موقع أثري يبعد عن "الرقة" 80 كم على الضفة الغربية لنهر الفرات، يشغل مساحة 150 ألف متر مربع، سكن الإنسان هذا التل منذ العصر النطوفي، وسكان هذا التل هم أول شعب في التاريخ الحضاري استعمل الأواني الفخارية لطبخ الطعام السائل.

وللحديث عن هذا التل، وتاريخ الاستيطان فيه، التقت مدونة وطن eSyria بتاريخ (26/12/2008) الباحث الآثاري "محمد العزو" الذي تحدث قائلاً: «اسم "أبو هريرة"، اسم حديث حمله التل الشهير، وأعتقد أنه يرتبط باسم الصحابي الشهير "أبو هريرة" راوي الحديث النبوي الشريف، نتيجة وقوع التل في مكان موقعة "صفين" التي جرت بين أمير المؤمنين "علي بن أبي طالب" كرم الله وجهه، ووالي الشام "معاوية بن أبي سفيان"، وهو من المواقع التي تم مسحها والتنقيب فيها، ويعود تاريخ الاستيطان فيه إلى فترتي العصر الحجري الوسيط، والعصر الحجري الحديث، وهذا التل واسع الأرجاء وسطحه مملوء بالأدوات الصوانية من تلك الفترة الموغلة في القِدم».

كانت بيوت التل صغيرة ومحفورة على السفوح المنحدرة من الأرض جدرانها من الطين وسقوفها من الأغصان والجلود، وكانت المنازل متجاورة غير متلاصقة، ترجع إلى منتصف الألف التاسع قبل الميلاد، وكانت المساحة المسكونة في هذا الموقع عام 7000 قبل الميلاد تزيد على ثلاثة هكتارات وكان سكان التل يستعملون الفخار في حياتهم اليومية منذ النصف الثاني من الألف السابع وهم أول شعب في التاريخ الحضاري استعمل الأواني الفخارية لطبخ الطعام

ويضيف "العزو": «موقع "أبو هريرة" سُكن في الفترة الحاسمة التي دجنت فيها الزراعة، وأصبحت نمطاً من أنماط الحياة الاقتصادية ولأول مرة في هذه المنطقة. وبدأ الاستيطان المبكر في "أبي هريرة" في أواخر العصر الحجري الوسيط نحو العام /11500/ ق.م، كقرية لا تتجاوز مساحتها الهكتار الواحد مكونة من مساكن بسيطة حفرت كلها في الأرض، وتم سقفها بالأغصان ونبات البوص، مدعومة بأعمدة خشبية "سيباط"، والقرية تقع في موقع استراتيجي هام يطل من جهة الجنوب على سهل زراعي واسع ذي تربة خصبة، ويوجد أسفل القرية سهل فيضان الفرات الوافر المياه، بينما يوجد في أعلى ظهر الوادي أرض مخضرة فيها أعشاب "استبس" تمتد بعيداً من المستوطنة، وليس بعيداً عن المستوطنة وعلى مسافة قريبة يمكن قطعها مشياً على الأقدام كانت توجد غابات مفتوحة من البلوط والفستق وغير ذلك من الأشجار الحاملة للجوز».

بقايا تل أبو هريرة

وعن أعمال التنقيب، يقول:«لقد دلت الصور الجوية الملتقطة بواسطة الكربون المشع /14C/ لمنطقة وادي الفرات، وكذلك أعمال المسح التي قامت بها البعثة الأثرية المنقبة في التل لكامل المنطقة المحيطة بالموقع، أنَّ "تل أبي هريرة" قد سكن لأول مرة في العصر الحجري الوسيط، وهذه المرحلة المبكرة من الاستيطان تغطي القسم الشمالي من جسم التل، وفوقها عثر على أدوات من العصر الحجري الحديث، لقد عثر المنقبون على الكثير من اللقى الأثرية مثل المدقات والرحيات والقواشط وغيرها، كما أنَّه تم العثور في التل على مخلفات استيطانية وآثار مواقد بالقرب منها، كما أنَّ المنطقة مغطاة بطبقة من الرماد الأسود سمكها /100/سم، مما يدل على طول المدة الزمنية لهذا الاستيطان. لقد دلت الحفريات الأثرية في التل، على أنَّ فترة العصر الحجري الوسيط، كانت غنية بالأدوات الصوانية الدقيقة والمطارق والمقاشط المتنوعة، كما عثرَ المنقبون على صناعات أخرى مهمة هي العظمية، ومنها المثاقب والإبر، وكذلك عثروا على خرز للزينة، وأدوات للغزل، وبعض الألياف التي قد يكون استخدمها السكان لصناعة البسط والسلال. يقول المنقب الأثري في موقع تل "أبي هريرة" الأستاذ "مور": (.. إنَّ نتائج فحص العظام والبذور زودتنا بمعلومات جمَّة عن الحياة الاقتصادية لتلك الفترة، ويبدو أنَّ أولئك السكان كانوا يصطادون الغزلان وبعض الحيوانات الأخرى لطعامهم، كما اصطادوا السمك من الفرات، وجمعوا الذرة والشعير البري، وقطفوا الثمار في مواسمها».

ويشير الباحث "أحمد شوحان" في كتابه "المواقع والتلال الأثرية في وادي الفرات" إلى تل "أبو هريرة" بالقول: «كانت بيوت التل صغيرة ومحفورة على السفوح المنحدرة من الأرض جدرانها من الطين وسقوفها من الأغصان والجلود، وكانت المنازل متجاورة غير متلاصقة، ترجع إلى منتصف الألف التاسع قبل الميلاد، وكانت المساحة المسكونة في هذا الموقع عام 7000 قبل الميلاد تزيد على ثلاثة هكتارات وكان سكان التل يستعملون الفخار في حياتهم اليومية منذ النصف الثاني من الألف السابع وهم أول شعب في التاريخ الحضاري استعمل الأواني الفخارية لطبخ الطعام».

ويضيف: «كان سكان قرية "أبي هريرة" في العصر الحجري الحديث مثل سكان "تل المريبط"، وأيضاً مثل سكان "تل الجرف الأحمر" يدفنون موتاهم تحت أرضية الغرف، وفي ساحات البيوت في قبور سطحية، وكانت الجثث تدفن إما بشكل إفرادي أو بشكل جماعي، وغالباً ما يكون الرأس مفصولاً عن الجسد ويدفن وحده، وكانت بعض أجساد الموتى تدفن ملفوفةً بعد دهنها بصبغ "المغرة" الحمراء، وإلى فترة العصر الحجري الحديث تعود مجموعة من اللقى الأثرية، تم العثور عليها أثناء فترة التنقيب الأثري في الموقع، مثل الإكسسوارات التي كانت تستعمل للزينة، وقطع حجرية مصنوعة من مادة الصوان العادي، وبعض الأدوات المصنوعة من الصوان البركاني، وهناك مجموعة كبيرة من المقاشط والسهام والمثاقب صنعت بدقة متناهية بواسطة الحك والتقشير، وهناك دلائل وشواهد أثرية تشير إلى أنَّ السكان في "أبي هريرة" مارسوا بعض الصناعات اليدوية مثل، صنع السلال من القصب النهري، وصناعة السجاد والغزل، خاصة أن المنقبين قد عثروا على مجموعة من مبارم الغزل الحجرية، التي استمر استعمالها بكثرة خلال العصور اللاحقة».