تعد عمارته نموذجاً لفن "الريازة" الشبيه بالخط العربي، وصف بالجامع العجيب، يمتاز بوجود سويتين معماريتين، واستخدمت في بنائه ألوان منها الأزرق والفيروزي والأصفر..

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 23 أيلول 2014، الآثاري "أيهم آل فخري" معاون مدير المتاحف في "سورية"، الذي تحدث عن مسجد "الجامه" الشهير في "الرقة"، ويقول: «يرتبط تاريخ بناء المسجد بتاريخ بناء مدينة "الرافقة" التي أمر بتشييدها الخليفة "أبو جعفر المنصور" عام 772م، واعتمد في نظام عمارتها المخطط الدائري لمدينة "دار السلام" أي "بغداد"، وتم لذلك تحديد موقع المسجد وقصر الإمارة وسط تلك الدائرة، ويجب الإشارة إلى الاعتقاد الخاطئ أن "نور الدين محمود" باني المسجد؛ حيث تشير اللوحة المكتوبة بالخط النسخ، والواقعة في منتصف واجهة الأقواس الجنوبية، التي لا تزال قائمة، إلى أن "نور الدين محمود بن زنكي" هو من قام بترميم الجامع فقط سنة 516هـ».

مسجد جامع، وكان القصر وسط ساحة تطل عليها بقية المباني القائمة في المدينة

ويضيف: «سمي المسجد بـ"الجامع" لأنه المسجد الذي تقام فيه الصلوات الخمس وصلاة العيدين وصلاة الجمعة ويتم الاعتكاف فيه، ويمتاز بطراز العمارة العربية الإسلامية في العصر العباسي الأول في "الرقة" من خلال استخدام مواد "الآجر" المشوي، وغير المشوي، واللبن، والجص، والخشب، والزجاج والخزف، وبتفضيل الأكتاف أو الدعامات على الأعمدة في حمل البوائك، ونجد فيه أيضاً نزعة ترمي إلى التحرر والإبداع في فرش أرض القاعات، والبدء في استعمال الأشكال المنمقة كعنصر زخرفي، يجعلنا نقدر جرأة الفنانين ومدى تقدمهم في الفن».

الآثاري أيهم آل فخري

ويتابع: «بدأت أعمال التنقيب والترميم في المسجد من قبل المديرية العامة للآثار والمتاحف عام 1976م، مستفيدة من الدراسات التي قدمها الباحث الألماني "هرزفيلد"، حيث تبين أن جدار الجامع عبارة عن سور نواته من اللبن المجفف بالشمس أبعادها (340×40×11)سم، وقد لفحت تلك النواة بمادة الآجر المشوي حماية لها، كما دعم ذلك السور بعشرين برجاً تتوزع على أضلاعه وهي مبينة من الآجر، وتعلوها قباب على أعناق مثمنة الشكل زينت بزخارف رائعة، كما هي الحال في قصر البنات، وفي باحة الجامع هناك ضريح "أبو سعيد قسيم الدولة" المتوفى سنة 541هـ، وتمكنت بعثة التنقيب عام 1986م من الكشف عن كامل أرضية الحرم التي تبلغ 98×30م، وهي مفروشة بالآجر قياس 20×20سم، وقد طليت الأرضية بطبقة جبصية لحمايتها، كما تبين وجود سويتين معماريتين إحداهما قديمة تعود إلى العصر العباسي الأول أيام المنصور سنة 155هـ الموافق 772م، والسوية الثانية ترجع إلى عهد متأخر يرجح أنه عهد "نور الدين محمود"؛ كما تشير الكتابة».

يشار إلى أن "المقدسي" قال عنه: «إنه جامع عجيب»، وقال "الأصطخري": «مسجد جامع، وكان القصر وسط ساحة تطل عليها بقية المباني القائمة في المدينة».

صورة قديمة للمسجد الجامع

أما الآثاري "عمار مهدي"، فيقول: «تأثر بعمارته جامع "سامراء"، وجامع "ابن طولون" في "القاهرة"، وجامع "القيروان" في "تونس"، ومسجد "نابين" في مدينة "فاس"، ومن المعلوم أن "الرقة" كانت محطة للفنون الإسلامية حطت فيها رحالها في طريقها من "العراق" إلى "مصر" و"المغرب" من أمّات المدن العربية والإسلامية حتى أواسط القرن الرابع الهجري، ويقع الجامع في القسم الشمالي وسط مدينة "الرافقة"، جنوبي القسم الدائري من السور، وهو مستطيل الشكل طوله 110م، وعرضه 98م، وله صحن كبير مربع الشكل تقريباً، أما الحرم أو المصلى الذي يقع على امتداد الضلع الجنوبي، فيبلغ طوله 98م، وعرضه 30م، وكان فيه شجرة عنب وشجرة توت، وبقربه مسجد معلق على عمود احترق سنة 197هـ أثناء ثورة "نصر بن شبث" أيام "المأمون"، ويتألف بيت الصلاة أو الحرم من ثلاثة أقسام عريضة تتوضع على صفين من الدعامات، ويحتوي على 15 فتحة من الأقواس التي تهدمت ونهبت حتى الأساسات».

ويتابع: «أما الصحن فمحاط بثلاثة عقود تهدمت وسرقت قطع الآجر منها، وفيه مئذنة مدورة تقع في باحته، وهي من أعمال "نور الدين محمود"، وتشبه إلى حد كبير قلعة "جعبر"، وقد أحيطت المئذنة من أعلاها بمدماك حجري يتضمن كتابات تشير إلى بانيها "نور الدين محمود"، وأبعاد الآجر الذي شيدت منه المئذنة هو 23.5سم، أما ارتفاع المئذنة فيبلغ 20م، وواجهة بيت الصلاة لا تزال قائمة، وتتألف من 11 قوساً؛ وقد بنيت من الآجر غير المتساوي من 24-27سم، وكل عشرة مداميك تشكل 95سم».

المئذنة

ويختم: «يعد بناء المسجد وطراز عمارته نموذجاً لفن "الريازة" (أي فن الالتواءات الشبيهة بالخط العربي في البناء)، وهو فن من الحضارة العربية الإسلامية في العصر العباسي، وساد في القرنين الثاني عشر والثالث عشر؛ أي عصر الدولتين الزنكية والأيوبية، كما تم الكشف في داخل الحرم عن دكتين شرقية وغربية، يبلغ ارتفاع إحداهما في الركن الشرقي للحرم 60سم، وتقابل الرواق الشرقي من خلال قنطرتيه المتصلتين بالحرم، ولها مصعدان صغيران من أرض الحرم مؤلفان من ثلاث درجات، وعثر في حرم المسجد على أجزاء لمصابيح وثريات مزخرفة، وزجاج وسلاسل حاملة، وأوان زجاجية وفخارية وخزفية ملونة بلون فيروزي وأصفر وأزرق، وأجزاء من مصاريع الأبواب، ولوحات تأسيس حجرية».