حصلت "دانه أبو محمود" في وقت قياسي على جائزتين شعريتين مهمتين؛ فهي الشابة التي امتلكت ناصية الكلمة بحرفية عالية، وأثبتت قدرة على تطويع الكلمات والتفرد بالجمل والمعاني بعيداً عن التقليد، وتتابع غوصها في اللغة أكاديمياً.

مدونة وطن "eSyria" التقت الشاعرة "دانه أبو محمود" بتاريخ 17 تشرين الثاني 2016، حيث تحدثت عن الجوائز التي نالتها قائلة: «هي محاولة للوصول إلى الناس، وليس القصد منها إبراز القدرات الشعرية التي حباني الخالق بها، فأنا أقرض الشعر منذ الصغر، وفوزي بالمسابقتين لم يكن مفاجئاً لي على الرغم من تقديري للّجان والشعراء الذين أشرفوا على الجائزتين، كنت سعيدة جداً بالفوز في مسابقة المبدع الراحل "عمر أبو ريشة"، التي يتصدى لها رجل الأعمال الداعم للفن والأدب "كنانة الشهابي" من دون أن تعنيه الشهرة، وحفزتني هذه الجائزة لكي أشترك بغيرها، وأصل إلى الناس الذين آمنوا بموهبتي، فحصلت على جائزة المهرجان الثاني عشر لاتحاد طلبة سورية».

شاعرة موهوبة استطاعت خلال مدة قصيرة أن تطور تجربتها، وتقدم المتميز والمختلف. تمتلك مخيلة ثرية، ولغة جميلة محملة بطاقة شعرية تحاول من خلالها كسر رتابة القصيدة الكلاسيكية، والبحث عن اشتقاقات فريدة للمفردات التي تتقصد أن تطعّم بها قصائدها في زمن جوع الشعر

وعن طفولتها واكتشافها لموهبتها في الشعر، أضافت: «أكثر ما يعلق في جدران الذاكرة من آثار طفولتي؛ حكايات أمي وقصصها التي كانت تتركنا معلقين على حبال الدهشة، والتي مهدت لي أرضية -وإن كانت بسيطة- لما نحتته الكلمة، وعمرته من حجار الأدب في داخلي.

مدير الثقافة الشاعر منصور حرب هنيدي

كانت أولى محاولاتي الإبداعية عندما استدعاني قلمي الصغير في الواحد والعشرين من شهر آذار لتتويج جبين الكلمة باسم والدتي في عيد الأم بكل ما في أعوامي السبعة من براءة وانعطاف، وما زلت أذكر تماماً في عينيها التماع تلك اللآلئ الخفية وجوهرها الإلهي مطلقاً عليها ما يسمى في عرفنا الدموع، تماماً مثلما أذكر جملتها حرفياً: (هذا أثمن ما يمكن أن يحمل لأم في عيدها)».

بمخيلة طفلة فتحت الأقدار عينيها على عالم وحش مسيج بدمعة طفل فلسطيني، وشهقة أرزة لبنانية، وصرخة نخلة عراقية، وأنّة حجر عربي، تابعت: «رحت أطارد بقلمي الصغير وحشاً مريعاً دارت حول شخصيته المظلمة معظم كتاباتي الطفولية حتى أدركت فيما بعد أنها ليست إلا تجسيداً لأطياف الظلم والقهر المخيمة على هذه الأرض البائسة، وأن أي محاولة سحق لهذه الشخصية الشرسة لم تكن أكثر من تعويض للعجز الطفولي والبشري حيال واقع ملغم وقذر بكل ما تعنيه الكلمة من بشاعة.

أما فيما يتعلق بالشخصية التي كان لها أكبر تأثير في مسيرتي، فهي والدتي المضحية بكل ما في التضحية من معنى، التي سعت ووالدي إلى تنشئتي في جوّ ثقافي بحت بتشجيعهما المستمر لي وحثي على الكتابة وعرض كتاباتي على معلمي مدرستي الابتدائية باستمرار، وهكذا تأصلت بيني وبين الكتاب روابط الصداقة ما عجزت عن فكها إغراءات الكون بطوله وعرضه، كان الكتاب ملاذي للهروب من حاضر مأساوي لم يتلاءم يوماً مع سلامي الداخلي وحساسية طباعي، وأستطيع القول إنني وجدت في سعة الاطلاع والثقافة الواسعة التربة المناسبة لبذرتي الشعرية».

وتابعت: «في الخامسة عشرة من عمري أخذني والدي إلى فرع اتحاد الكتاب العرب في "السويداء"، الذي كان يقيم نشاطات أسبوعية، فوجدت في ذلك العالم الآخر سؤالي من الثقافة والأدب والمعرفة حتى اشتعلت في داخلي شرارة التحدي ومنافسة هؤلاء الكتاب -مع صغر سني- من خلال ثورة حاسمة على واقع رديء، فكانت أولى ثمار تلك المنافسة جائزة "عمر أبو ريشة" والمركز الأول على مستوى الجمهورية، ثم أعقبتها بجائزة مهرجان الطلبة الثاني عشر والمركز الأول.

ولا أدري لماذا يحضرني الآن أعنف جدال دار بيني وبين عائلتي، وكان فحوى الخلاف حول طبيعة دراستي الجامعية عندما اتخذت قرارات حياتي بالإبحار بين درر أدبنا العربي وخباياه الدفينة، لم ترق الفكرة لوالديّ لأسباب أولها تفوقي الدراسي في فرعي العلمي الثانوي، وثانيها تلك العبارات التي حفظناها أباً عن جد في مجتمعاتنا البائسة، منها: (هل يطعم الشعر خبزاً.. فليكن الشعر مجرد هواية، ولا مستقبل لشاعر اتخذ الشعر مهنة في بلادنا)، وأشكر الله على ما أمدني به من إصرار أوصلني إلى هذا الفرع الذي تعلقت به كما تعلق به والداي فيما بعد، خصوصاً إثر نجاحاتي المتعاقبة على الصعيد الدراسي والشعري معاً».

أما فيما يتعلق بمشروعها الشعري، وإلى أين الطريق، فأضافت: «شعري مشروع ثورة على الواقع بامتياز، وما أفكاري إلا بركان كان يبحث عن فوهة فتحتها "خراطيش" الأقلام، وليس من وظيفة الشعر أن يكون برداً وسلاماً على أسماع قارئيه؛ فالشعر الذي يقبل على نفسه الوقوف مكتوف اليدين ومعصوب العينين بين الأرغفة ونداءات الجائعين، وبين الرصاصة والجريمة، ليس إلا ضحكاً على الضمائر، وأي شعر يجد نفسه عاجزاً عن أن يكون المرآة الصادقة التي نستشفّ من خلالها قبحنا وعيوبنا من الأفضل له أن يترك الحلبة ويتنحّى جانباً».

الشاعر "منصور حرب هنيدي" مدير الثقافة في "السويداء"، تحدث عن رأيه في موهبة وشاعرية "دانه" بالقول: «شاعرة موهوبة استطاعت خلال مدة قصيرة أن تطور تجربتها، وتقدم المتميز والمختلف. تمتلك مخيلة ثرية، ولغة جميلة محملة بطاقة شعرية تحاول من خلالها كسر رتابة القصيدة الكلاسيكية، والبحث عن اشتقاقات فريدة للمفردات التي تتقصد أن تطعّم بها قصائدها في زمن جوع الشعر».

يذكر أن "دانه أبو محمود" من مواليد مدينة "السويداء"، عام 1997، وهي في السنة الثالثة أدب عربي بجامعة "دمشق".