مثلما هي "الرقة" اليوم تقع على أهم مفترق الطرق الواصلة بين محافظات القطر، وكذلك إلى كل من العراق، وتركيا، كانت أيضاً في العصور القديمة هي كذلك، ولعل أهم هذه الطرق هي طريق "الفرات", وكانت تصل من "بغداد" إلى "الرقة" عن طريق "الأنبار", كانت تباري النهر من الجهة الغربية حتى "عانة" و"الفرضة" و"الفاشل"، قبالة "قرقيسيا"، مروراً بـ"الرحبة" حتى "الرقة". وهناك أيضاً الطرق الصحراوية التي تتجه نحو "الرصافة" لتصل منها إلى "الرقة"، وهذه الطريق كانت تستعمل أثناء فيضان النهر.

أما الطريق الآخر المار بـ"الرقة" الذي يربطها بالداخل السوري, كان يمر بـ"إيمار"، "مسكنة" الحالية قبل الغمر، نحو "حلب" و"كركميش"، "جرابلس"، و"قنسرين" الشاطئ، مروراً بـ"الأناضول" و"اللاذقية", ومن ثم إلى "حماة " فـ"حمص" حتى يصل إلى "دمشق". وهناك طريقان آخران قصيران وصعبان, يتجهان نحو "دمشق"، مروراً بـ"الرصافة" الواقعة على بعد /45/ كم جنوب غرب مدينة "الرقة", وتمر إحداهما بمدينة "حمص" عبر "البادية", بينما تتجه الأخرى مباشرة، وهي تخترق الصحراء نحو "دمشق".

ومن "الرقة" تمر الطريق الهامة المتجهة إلى "الموصل" عبر "باجروان" على "البليخ" بالقرب من "الرقة" مارةً بـ"زلبا" عاصمة "البليخ" الأعلى و"صهلالا" و"رأس العين" فـ"نصيبين" و"بلد"، ثم تتابع الطريق مسيرها بمحاذاة نهر "دجلة" نحو"العراق". وتغادر طريق أخرى من "الرقة" بمحاذاة الضفة الشرقية لنهر"البليخ" باتجاه "باجروان" و"الخويرة" و"حران" فـ"الرها" لتصل إلى "آمد"، "ديار بكر"، ومنها إلى"أرمينيا". وهناك طريق أخرى, تنطلق من "الرقة" إلى "الأناضول" بمحاذاة الضفة الغربية لنهر "البليخ", عبر "تـل أبيض" و"سروج" و"سمسياط" و"ملطية" حتى ما يسمى بالثغـور "حصون الحدود".

الرقة القديمة

وفي العصر الروماني ارتبطت "الرقة" بعدة خطوط مواصلات تجارية، وأخرى عسكرية ومثلها الطريق القادمة من "تدمر"، مروراً بـ"أرك"، فـ"السخنة"، و"طيبة"، ومن ثم إلى "الكوم"، و"الرصافة"، و"سورا"، وهي المحطة الأخيرة التي يتفرع منها ثلاثة طرق رئيسة، الأولى تتجه شرقاً إلى "الرقة" /20/ كم تقريباً، والثانية تتجه جنوب غرب عبر "البادية"، مارة بـ"قطنا"، تل "المشرفة"، ومنه إلى "حمص" فـ"دمشق"، وهي المحطة الأخيرة لهذه الطريق. أما الطريق الثالثة، فهي تتجه من "سورا" إلى"إيمار"، "مسكنة" التي غمرتها مياه بحيرة "الأسد"، ومنها إلى "كركميش"، "جرابلس" الحالية. وهناك طرق أخرى عسكرية تجارية أهمها:

طريق "الرقة"، "سنجار": ولهذه الطريق محوران، الأول يخترق المحاذية للخط المطري الأول، الخط العاشر، أما المحور الثاني، فهو يباري ضفة نهر "الفرات" اليسرى، ماراً بتل "الدغمي" على ضفة نهر "الخابور" اليسرى إلى الشمال من بلدة "الشمسانية"، وعلى هذه الطريق شيد في العصر الروماني حصن عسكري، لحماية المخاضة النهرية القريبة منه، التي تساعد على عبور نهر "الخابور"، لتسلك القوافل التجارية، والجيوش القادمة من الغرب، طريق ثانوي آخر بين "الرقة" و"سنجار".

طريق "الرقة" ـ "سنجار" الثاني: وهذا الطريق يمر من وسط "الشمسانية"، و"الشمسانية" كانت في الماضي عبارة عن قلعة، يبلغ ارتفاعها /30/ متراً تقريباً، وهي تشرف إشرافا مباشراً على مدينة محصنة بالقرب منها، ومازلنا اليوم نشاهد بقايا معمارية لمبانٍ سابقة على الفترة الرومانية، وقد أضيفت إليها منشآت من الفترة الرومانية، وكانت هذه القلعة تشكل مركز حماية لهذه الطريق.

طريق"الرقة" ـ "رأس العين": الذي يمر بمدينة "سورا" القديمة قبل أن يصل إلى "الرقة"، قادماً من "دمشق" عبر الصحراء، ومن "الرقة" يسير هذا الطريق بمحاذاة الضفة الشرقية لنهر"البليخ" شمالاً، ماراً من"الكنطري"، و"خراب سيار"، حتى يصل إلى "رأس العين"، ومنها يتجه شرقاً حتى "آشور" في العراق.

وهكذا يتبين أنَّ "الرقة" بتعاملها وبعلاقتها مع هذه الطرق, كانت تشكل معبراً هاماً على "الفرات", لكنَّ السؤال الهام والملح هو هل كان هناك جسر ثابت على الفرات في "الرقة"؟ للوهلة الأولى يبدو أنه من المحتمل أنَّ الناس كانوا يجتازون النهر من إحدى المخاضات، أو بواسطة السفن والقوارب الخشبية، والأمر لا يخلو من حالات أخرى، مثل إقامة جسور من القوارب للاستعمال المرحلي, ففي عهد الخليفة، "هشام بن عبد الملك"، بُني جسر على "الفرات", وفي عصر الخليفة "هارون الرشيد" شُيد على الفرات جسراً آخر من القوارب الخشبية على "الفرات" في "الرقة", إلى الشرق من الجسر القديم في "الرقة" الحالية, ولذلك أُطلق على الشارع القادم من أمام متحف "الرقة" الحالي باتجاه "الفرات" شارع "الرشيد".

وفي منتصف القرن الثالث عشر ميلادي عبرت جيوش "خوارزم" الفرات على جسر من القوارب أثناء غزوها لمنطقة "الرقة", وتخريبها لمدينة "بالس"، "مسكنة" الحالية، وأماكن أخرى من "الرقة". وظلت "الرقة" تستعمل الجسور الخشبية المتحركة حتى عام /1942/ ميلادي، حيث بنت الدولة الجسر القديم في السنة المذكورة أعلاه، وفي سني الثورة شيدت الدولة جسرين آخرين.

ولكي لا نعتقد أنَّ "الرقة" كانت تعيش فقط من دورها كمحطة للبريد والتجارة، ومن موقعها الاستراتيجي الهام على طريق الحرير، وطرق التجارة الدولية, بل إنَّ المدينة كانت، كما هو حالها اليوم، محاطة بالأراضي الزراعية من جميع الجهات التي ترتوي من "البليخ" و"الفرات", وتنتج الكثير من الغلال والمنتجات الهامة مثل القمح والشعير وزيت الزيتون والخل والعسل, إلى جانب شهرتها بإنتاج الصابون وأقلام القصب للكتابة.

كما أنَّ "الرقة" كانت في القرنيين الثاني والثالث عشر الميلاديين من المراكز الهامة جداً في إنتاج الخزف وصناعة الزجاج في العالمين العربي الإسلامي. واليوم تتبوأ "الرقة" مكانة متميزة بين مدن القطر، فإلى جانب كونها كانت من أهم المراكز التجارية والعسكرية في العصور السابقة على زمننا هذا، فهي اليوم تعد من أهم المحطات الزراعية في سورية، وهي ترتبط بشبكات طرق دولية ومحلية، وفيها أنظف وأنقى مياه في العالم تأهلها لأن تكون مدينة تجارية وسياحية مهمة.