جعل من حوار اللون وقدرة الكاميرا على انتزاع لحظة جمالية قد لا تتكرّر محور اهتمامه، ليقدّم "أنس الشوفي" حصيلة تجربة فيها نوع من التميز، والبناء على رؤى فنية ذاتية.

سار مع التجربة الفنية كطاقة للتعبير عن الذات في ظلّ ظروف صحية لم تثنه عن متابعة المشوار مع التشكيل والتصوير الضوئي، وبخطّين باتت ملامحهما الفنية واضحة، حيث حاولنا التعريف بهما من خلال حوار نورده على صفحات مدونة وطن "eSyria" التي التقته بتاريخ 27 أيلول 2016، فتحدث عن معالجته لجسد المرأة وفق منظومة الألوان وقدرتها على التعبير عن رؤيته، وقال: «في سياق البحث عن الذات كان التشكيل حالة ارتبطت بها منذ الصغر، وقادتني الرغبة إلى إتقانها كمادة تعليمية في البداية، وبعدها أخذت المصادفات تكرّسها لتكون دراسة أكاديمية للفنون الجميلة بمنطق التجربة والبحث عن تفاصيل تدفع بي إلى التعامل مع اللون وفق مساحات أكثر سعة على التعريف بتجربتي المتفاعلة مع الحياة، وما حملته من صعوبات كبيرة فرضت حالة من التحدي.

في البداية اخترت جسد الأنثى بوصفه مقياساً جمالياً قادراً على العطاء، وهناك عدة مقاييس إنسانية اجتمعت فيه؛ لأجعل الألوان تفصح عنها من خلال قناعتي أن هناك رجلاً وأنثى في هذا الجسد، عبرت عنها بالألوان الحارة والباردة، وحاولت تقديم مزاياها من خلال الخطوط والليونة وهي أساس الحياة، والاعتماد على حالة مرجعية وتجارب عالمية تعمّقت بدارستها كحالة التجريد لدى العالمي "بيكاسو"، لكن لا أستطيع القول هنا إنني أنتمي إلى أي مدرسة منها؛ لأنني لغاية هذه المرحلة أنتمي إلى حالة من الإبحار قد تكون طويلة المدى في التجربة والبحث، لأرسم تجربتي الذاتية الخالصة لعلّي في نهاية المطاف أتقن فنّ تجسيد هذا الجسد بما يعني لي من قيم داخلية ثرة

حيث حاولت تجاوز واقع الإعاقة وصعوبة الحركة من وإلى الكلية، وإنجاز المشاريع التي قادتني باتجاه بحث هيّأ لمرحلة جديدة جعلتني أتعامل مع ملامح جسد المرأة وفق رؤية وبحث ضمن تجارب فنية عالمية استقيت فيها من زوايا التعاطي مع المرأة أفكاراً أعدّها خاصة بما اختزنت من نتاج هذه التجارب، لتكون لي في حالة التشكيل واللون زاوية جعلت لهذا الجسد تفاصيل وقراءة أعمق للخروج من المنظور الغريزي أطبع فيه ملامح الجسد بألوان فيها الحار والبارد».

من أعماله في التشكيل

ويتابع: «في البداية اخترت جسد الأنثى بوصفه مقياساً جمالياً قادراً على العطاء، وهناك عدة مقاييس إنسانية اجتمعت فيه؛ لأجعل الألوان تفصح عنها من خلال قناعتي أن هناك رجلاً وأنثى في هذا الجسد، عبرت عنها بالألوان الحارة والباردة، وحاولت تقديم مزاياها من خلال الخطوط والليونة وهي أساس الحياة، والاعتماد على حالة مرجعية وتجارب عالمية تعمّقت بدارستها كحالة التجريد لدى العالمي "بيكاسو"، لكن لا أستطيع القول هنا إنني أنتمي إلى أي مدرسة منها؛ لأنني لغاية هذه المرحلة أنتمي إلى حالة من الإبحار قد تكون طويلة المدى في التجربة والبحث، لأرسم تجربتي الذاتية الخالصة لعلّي في نهاية المطاف أتقن فنّ تجسيد هذا الجسد بما يعني لي من قيم داخلية ثرة».

يحتلّ التصوير مساحة توازي التشكيل على الرغم من نقص الوسائل لتكون وسيلة ثانية لانتزاع جمال اللحظة، ويقول: «ما قدمته من لقطات تؤهلني لتقديم معرض فردي، وكانت بالوسائل البسيطة؛ لأنني أفتقر إلى الوسائل المتطورة، لكنها لم تمنعني من انتزاع لقطة في مسار بحثي عن الجمال والحالة التي لا يمكن أن تتكرر؛ لأن الفنان باحث دائم عن الجمال بمشهد، أو مقطع موسيقا، أو حالة معينة بطعم ورائحة؛ فحالة الجمال لحظة وحيدة لا تعيد الظرف ولا تتكرر إلا إذا احتفظنا بها لوحة أو صورة في حالة انتقاء تكمل حالتنا الإنسانية، وكذلك كانت الطبيعة بتحوّلاتها محور اهتمامي، وانتقلت من انتماء إلى حالة التشابه بين المرأة والشجرة بعمل يتلاقى مع ما سبق على مستوى التشكيل؛ لتكون المرأة والشجرة بمعانيهما المشتركة مشروع عمل دائماً منتجاً لأفكار وقيم جديدة، لكن ضمن خطين منفصلين، ليكون الرسم بالاعتماد على الذاكرة والتصوير حالة اتصال بصري مرحلية مع الطبيعة».

من أعماله في التصوير الضوئي

عن تجربته تحدث أستاذه الفنان التشكيلي "عدنان عبد الباقي" مركزاً على ثلاثية ميّزت تعامله مع اللون والطبيعة، وقال: «جمال الأنثى، صمود الشجرة، تجاعيد الوجه، هذه الثلاثية المتكاملة المتآلفة فيما بينها تشكّل حلقة مترابطة في معظم أعمال "أنس الشوفي"، فنراه يعالج جسد الأنثى بطريقته الخاصة؛ فهو لا يصوّر الجسد كاملاً، بل يعتمد في ذلك اختيار تكوينات وقطع في الجسد، محاولاً إبراز أكثر الأجزاء جمالاً عند الأنثى، وكان يعطي الجسد مجموعة لونية خاصة تساعده في إضفاء الرمز والمعنى، فنراه يستخدم أحياناً ألواناً باردة، ثم ألواناً حارة بتوليفة جميلة فيما بينها، ليعطيها شيئاً من الشموخ والصمود الذي نراه نفسه في الأشجار التي تقف عارية أيضاً في الخلاء المقفر على الرغم من كل ما فيه من بؤس وشقاء ربما يمثّل واقعنا الحالي، هذا الشقاء والتعب الذي نراه أيضاً في الوجوه التي صوّرها بكل تفاصيلها الحسّية والذهنية، والتي تخبرنا عن حجم المعاناة لصاحب هذا الوجه.

"أنس" يبقى شامخاً وصامداً وروحه جميلة كما لوحاته على الرغم مما يحيط به من أجواء، ونرى ذلك بوضوح أكثر في الوجوه الصافية النقية التي صوّرها؛ ليؤكد أنه ما زال هناك بصيص من الأمل بانتظاره».

الفنان عدنان عبد الباقي

ما يجدر ذكره، أن "أنس الشوفي" من مواليد "السويداء"، عام 1988، درس الفنون الجميلة، وتخرج في جامعة "دمشق" عام 2004، له عدد من المشاركات في معارض جماعية، وفي طور الإعداد لمعرضه الفردي، ويمارس عمله الفني بالتشكيل والتصوير، إضافة إلى أعمال "المونتاج والفوتو مونتاج".