الصعوبات في هذا المجال، لكن سرعان ما تجاوزنا هذا الأمر، وكان العمل الأول الذي قمنا بترجمته معاً، وحمل عنوان: "القصيدة الأخيرة" لشاعر الهند العظيم "طاغور".

ما أستطيع قوله إن الدكتور "فريد الشحف" يتقن اللغة الروسية إتقاناً عالياً، ليس فقط قراءة وكتابة، لكنه عاش في الوسط الذي يتقن اللغة، فتعلم هناك المرحلة الجامعية، ونال الدكتوراة في الصحافة في جامعة "موسكو"، عاش بين الناس هناك نحو ثمانية عشر عاماً؛ لذا فهو يتقن لغة المصدر جيداً، وهو من القلائل الذين يعرفون حيثيات اللغة الروسية بعمق عندما ينبري لنقل نص أدبي أو سياسيٍ؛ هذه المعرفة المهمة للغة الروسية، مكّنته من ترجمة الكثير من النصوص الأدبية والفكرية السياسية، والحقيقة أنه كان لامعاً في هذا المجال».