يقع "تل دامر"، وهو من المواقع الأثرية المشهورة، شمال مدينة "الرقة" بنحو /40/كم.

عن هذا التل تحدث لموقع eRaqqa بتاريخ 29/4/2012 الباحث الآثاري "محمد العزو"، الذي تحدث بداية عن موقع التل وأهميته التاريخية، قائلاً: «هناك طريقان للتجارة الدولية، يمران بمدينة "الرقة"، ويحاذيان ضفتيْ وادي حوض "البليخ"، الأول يباري النهر من جهة الشرق والثاني يسايره من جهة الغرب، يستمر الأول من "الرقة" صعوداً باتجاه الشمال حتى أعالي النهر، ثم ينحرف شرقاً باتجاه "بلاد الرافدين"، ماراً بحواضر وعواصم قديمة.

عثرت البعثة الآثارية الوطنية العاملة في "تل دامر" الأثري على عدد من اللقى الأثرية المهمة التي تعود إلى الفترة العباسية، وذلك في مبنى كبير من الآجر يتألف من أربع غرف وباحة واسعة ضمنها بئر ماء بعمق /5،8/م. ووفقاً لتقرير البعثة، فإنه تم العثور على الفخار المزجج، ونقود، وملقط ومسلات، برونزية. وتدل هذه الاكتشافات أنّ أهالي "دامر" برعوا بصناعة الفخار الذي يمتاز بألوانه الجميلة البراقة وزخرفته البديعة التي تدل على رقي هذه الصناعة

أما الطريق الثانية فتبدأ من "الرقة"، بمحاذاة الطرف الغربي من وادي حوض "البليخ" باتجاه "سروج" في بلاد "الأناضول". وعند الكيلو أربعين شمال "الرقة"، يقع تل أثري يسميه أهل البلاد "تل دامر" واللفظة قد تكون كلمة تركية، ومعناها "تل الحديد"، ويقع هذا التل على مجرى نهر "البليخ"، إذ يقسمه النهر إلى قسمين، وتتراوح مساحة القسمين بحوالي/6/ هكتار، وكلا القسمين يقع ضمن الأراضي الزراعية، التي تروى بالراحة بواسطة طرق الري الحديث. ومن خلال الدراسة العلمية التي أجريت حول هذا التل، نتيجة لوقوعه ضمن خطة إنشاء مشاريع الري الحديث التي تنفذها الدولة، فقد تبين أنَّ هذا التل، قد يكون أحد المحطات التجارية والزراعية الهامة، الواقعة على طريق التجارة الدولية الشهير، القادم من سورية الداخلية باتجاه بلاد "الرافدين"، عبر مدينة "الرقة" ومدن أخرى، بعضها واقع على مجرى نهر "البليخ".

من لقى التل

تشير الدلائل الأثرية المكتشفة إلى أن سكان "تل دامر" قد عملوا بالزراعة، لقربهم من مصادر المياه، وبالأخص نهر "البليخ"، الذي كان في يوم من الأيام مصدراً لرزقهم، وهذا يؤكده العثور على بقايا من القمح المتفحم، إضافة لكونه إحدى المحطات التجارية الهامة على طرق التجارة القديمة، وإلى جانب الزراعة، فإنَّ سكان "تل دامر" على ما يبدو، قد مارسوا بعض الصناعات التقليدية المحلية الضرورية، ضمن ورشات عمل قد تكون صغيرة، وقد تكون متوسطة الحجم، وهو ما يؤكده العثور على بقايا قطع الفخار والخزف المزجج».

وحول أعمال التنقيبات الأثرية الطارئة، التي نفذت في "تل دامر"، يقول "العزو": «نفذت مديرية الآثار والمتاحف في "الرقة" أعمال تنقيب في الموقع المذكور للموسم الأول من العام /2007/م وقد عثرت البعثة على كميات وافرة من الحبوب المتفحمة، في أماكن متفرقة من الموقع، وقطع من الفخار والخزف، وإنَّ الباعث على هذا القول هو ما جاء في تقرير البعثة الذي أكد وجود رماد منتشر بكثرة على سطح التل. وهذا يدلل على توضع أعمال صناعية في الموقع، ومن هذه الصناعات المفترضة، صناعة الفخار والخزف، الذي يتميز بألوانه الزاهية ولمعانه البراق وزخارفه الهندسية والنباتية البديعة، التي تدل على رقي في الذوق، وتطور في الشكل والصنعة. وليس مستبعداً أنَّ تكون مدينة "دامر" مركزاً آخر لصناعة الخزف "الرقي" في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين، إلى جانب تل "شاهين" القريب من "دامر". وهناك أيضاً صناعة الجص وتسمى محلياً "المجصّات"، حيث تنتشر مقالعه، وهي عبارة عن تربة بيضاء ظاهرة على سطح الأرض، ولها عروق عميقة، وهذه التربة تحتاج إلى عملية حرق لشيها ونضجها كي تكون قابلة للاستعمال" بكثرة في منطقة "تل دامر"، ويميل في لونه إلى البياض الناصع، وقد اشتهرت صناعته في العصر العباسي، واستعمله العرب المسلمون في صقل بيوتهم، كونه يعكس البرودة صيفاً والحرارة شتاءً. وليس بعيداً أيضاً أنَّ سكان "دامر" قد مارسوا العمل التجاري أيضاً».

الباحث محمد العزو

ويتابع "العزو" حديثه في السياق ذاته، قائلاً: «اعتبر هذا الموسم كدراسة أولية للكشف ومعرفة السويات الأثرية في التل، والمراحل التاريخية التي مر بها هذا الموقع، واستناداً للتقرير الأول نستطيع أنْ نجمل مراحل التنقيب على النحو التالي: لقد تم فتح مجموعة من الأسبار منها السبر الذي رمز له بـ/A3/ أبعاده /10×3/م، وضمن هذا السبر ظهر سور عريض مبني من مادة اللبن المجفف على أشعة الشمس، مقاس /30×30/سم للبنة الواحدة، وله امتداد شرق - غرب، وعرض هذا الجدار /2،5/م، وهو بحالة جيدة باستثناء النقاط، التي تم فيها حفر القبور الحديثة فوق بدن التل.

ومع امتداد الحفر باتجاه الشرق، تم الكشف عن برج نصف دائري، يتوضع على جسم السور، ومزود بدرجات عدّة، تستخدم في عملية الصعود إلى أعلى السور، وحسب التقرير الأثري، فإن أعلى نقطة في ارتفاع السور/2،5/م، وهو مدهون بمادة الجص الأبيض الذي يصنَّع محلياً.

من تلال البليخ

في مكان آخر شمال شرق السبر الأول، تم فتح المربع /A2/، إذ تبين أنَّ هذه المنطقة، تحتوي على مجموعة من الأفران لصناعة الخزف والفخار الرقي، حيث تم العثور على كميات من بقايا الطين المحروق "Slag"، كما عثر المنقبون على بعض القطع النقدية من الفترة البيزنطية. أما في الجانب الغربي من النهر، فقد تم فتح المربع /A4/ بأبعاد /10×8/م، وقد عُثر في هذا المربع على جزء من جدار ضخم /CI/ تابع لمسكن مبني من مادة اللبن المجفف، ويحتوي على عدة غرف وباحات، وقد تبيّن بعد الكشف الموسّع عن هذا الجدار الضخم تبين أنّ هذا الجدار هو السور الخارجي للمبنى المذكور، ولهذا السور امتداد من الشرق إلى الغرب وسماكته /3/م، وفي أماكن أخرى أكثر من ثلاثة أمتار، وهذا السور مشيَّد من مادة اللبن غير المحروق، مقاس اللبنة الواحدة /30×40/سم.

كما عُثر في الموقع على عدة غرف وباحات ضمن سور المدينة، وربما هذه الغرف وتلك الباحات تعود لمنشأة معمارية كبيرة لعلّها بيت الحاكم في هذا الموقع».

وحول التنقيبات الأثرية الطارئة في عام /2009/، يقول "العزو": «عثرت البعثة الآثارية الوطنية العاملة في "تل دامر" الأثري على عدد من اللقى الأثرية المهمة التي تعود إلى الفترة العباسية، وذلك في مبنى كبير من الآجر يتألف من أربع غرف وباحة واسعة ضمنها بئر ماء بعمق /5،8/م.

ووفقاً لتقرير البعثة، فإنه تم العثور على الفخار المزجج، ونقود، وملقط ومسلات، برونزية. وتدل هذه الاكتشافات أنّ أهالي "دامر" برعوا بصناعة الفخار الذي يمتاز بألوانه الجميلة البراقة وزخرفته البديعة التي تدل على رقي هذه الصناعة».