ليست مهمة سهلة أن نخلق التوازن الاجتماعي والإنساني، عاش يتيماً وشكل شخصية اعتبارية بمواقفه الدينية والوطنية، وترك إرثاً غنياً. عن مسيرة حياة الشيخ "فايز كيوان" تحدث الشيخ "أبو نصر نجيب أبو عاصي" الذي ناف عمره عن منتصف العقد الثامن من أهالي قرية "مياماس" بتاريخ 30/3/2012 لموقع eSwueda قائلاً عنه: «رغم صغر سنه آنذاك، ولأول وآخر خطوة له بالبيع مرغماً باع ستةً من رؤوس الماعز الموجودة لديه واشترى بارودة "عصملية" امتشقها وخاض بها كل المعارك، وبعد أن انتهت الثورة عاد إلى بيته فلاحاً كادحاً، فاتحاً هذا البيت ليكون مضيافاً كعادته أمام الصادي والغادي ملتزماً بأصول وآداب الدين الحنيف منذ شبابه، ولكونه نزيهاً متمسكاً بمكارم الأخلاق، كان من ذوي الرزانة يكره الغيبة والنميمة، مترفعاً عن كافة الخصومات والضغائن، ولهذا أصبح المرجع الروحي والاجتماعي في القرية، يقصده الناس لفض الخلافات بينهم حيث لا يخشى في قول الحق لومة لائم، جريئاً لا يقبل الباطل من أقرب الناس إليه، ولا يمنع الحق عن أبعد الناس عنه، ومن مزايا تعففه وزهده ونبله أنه عاش أرملاً حوالي ثلاثين عاماً رافضاً الزواج ثانيةً بعد وفاة زوجته الفاضلة "سلمية ابنة الشيخ المرحوم "دعيبس كيوان الأول"».

وعن رغبته بالعلم تابع الشيخ "أبو عاصي" بالقول: «بعد نهاية الثورة وعمره أقل من عشرين عاماً، كان بيته مفتوحاً كأحد البيوت الأوائل في القرية والتي لا يتجاوز عددها خمسة بيوت يومها عاد إلى بيته يعتنق الدين الحنيف وبدأت الناس تخاطبه الشيخ "أبو علي فايز خليل كيوان" منذ ذاك التاريخ حتى وفاته عام 2000 ومازال بيته من البيوت الأوائل في القرية، فقد كان مصلحاً اجتماعياً يقصده الناس في بيته لحل مشكلاتهم، وفي عام 1956 شغل الأستاذ "ذوقـان قرقوط" مديراً للمعارف في السويداء "التربية" اليوم، وكان بقريتنا مدرسة قديمة لا تتجاوز الغرفتين، أصرّ مع أهل القرية أن تبقى المدرسة، وعندما طلبت مديرية المعارف بناء مدرسة على حساب أهالي القرية، عمد الشيخ "أبو علي فايز كيوان" إلى بناء مدرسة جديدة وتحمل العبء الأكبر في ذلك حتى بنينا مدرسة على نفقة أهالي القرية وهو المسبب في بنائها لأنه قدم الأرض مجاناً، كذلك تبرع المرحوم الشيخ "أبو حسين رجا أبو عاصي" في البناء مع باقي أهل القرية ومازالت هذه المدرسة قائمة حتى اليوم».

كان والدي حريصاً على نفسه محافظاً على الأرض لا يبيع منها أي شيء، رغم تعرضه في كثير من الأحيان للمشقات والمتاعب بسبب مسؤولياته الاجتماعية الكثيرة، إذ كان بإمكانه أن يبيع من أرضه الواسعة ليخدم نفسه ويرفهها، لكنه لم يفعل ولم يفرط بشبر واحد من أرضه بل اشترى وزاد عليها، وبهذا الشأن حدث أن طلب والد زوجة أخيه "خليل"، مهر ابنته أرضاً فرفض أن يعطيه من أرضهم بل اشترى له أرضاً وقدم له المهر!، وبالتالي ترك لذريته إرثاً معنوياً كبيراً، ومادياً ينعمون به، وكما يقول المثل الشعبي: "الله يرحم اللُي ورث"

وحول مواقفه الدالة على البعد الثقافي الاجتماعي الحاملة لقيم التقدير والاحترام من المغفور له "سلطان باشا الأطرش" بين الشيخ "أبو سليمان دعيبس كيوان" الذي تجاوز عقده الثامن في قرية "مياماس" بالقول: « لقد تحلى المرحوم الشيخ الجليل المجاهد "فايز كيوان" الملقب "أبو علي" بالإقدام والشجاعة منذ نشأته ورغم أنه نشأ يتيماً فقد هبَّ فتىً جريئاً يلتحق بالثورة السورية الكبرى وعمرة لا يتجاوز منتصف عقده الثاني، وشارك ببسالة في معظم معاركها ومن الدلالة على ما يحمل من البعد الاجتماعي في عام 1976 حصل خلاف بين "آل الأطرش وآل البربور" قتل بسببه شاب من "آل البربور"، ونتيجة لذلك دعا كل من الطرفين أي "آل الأطرش وآل البربور" لعقد مصالحة في قرية "أم الرمان" حضر المرحوم والدي إلى منزل "سلطان باشا الأطرش" في "القريا" وعندما دخلنا المضافة وقف "آل الأطرش" واستقبلوه والوفد المرافق، فخاطب والدي "سلطان باشا الأطرش" قائلاً: "يا آل الأطرش" الكرام قد دعوتمونا وكذلك قد دعانا "آل البربور" فماذا تريدون يا عطوفة الباشا؟ مع من سنقف أو نذهب؟

الشيخ دعيبس كيوان

أجابه "سلطان باشا": "مثل ما يريد الشيخ "أبو علي فايز"، عندها قال الأمير "حسن الأطرش" لوالدي: "يا خالي، نحن قد وضع علينا "آل البربور" شرطاً بأن نقف معهم بمعية الباشا ونستقبل آل الأطرش"، فقال لهم: "إذاً سنسبقكم نحن إلى "أم الرمان" ونقف مع آل البربور"».

وعن حياته أوضح حفيده الأستاذ "نواف رشراش كيوان" بالقول: «بعد وفاة جدي "خليل كيوان" والد "جدي فايز" بمدة وجيزة خلفه ابنه "صياح" الذي ارتحل عازباً متميزاً بتقواه وزهده، وهنا تحمل جدي "فايز" مسؤولية بيته الديني الوطني المجاهد إضافة إلى إعالة أسرته وكان لا يزال حديثاً في السن لا يبلغ من العمر أكثر من 14 سنة، وما أعانه على تحمل المهام الجسيمة تحليه بقيم الفضائل وتمسكه بشيم الشمائل، فجدي "فايز" المولود في عام 1909 تلقى علومه عند الكتاتيب بالقرية، وكان لوالدته الفاضلة دوراً هاماً في تربيته على نواميس الحياة، واستمرت في المحافظة على بيتها بعد وفاة زوجها بكل الأمانة والإخلاص، وحين انطلقت الثورة السورية الكبرى في عام 1925 بقيادة المغفور له "سلطان باشا الأطرش"، انبرى جدي "فايز كيوان" للمشاركة فيها وهو لم يبلغ بعد 16 سنة».

الشيخ رشراش كيوان

وعن مشاركة الشيخ "فايز كيوان" في معارك الثورة تابع حفيده "نواف كيوان" بالقول: «خاض معظم معارك الثورة السورية المظفرة مثل معارك "الكفر والمزرعة والمسيفرة" ومعارك قريتي "عرى ورساس" وغيرها، شهد له رفاقه بالشجاعة والبسالة والإقدام، وما يسجل له في هذا الشأن خوضه بعض معارك الثورة في "لبنان والغوطة"، حيث شارك رفاقه المجاهدين الذين لم يتجاوز عددهم العشرين مجاهداً في اقتحام حامية بلدة "دوما" عام 1926 المحصنة جداً والمفصولة عن منازل البلدة مئات الأمتار حتى لا تُتخذ المنازل منطلقاً ووسيلة لاقتحام الحصن، كانت هذه الحامية بمثابة ثكنة كبيرة مسورة بالأسلاك الشائكة من كل جوانبها ومجهزة للدفاع عنها بالاستحكامات لمفارز الرشاشات، قطعت الأشجار من حولها وعلى مسافات بعيدة كي لا تحجب المراقبة، وبذلك تهيأ لها أن تحصد بسلاحها كل من يهاجم هذه الحامية أو يقترب منها، ورغم التحصينات والاستحكامات ورغم الأسلحة الفتاكة، كانت شجاعة الثوار وإقدامهم أكبر فقد اقتحموها بعزيمة لا تتزعزع وإيمان عميق، ولم يزد عددهم على العشرين في أول الفجر هزموا الفرنسيين هزيمة شنعاء حيث فرَّ بعضهم وأسروا سبعةً من قادتهم وجنودهم، وأرسلوهم إلى قيادة الثورة، وأطلقوا سراح السجناء الوطنيين الذين سجنتهم قوات الاحتلال الفرنسي فيها، وأحرقوا كل محتوياتها، فما كان من أهالي "دوما" إلا أن هرعوا في الصباح الباكر على صوت الرصاص، وكم كانت فرحتهم كبيرة بهذا الانتصار الباهر وبإطلاق سراح المواطنين، راحوا يغنون ويهزجون ويقدمون التحية للثوار والمجاهدين في هذه المعركة حيث أصيب منهم فقط المجاهد "مؤيد زهر الدين" بجرح في كعب رجله، وقد أكد المجاهد والمؤرخ "منير الريس" هذا الكلام عن تلك الحامية وتلك المعركة المظفرة في كتابه الذهبي عن الثورة السورية الكبرى».

وعن أحداث تاريخية أثناء مشاركته في معركتي "عرى ورساس" وأحداثها بين الشيخ "رشراش كيوان" ابن المرحوم الشيخ "فايز كيوان" الملقب "أبو علي" بالقول: «حدثنا المرحوم والدي ونحن صغار أنه خاض مع رفاقه الثوار معركتي "عرى ورساس" جُرح رفيقاه المجاهدان "ذياب مصطفى كيوان وهاني فارس كيوان" في المعركتين، لم يتركهما في ساح الوغى بل نقلهما تحت وابل الرصاص والقصف الشديد وأعادهما إلى قريتهما "مياماس"، "ذياب" الذي جُرح في معركة "عرى" بعد مدة بسيطة توفي متأثراً بجراحه ليسجل في سجل الشهداء، أما "هاني" الذي شارك في معركة "رساس" فقد تماثل للشفاء ثم عاش مدة من الزمن، أما حياته فملئت بمواقفه الوجدانية الكثيرة منها موقفه النبيل حين قسمت أراضي "مياماس" وحرصه على حقوق الناس، ولا سيما الضعفاء، إذ لم يوقع على وصية أحد أقربائه كشاهد، وقال لصاحبها: "هذه وصية غير صحيحة لا أوقع عليها"، ولم يتناول طعام الغداء عنده حيث أقام هذا الرجل مأدبة غداء للبعض بهذه المناسبة، ولابد من الإشارة إلى أنه أرسل أثاث بيته إلى "المقرن القبلي" أي إلى القرى الواقعة في جنوب جبل العرب حينما أخذ الاحتلال الفرنسي يداهم القرى والبيوت وينكل بأهلها ويصادر أملاكها، وهو رفض مغادرة بيته شامخاً فيه دون أثاث، حتى اشترى بدلاً منه، وأذكر أنني قلت له مرة: "يا جدي كم عملتم وكم فعلتم خيراً"، فأجابني: "ماذا فعلنا أو عملنا كما فعل وعمل غيرنا من بني معروف..؟!"، هكذا اتصف بنكران الذات والتواضع الجم، أجل فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تواضعوا يرفعكم الله، واعفوا يعزكم الله، وتصدقوا يرحمكم الله"».

الأستاذ نواف كيوان

وحول حرصه على الأرض وتعلقه بها أوضح ولده الشيخ "رشراش كيوان" قائلاً: «كان والدي حريصاً على نفسه محافظاً على الأرض لا يبيع منها أي شيء، رغم تعرضه في كثير من الأحيان للمشقات والمتاعب بسبب مسؤولياته الاجتماعية الكثيرة، إذ كان بإمكانه أن يبيع من أرضه الواسعة ليخدم نفسه ويرفهها، لكنه لم يفعل ولم يفرط بشبر واحد من أرضه بل اشترى وزاد عليها، وبهذا الشأن حدث أن طلب والد زوجة أخيه "خليل"، مهر ابنته أرضاً فرفض أن يعطيه من أرضهم بل اشترى له أرضاً وقدم له المهر!، وبالتالي ترك لذريته إرثاً معنوياً كبيراً، ومادياً ينعمون به، وكما يقول المثل الشعبي: "الله يرحم اللُي ورث"».