يعدّ من أهم التلال الأثرية التي تقع على ضفتي نهر "البليخ" جنوب عين العروس التابعة لمنطقة "تل أبيض"، وتؤكد الدراسات التاريخية أن هذا الموقع كان مسكوناً منذ الألف الرابع قبل الميلاد.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 6 أيار 2019، تواصلت مع الباحث الأثري "محمد العزو" ليحدثنا عن هذا الموقع الأثري وأهميته، حيث يقول: «قام المنقب الأثري الهولندي "موريس فان لون" بأعمال تنقيبات أثرية، وأخرى مسحية لوادي نهر "البليخ"، وفي بحثه عن نتائج التنقيب الأثري في تل "حمام التركمان" تحدث عن أهمية "حوض البليخ" من خلال غناه بالمواقع الأثرية، التي تعود بتاريخها إلى عصر ما قبل التاريخ، ومن خلال أعمال المسح الأثري التي قام بها تبين وجود 23 تلاً أثرياً في ذلك الحوض، التي تخفي في ثناياها فسيفساء آثار ما قبل التاريخ من الفترة الفخارية وما قبلها، ومن هذه التلال تل "جدلة" الأثري المهم الذي يقع إلى الجنوب الشرقي من قرية "عين العروس" الواقعة بجوار بلدة "تل أبيض" جنوباً، وبالعودة إلى اسم التل، فكلمة "جدلة" قد تعني الجذر، ويبلغ ارتفاعه خمسة عشر متراً عن الأراضي المحيطة به».

تل "جدلة" نفسه يقع بجانب بركة كبيرة فيها ماء لازوردي أزرق، تشكلت من الينابيع التي ترفد نهر "البليخ" وتغذيه، وتحيط بها أشجار ناضرة، وهي رقعة رائعة الجمال، وقد تحولت إلى ملتقى تقليدي للعشاق، وهذه المنطقة تختلف اختلافاً بيناً عن المنطقة التي نقيم فيها، إنها تتمتع بفتنة وجاذبية، وهنا تبدو أمارات الرفاهية؛ فترى الناس في ثياب أنيقة وهم يتسكعون في الشوارع، كما توجد بيوت جميلة وحدائق

"محمد عبد الحميد الحمد" الباحث الراحل في كتاب "الرقة درة الفرات"، عن تل "جدلة" يقول: «نتيجة الأسبار التي نفذها عالم الآثار الإنجليزي "مالوان" برفقة زوجته "أجاثا كريستي" عام 1937 من القرن العشرين المنصرم، الذي أكد أن الإنسان قد استوطن موقع تل "جدلة" لأول مرة في فترة عصر "أوروك" التي تقابل فترة "نينوى" في "آشور"، وليس من المستبعد أن ذلك حدث بعد هجر تل أثري آخر على غاية من الأهمية هو تل "المفش" الواقع على بعد 40كم جنوباً على الطريق الواصلة بين "الرقة" وبلدة "تل أبيض"، وقد استطاع "مالوان" في حفرياته تمييز ثماني سويات أثرية سكنية، آخر تلك السويات كانت السوية الرومانية البيزنطية التي تعود إلى الفترة الميلادية المؤرخة ما بين (600-300) ميلادي، في هذه السوية تم العثور على بقايا جدر مبنية من الطين، ومدهونة بمادة الجص الطازج. أما السوية الثانية، فتعود بتاريخها إلى الفترة الواقعة ما بين (1450-1350) قبل الميلاد، وفي هذه السوية يقول "مالوان" لقد خربت البقاية المعمارية التي عثر عليها، والتي كانت مكونة من مادتي الطين والجص، وخلال مجريات التنقيب الأثري عثر المنقبون في هذه السوية على كسر فخارية، تعود إلى الحضارة الحورية تشبه الفخار الحوري الشهير المكتشف في موقع "نوزي" في "العراق"، ويقول "مالوان" هذا الأمر يقودنا إلى الاعتقاد بأن قسماً من سكان تل "جدلة" كانوا من الحوريين، وفي السوية الثالثة التي رمز إليها "مالوان" بـ"جدلة 3"، فقد تم العثور فيها على بقايا أساسات سور المدينة بارتفاع عالٍ يقدر بثلاثة عشر متراً من سوية نهر "البليخ"، وخراب هذه الفترة بالذات ربما يعاصر تخريب الطبقة الأولى من السوية الرابعة في تل "عطشانة" الشهير بـ"آلالاخ"، ويقول علماء الآثار لقد ترافق هذا الحدث التاريخي المهم مع حدوث ثورة "حلب" الشهيرة عند موت الفرعون المصري "تحوتمس الثالث" نحو عام 1459 قبل الميلاد. وفي تل "جدلة" الأثري نجد موطناً لمستوطنة بعد الفترة السرجونية، وفخاراً فقيراً بالألوان، وذلك في الفترة التاريخية الواقعة ما بين (2100-1800) قبل الميلاد. أما السوية الخامسة أو(جدلة 5)، فهي تعود إلى الفترة السرجونية الآكادية الواقعة بين (2300-2200) قبل الميلاد، وهناك السوية السادسة؛ أي (جدلة 6)، التي تعود إلى الفترة التاريخية (2500-2700) قبل الميلاد. أما السويتان (7-8) جدلة السابعة والثامنة، فتعودان إلى أواخر الألف الرابع قبل الميلاد؛ أي إلى فترتي "جمدة نصر وأوروك". وتل "جدلة" يعد من التلال المهمة في تاريخ الحضارة السورية، لكن لم تجر في الموقع تنقيبات أثرية واسعة».

التل من الأعلى

"أجاثا كريستي" الكاتبة والروائية الإنكليزية، عنه تقول: «تل "جدلة" نفسه يقع بجانب بركة كبيرة فيها ماء لازوردي أزرق، تشكلت من الينابيع التي ترفد نهر "البليخ" وتغذيه، وتحيط بها أشجار ناضرة، وهي رقعة رائعة الجمال، وقد تحولت إلى ملتقى تقليدي للعشاق، وهذه المنطقة تختلف اختلافاً بيناً عن المنطقة التي نقيم فيها، إنها تتمتع بفتنة وجاذبية، وهنا تبدو أمارات الرفاهية؛ فترى الناس في ثياب أنيقة وهم يتسكعون في الشوارع، كما توجد بيوت جميلة وحدائق».

الباحث الراحل "محمد عبد الحميد الحمد"