قصر "هرقلة" هو واحد من قصور الرقة، يقع على بعد 7 كيلومترات من مدينة الرقة الواقعة على نهر الفرات، أنشأه "هارون الرشيد" تخليدا لذكرى الانتصار الكبير على الروم وفتح وتحرير مدينة "هرقلة".

مدونة وطن eSyria التقت بتاريخ 22/6/2013 الباحث الآثاري "محمد العزو" الذي تحدث عن قصر "هرقلة" بالقول: «لقصر "هرقلة" شكل مربع أبعاده 100×100م، يتربع فوق السطح على هيئة مسطبة طولها وعرضها متساويان، ويصل ارتفاعها إلى أكثر من ستة أمتار، ويعد قصراً فريداً وآبدة آثارية تذكارية، له أربعة أبراج ضخمة دائرية الشكل، أضلاعه الثلاثة أواوين تنفتح نحو الخارج قبالة أربع بوابات كبيرة تتوضع على سور دائري يحيط بالقصر، حيث ذكرها كل من "المسعودي" و"ياقوت الحموي" و"الطبري" على أنها بناء عجيب من أعمال الخليفة "هارون الرشيد"، وخلافاً لأغلب المواقع الأثرية فإنَّ هرقلة ينفرد عن غيره من المواقع الأثرية الأخرى من العصر العباسي بأنه الموقع الأثري الوحيد الذي ما زال يحمل اسمه الأساسي القديم».

.. وبقي الحصن عامراً مدة حتى خرب، وآثاره إلى وقتنا هذا باقية وفيه آثار عمارة وأبنية عجيبة

ويذكر الأستاذ "قاسم طوير" المنقب الأثري في مقال له نشر في مجلة "الحوليات الأثرية العربية السورية" بقوله: «ينسب المؤرخون والبلدانيون العرب آثار هرقلة إلى الخليفة العباسي هارون الرشيد، ومصدر التسمية هو مدينة هرقلة ببلاد الروم (موقع أريجلة في تركيا حالياً)، وكان الخليفة الرشيد قد غزاها في عام 806م، وحقق نصراً مبيناً على جيوش "نيقفور" ملك الروم، وفي ذلك أنشد المكي أبياتاً

قصر هرقلة

كما يدل على ذلك شعر "أشجع السلمي" وهو يخاطب "الرشيد" قائلاً:

أمست "هرقلة" تهوي من جوانبها / ونـاصر الله والإسـلام يرميها

تمثال هرقلة

مـلكتها وقـتلـت النـاكثين بها / بـنصر من تملك الدنيا وما فيها».

ويضيف العزو قائلاً: «مما ساعد في التعرف على المعالم الأثرية "لهرقلة" من خلال الصور الجوية التي حصلوا عليها من المعهد الفرنسي للدراسات العربية "بدمشق"، وكانت هذه الصور قد أعدت أثناء الدراسة الطبوغرافية والتاريخية التي أعدها كل من العالمين "سارة وهرتزفيلد" في بداية القرن الماضي، وهذه الدراسة أوضحت عدة أمور منها "ظهور المصطبة المربعة" التي تخفي في باطنها أقسام المبنى الرئيسي للمنشأة المعمارية، و"ظهور قناة سطحية جافة" قادمة من جهة الغرب وتتجه نحو مدينة الرقة، وهذه القناة تقطع الجزء الجنوبي من السور، وعنها أشار السيد "هرتزفيلد" بأنها ربما تكون هي قناة النيل أو نهر النيل الذي اشتقه الخليفة "هارون الرشيد" من الفرات لإرواء الأراضي الواقعة شمال غرب الرقة والتي لا يمكن سقيها من نهر البليخ القريب من هذه الأراضي بسبب ارتفاعها الملحوظ عن مستوى مجرى النهر"».

ويشير العزو: «تتربع آثارها فوق تربة زراعية لحقية، ما حدا بالمعمار الذي خطط لبنائها إلى بناء قاعدة قوية وصلبة من شأنها أنْ تحمل ثقل هذه المنشأة التي كان يريد بناءها، وشيدت القاعدة من الحجر الحواري الذي كان يجلب من الجبل القريب من الرقة».

ويشير الباحث "علي السويحة" بالقول: «بالعودة إلى نتائج التنقيب الأثري تبين أنَّ هذه القاعدة مع الجدران الخارجية للمصطبة والإيوانات الأربعة، وكذلك الأدراج وجدران الحشوات الداخلية جميعها شيدت من أربعة عناصر: الحجر الحواري والحجر الكلسي الهش والآجر المشوي والملاط الجصي المشوي والحصى النهري. لقد استخدم الحجر الجصي في هرقلة في بناء البوابات والسور ودعاماته وتتراوح مقاسات كل واحدة من هذه الأحجار بين 70 و90 سم، أما الجدران الفاصلة فقد استعمل البناؤون في تشييدها قطع الحجر الجصي المستطيلة لكنها غير صقيلة أو مهذبه بأبعاد بين 25و30 سم. أما الحجر الكلسي الهش فهو من النوع القابل للتآكل ويتأثر بعوامل التعرية من رياح وأمطار وغيرها، وقد استخدم هذا النوع من الحجر منحوتاً بقطع تتراوح قياساتها بين 50 و120سم في بناء واجهات الجدران الخارجية للبناء الرئيس والأبراج والايوانات الأربعة».

وأضاف: «ضرب أهل "الرقة" في "هرقلة" الأمثال، فقيل "أبعد من هرقلة"، أو فلان ساكن "هرقلة"، نظراً لبعدها عن مكان سكنهم الأول، ولسيادة اعتقادهم أن الجنَّ تسكن الأماكن غير المأهولة بالبشر، فإنَّهم كانوا يعتقدون أنَّ الجنَّ قد سكنها، فكانوا يتجنبون المرور بها، وهي اليوم معلم أثري هام».

وعن سور هرقلة، يقول "السويحة": «تتفرد "هرقلة" عن غيرها من المواقع الأثرية الأخرى من العصر العباسي بأنها الموقع الأثري الوحيد الذي مازال يحمل اسمه الأساسي القديم، كما أنَّه الموقع العباسي الوحيد في الرقة الذي له سور دائري الشكل قطره / 510/ م مبني من الحجارة الجصية البيضاء مقاس الواحدة منها 70×90×60سم فوق أساس حجري على عمق متر واحد من سطح الأرض الخارجي. تتراوح سماكة هذا السور بين 250- 270سم، تتكئ عليه من الخارج دعامات على شكل أبراج مستطيلة الشكل تبرز عن جسم السور الخارجي مقدار 2,5م وطول الضلع الخارجي لها 5,60م، وتتراوح المسافة بين كل دعامة وأخرى بين 18و19م. أما داخل السور فهو الآخر معزز بدعامات أصغر حجماً ذات أبعاد 170×170سم، والمسافة بين الواحدة والأخرى حوالي 20م».

وينهي "السويحة" حديثه، بقول لياقوت الحموي يذكر فيه شيئاً عن هرقلة ويقول: «.. وبقي الحصن عامراً مدة حتى خرب، وآثاره إلى وقتنا هذا باقية وفيه آثار عمارة وأبنية عجيبة».