جعلته الحياة بفعل مصادفاتها الغريبة على مقربة من "السيرك الروسي"، ليتعلم ألعاب الخفّة ويسلك طريق إسعاد الأطفال ليبني، "نورس الحلبي" شخصية "تيتو" المهرّج المعروف في "سورية" و"لبنان".

بعمر مبكر راقب ممثلي السيرك وسحرته ألعابهم وضحكات الأطفال التي كانت غاية العرض وهدفه، فسار في هذا الطريق مؤسساً بجهوده الذاتية فرقته الخاصة، وصمّم ألعابها المميزة التي شهرته على ساحة المحافظة؛ لظهوره الدائم في الأعياد والمناسبات التي فيها للأطفال حصة كبيرة.

في مناسبات مختلفة كانت عروض "نورس الحلبي" وفرقته فقرة أساسية في الحفلات المخصصة للأطفال الصمّ والبكم، لكونه أعدّ فقرات خاصة لهذه الشريحة من الأطفال؛ وهو ما دلّنا على معرفته باحتياجات الطفل، وما يمكن أن يقدم من فقرات كانت بالفعل مدروسة، وحقق من خلالها التميز، وقد لاحظت أنه قدّم عروضه ولم يستعن بمتخصصي الإشارة للتوضيح للأطفال، ليكون بحق صانع ابتسامة حقيقية لهؤلاء الأطفال، وأعدّه من الخبرات الفنية التي تستحق الاهتمام والدعم، لكونه قادراً على إنتاج وتطبيق أفكار بخفّة وسلاسة يتقبلها الجمهور، واعتمد جهوده الذاتية في تطوير خبرته وتقديم نفسه للجمهور في هذه المنطقة

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 16 تشرين الثاني 2016 تابعت شخصية "تيتو" الذي ارتبطت صورته بمخيلة الطفل، واستمعت منه إلى بدايات التجربة، وقال: «أنا من مواليد "السويداء" قرية "حبران"، عام 1991، كان لقائي الأول مع "السيرك" في هذه المدينة الصغيرة بعمر العاشرة، وعندما زار "السيرك الروسي" المدينة ونصب خيمته فيها، وبقي مدة من الزمن، وصادف أن كان ابن عمي من الأوائل الذين عملوا مع هذا "السيرك" وكنت أرافقه، لتبقى في ذاكرتي صورة المهرّج والساحر، وضحكات الأطفال التي أسعدتني، حيث كنت طفلاً مثلهم، وقد تأثرت بهذه الألعاب التي تعدّ حديثة في منطقتنا، وبقيت مرافقاً لابن عمي وعملت باستمرار مع هذا "السيرك" طوال وجوده في المدينة، كل ذلك جعلني أراقب ما يقدمون وأتعلم منهم فنون "السيرك" وألعاب الخفّة.

الفنان نورس الحلبي

هذه السنوات كانت كفيلة بتقديم خبرة كبيرة ومعرفة أهمية هذه الفنون بالنسبة للجمهور، وبعد رحيل "السيرك الروسي" أسّست فرقة صغيرة، وقدمت من خلالها مجموعة من الألعاب الترفيهية لأؤدي شخصية المهرج والساحر ومنفذ ألعاب الخفّة التي عشقتها، وكانت تسليتي الوحيدة التي أمارسها وأتدرب لأقدمها لجمهوري الصغير؛ وهذا ما دفعني أيضاً إلى التدرب على مهارات جديدة والاستفادة مما تقدمه المسارح العالمية، وفي ذلك استفدت من تقنية الإنترنت والمحطات المتخصصة لأتابع ما وصلت إليه أهم الفرق في مجال ألعاب الخفّة والألعاب البهلوانية».

"تيتو" المعروف لدى أطفال المحافظة كان أول اسم ظهر به على المسرح وحافظ عليه، كما قال: «اخترت هذا الاسم في المرة الأولى التي ظهرت فيها لجمهور الأطفال، حيث لبست لباس المهرّج وقدمت نفسي لهم بهذا الاسم، وكانت إطلالة موفقة جعلت الاسم مطلوباً من مختلف الفعاليات التي اهتمت بالطفل، وفي الحقيقة كان "تيتو" مهرّجاً وساحراً ومقدماً لألعاب الخفّة، لكن الأهم أنني كنت أصمّم هذه الألعاب، وهنا كانت البداية الحقيقية لي بوجه خاص مع فرقتي الصغيرة التي حرصت أن تكون متكاملة من الناحية الفنية والمعنوية القادرة على رسم الابتسامة على وجه الأطفال، وكنت أقوم بدراسة الألعاب من حيث نوعية الحركات كي لا تكون عنيفة وقاسية وبعيدة عن إخافة الطفل وزرع الرعب، ولأنني أخاطب طفلاً عربياً كان لابد من العناية بنوعية الألعاب والمعدّات، والاهتمام بتقديم المناسب للطفل الذي يمزج الفائدة بتمضية الوقت السعيد».

من عروضه في لبنان

ندرة وجود فرق "السيرك" وانتشار ألعاب الخفّة كان لها آثارها لدى كل من يحاول طرق هذا الباب، كما أضاف بالقول: «بسبب عدم توافر الفرق المتخصصة بـ"السيرك" وكل الفنون المرتبطة به، كان لدى كل هواة "السيرك" -وأنا منهم- صعوبات حقيقية، حيث لا يتكامل المشهد إلا بالفكرة والمعدّات اللازمة التي لا مجال للحصول عليها سوى بالاستعانة بخبرات الحدادين والنجارين، مع غياب المراكز والمتاجر المتخصصة مثل باقي الدول في العالم، وكنت أقوم بالوصف والرسم ليتم تصنيعها وأقدم بناء عليها أفكاراً جديدة أحتاج بها إلى العصي والكرات، وأشكال مختلفة، وصندوق السحر، والقبعات، ومضرب التنس، والإطارات، وعدد كبير من الألعاب التي صمّمتها، وهي بالذات ألعاب عربية صمّمت على قياس وجودنا في هذه المنطقة وقياس جمهورنا بوجه خاص، كنت أركز على الشخصيات البهلوانية والكرتونية والمهرّج وألعاب الخفّة، والأهم ألعاب السحر اللطيفة، وهي من الفقرات الأكثر انتشاراً.

وخلال السنوات الأربع الماضية، وعلى الرغم من ظروف الحرب بقيت حاضراً في مسارح المحافظة، وعملت مدة طويلة لمصلحة الجمعيات وفي المطاعم والمسابح الخاصة، وضمن المواسم الصيفية والأعياد، وفي كل عام كنت أقدم مجموعة من الألعاب التي ارتبطت باسمي؛ ليكون "تيتو" معروفاً على مساحة واسعة أسعدتني، وكانت بداية الانتقال المتقطع إلى "لبنان"، وهو ما ساعدني على التعرف بجمهور جديد يهتم بهذا الفن الذي بنيت عليه كل أحلامي».

عصام حمادي

يصنف "عصام حمادي" رئيس جمعية "أبناء الجولان"، "تيتو" من بين الشخصيات اللطيفة والمحببة، وقال: «من خلال المهرجانات أعدّت لها الجمعية، تعرّفت هذه الشخصية اللطيفة التي يجسدها الشاب "نورس الحلبي" بطريقة فنية راقية ومحببة، حيث قدم عروضه في عدة مواسم، وكان له حضور واضح بالنسبة للجمهور الذي يطلبه، وقد تابعت هذه العروض التي تظهر اهتمامه بما يقدمه من حركات وألعاب تصب في مسار تربية الطفل، كي تكون الفقرات ترفيهية من دون عنف وتتضمن حركات إيحائية غريبة، وكانت الألعاب واضحة المغزى وقابلة للفهم، وقد كان بوصفه الفنان شبه الوحيد القادر على العمل على مستوى ساحة المحافظة، وتقديم خدماته الفنية الترفيهية لمختلف الجهات التي تحتاج إلى مثل هذه العروض، إلى جانب عروض الفرقة الموسمية وخلال الأعياد، وكانت فرصة كبيرة ومفرحة للأطفال والأهل».

تقديم عروض متميزة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، فكرة تناولتها "دارين القنطار"؛ وهي معلمة بمعهد الصمّ، وعضو مجلس إدارة جمعية "الوفاء الخيرية" للمعوقين، وقالت: «في مناسبات مختلفة كانت عروض "نورس الحلبي" وفرقته فقرة أساسية في الحفلات المخصصة للأطفال الصمّ والبكم، لكونه أعدّ فقرات خاصة لهذه الشريحة من الأطفال؛ وهو ما دلّنا على معرفته باحتياجات الطفل، وما يمكن أن يقدم من فقرات كانت بالفعل مدروسة، وحقق من خلالها التميز، وقد لاحظت أنه قدّم عروضه ولم يستعن بمتخصصي الإشارة للتوضيح للأطفال، ليكون بحق صانع ابتسامة حقيقية لهؤلاء الأطفال، وأعدّه من الخبرات الفنية التي تستحق الاهتمام والدعم، لكونه قادراً على إنتاج وتطبيق أفكار بخفّة وسلاسة يتقبلها الجمهور، واعتمد جهوده الذاتية في تطوير خبرته وتقديم نفسه للجمهور في هذه المنطقة».

ما يجدر ذكره، أن "تيتو" من الشخصيات المطلوبة في لبنان، وله مجموعة عروض باتت تعرف عن هذه الشخصية المميزة في مهرجانات بيروت.