يرقى تاريخ مدينة "الرقة" إلى الألف الرابع قبل الميلاد، فمن حضارة تل "زيدان"، وصولاً إلى العصر الإسلامي الأول عند فتحها على يد القائد الإسلامي "عياض بن غنم"، وانتهاء ببناء "الرافقة" في العهد العباسي الأول على يد الخليفة "المنصور"، التي ازدهرت بعصر "الرشيد" أيما ازدهار.

أسئلة عدّة حول وجه الشبه بين "الرقة" وأختها "بغداد"، وما هي الدواعي التي دفعت الخليفة "المنصور" لبناء "الرافقة"؟ وما وجه الشبه بين "بغداد" و"الرافقة"، المدينة الجديدة التي جاورت "الرقة"، وحظيت بالمجد، وأصبحت عاصمة الخلافة العباسية في عهد "الرشيد"؟

يقول "الرشيد" الدنيا أربعة منازل "دمشق"، و"الرقة"، و"الري"، و"سمرقند"، وقد أصبحت الرقة العاصمة الفعلية لدولة "الرشيد" مدة ثلاثة عشر عاماً وبها كان حرم الرشيد ووزراءه وأعلام عصره وخزائنه ودار لضرب النقود وسكها. ولم يغادرها طول هذه المدة إلا إلى غزو أو حج، ولم يدخل "بغداد" إلا مروراً بها خلال أسفاره. وسميت هذه الفترة بـ"أيام العروس"، وكان "الرشيد" يغزو من "الرقة" ففي عام /190/ للهجرة حضّر "الرشيد" لغزو كبير، حيث فتح مدينة "هرقلة"، وانتصر انتصاراً كبيراً على غريمه "نقفور" الشهير. وتضيف الروايات أن "الرشيد" استحسن ابنة حاكم المدينة وتزوجها وبنى لها قصراً وسماه على اسم مدينة والدها، وتختلف الروايات في ذلك، كما شيَّد "الرشيد" قصوراً عدة أهمها "قصر السلام"، و"القصر الأبيض"، و"قصر الخشب" و"قصر هرقلة"، وللأسف لا نعرف أماكنها ما عدى المتبقي من "قصر هرقلة"

موقع eRaqqa التقى بتاريخ 30/12/2011 الباحث والآثاري "محمد العزو"، والذي حدثنا بداية عن تاريخ "الرقة"، قائلاً: «ظهرت أول بوادر مدنية في موقع تل "زيدان" بالقرب من "الرقة" من جهة الشرق، حوالي الألف الرابع قبل الميلاد، ولأسباب مجهولة تحولت الحياة إثر انهيار حضارة تل "زيدان" إلى موقع آخر شمال "الرقة"، هو موقع "تل البيعة" الذي نشأت عليه مملكة "توتول" في الألف الثالث قبل الميلاد.

صورة بالأقمار لمدينة الرقة

تحولت "توتول" من مملكة إلى مدينة، وفي عام /1300/ قبل الميلاد أصبحت قرية صغيرة، ما لبث أن تحول سكانها للسكن في محيط "الرقة"، يشكلون تجمعاً آرامياً أسس لبناء مدينة "نيكفوريوم" في عام /280/ قبل الميلاد، وتعني "هبة المنتصر"، وفي العصر الروماني أنشأت على أنقاضها مدينة "كالينوكوس"، وأصبحت مركزاً هاماً على طريق الحرير، وهي التي ورثتها "الرقة" التي فتحها القائد العربي في عام /639/ ميلادية، وموقعها الحالي قرية "المشلب"، والتي أصبحت حياً تابعاً لمدينة "الرقة"، سمي بحي "المأمون"، وهو ذات الموقع الذي تضم سوياته الأثرية مجمل ما ورثته "الرقة" من مدن وصولاً إلى "الرقة البيضاء" في العهد الأموي التي فُتحت في العصر الراشدي».

وحول دواعي بناء "الرافقة"، يقول "العزو": «يعتبر قرار الخليفة "المنصور" إنشاء مدينة جديدة بالقرب من "الرقة البيضاء" من القرارات الحاسمة، ويحتمل أنه كان للخليفة "المنصور" طموح راسخ عبر عنه بإنشاء "الرافقة" والمدن الأخرى، وقد سبق له أنْ شيد مدينة "بغداد" الدائرية سنة /762/ م، ومن هنا يمكننا أنْ نخمن أنَّ "المنصور" أراد بناء مدينة عربيـة سميـت "الرافقة" إلى جانب مدينة "الرقة البيضاء" القديمة.

مخطط مدينة بغداد

وحين شيدها الخليفة "المنصور" وضع فيها حامية من جند "خرسان"، ورغم أنَّ أهالي "الرقة" لم يكونوا مسرورين من قرار الخليفة، إلاَّ أنَّه قد برهن عن قدرة وحنكة بتجنبه استعمال القوة لتنفيذ مخططه، حيث أنَّه قال أمام الملأ: إنَّ أحد الأولياء تراءى له في الحلم، وأوعز إليه ببناء مدينة "الرافقة" بالقرب من "الرقة البيضاء"، وبذلك أصبح الخليفة مسوْلاً شخصياً عن تحقيق ذلك القرار، حيث كلف ابنه "المهدي"، الذي هو والد الخليفة "هارون الرشيد"، ببناء "الرافقة" بإشراف المهندس "أدهم بن محرز". وقد تم البناء حسب طراز مدينة "بغداد" المستديرة، إلاَّ أنَّ مخطط "الرافقة" لم يكن دائرياً، بل يوجد تفلطح في شكل المخطط، فجاء على شكل نعل الفرس في المحيط.

شيَّدت مدينة "الرافقة" الجديدة إلى الغرب من "الرقة البيضاء" على بعد /300/ ذراع غرباً. وقد جعل لها سوراً طوله /5/ كم تتكئ عليه مجموعة من الأبراج الدائرية، أكبرها برجيْ الزاويتين الجنوبية الغربية والجنوبية الشرقية من ضلع السور الجنوبي، وكل برج من هذه الأبراج تتقدمه بوابه (باب "بغداد" وباب "حلب"). وللمدينة سوران مزدوجان بينهما فصيل بعرض/20،80/ متراً، وكان السور الرئيسي بسماكة /590/ سم وارتفاعه /9/ أمتار، والسور الثاني بسماكة /450/سم؛ وقد أحاطت بالجميع قناة عرضها من الأعلى/15،90/م وعند القاع/9،50/ م وكان الولوج إلى المدينة يتم عبر ثلاث بوابات هي باب بغداد وباب الرها وباب "حلب". وعبر الزمن طغت "الرافقة" على "الرقة" وسلبتها أهميتها وحتى اسمها، بينما أخذت "الرقة البيضاء" بالاندثار شيئاً فشيئاً.

المهندس عبد الحميد النجم

ازدهرت "الرافقة" أيام حكم الخليفة "هارون الرشيد"، الذي جعل مكان إقامته فيها لمدة /13/عاماً بشكل مستمر، وبقي فيها حتى عام /808/م دون أنْ يعود مرة واحدة إلى "بغداد". وهذا الأمر انعكس على المدينة التي ازدهرت في عصره ازدهاراً كبيراً، وكان لقرار الخليفة "هارون الرشيد" باتخاذه من "الرقة" مركزاً لإقامته أمران هامان أولهما: أنه أحب مناخها الذي كان أفضل من مناخ "بغداد"، وثانيهما أنَّ "الرقة" تقع على بعد واحد من "الشام" و"بغداد" تقريباً، وهي على مقربة من الحدود "البيزنطيَّة"، لذلك فإنَّ موقعها هذا كان موقعاً إستراتيجياً هاماً على المدى البعيد».

تحولت مدينة "الرافقة" بعد بنائها إلى مدينه ملكية محصنة، وحول وجه الشبه بينها وبين مدينة "بغداد"، تحدث لموقعنا المهندس المعماري "عبد الحميد النجم"، المهتم بإعداد بحوث حول عمران "الرقة" تاريخياً، قائلاً: «بنيت مدينة "بغداد" عام /145/ هجرية، /762/ ميلادية، وبعد عشر سنوات أمر نفس الخليفة ببناء مدينة "الرافقة" سنة /155/ هجرية، /772/ ميلادية، وكان مهندس مدينة "الرافقة" هو "عبد الله بن محرز"، ويقال إنه "أدهم بن محرز". و"عبد الله بن محرز" هو واحد من أربعة مهندسين سوف نأتي على ذكرهم في إنشاء مدينة "بغداد"، فكانت "الرافقة" على شاكلة "بغداد" بأسوارها وأبوابها وشوارعها، ولكن خلافاً بسيطاً وقع في الشكل، فمدينة "بغداد" دائريه الشكل محكمة الدوران (أي لها مركز دائرة)، بينما "الرافقة غير محكمة الدوران، ويوجد لها ضلع مستقيم يحاذي نهر "الفرات"، مما أعطاها شكل حدوة الفرس. ولكي نعرف أكثر عن "الرافقة". الذي غلب عليها اسمها الثاني "الرقة" يجب أن ندرس ونعرف مدينة "بغداد" أولاً، لأنها مؤرخة بشكل جيد، ويوجد الكثير من المراجع التاريخية التي تشرح المدينة بكل دقائقها، بينما "الرقة" لا يوجد من ينبئنا عن معالمها بوضوح حتى غدونا نخلط بين الآثار العباسية والآثار الزنكية في مواقع عدة».

وحول وصف مدينة "بغداد" يقول "النجم": «جعل الخليفة "المنصور" لمدينة "بغداد" أربعة أبواب كبيرة كل بابين فيها متقابلين والطريق بينهما يقسم المدينة إلى قسمين، فصارت المدينة بالطريقين المتعامدين المتقاطعين أربعة أرباع. ومركز هذا التقاطع هو جامع "المنصور"، و"دار الإمارة" التي سميت "قصر الذهب"، أو "قصر القبة الخضراء"، فالباب الشمالي الشرقي سمي "باب خراسان" لأنه باتجاهها ويقابله "باب الكوفة" في الجنوب الغربي. وفي الجنوب الشرقي "باب البصرة" ويقابله في الشمال الشرقي "باب الشام"، وبني للمدينة من اللبن سوران وفيصلان.

الفصيل الأول خالٍ من البناء، وهو بين الخندق المائي والسور الأول، وعرض هذا الفصيل /30/ متراً، ويقال /50/ متراً، وهو الأرجح، وخندق الماء وعرضه /20/ متراً حافتاه مكسوة بالآجر والجص، ويأخذ ماءه من نهر "كرخايا" الذي يستمد ماءه من نهر "الفرات".

الخندق المائي يعتبر أول خط دفاعي، ثم فصيل خارجي مقسم إلى أربعة أرباع بين كل بابين لتشتيت المهاجمين، وسهولة خروج المدافعين إلى هذا الفصيل، حيث يعتبر كل ربع من هذا الفصيل مسؤول عنه القوات الموجودة في البابين المحصور بينهما هذا الفصيل ثم السور الخارجي وهو الخط الدفاعي الثالث وهو السور الصغير الذي كان من اللبن وعرض قاعدته /9،8/م وارتفاعه /17/م، ثم فصيل مسكون يقطنه الصناع والعاملون، ويمكن الخروج إليه أيضاً بسهوله عن طريق بوابتين باتجاه كل ربع فصيل من الرحبات التي ينتهي عندها دهاليز الدخول ثم الخطوة الدفاعية الرابعة وهو السور الأعظم الكبير وأيضاً كان من اللبن، وارتفاعه مع الشرفات المدورة التي يقف فيها الجنود للمقاومة /30/م، وعرض قاعدته /12/م، وكان مقسماً في الارتفاع، كل ثلث يضيق عما تحته في السماكة وكان له أبراج عددها /113/ برجاً، بين كل بابين من الأبواب /28/ برجاً، وبين "باب البصرة" و"باب الكوفة" /29/ برجاً، وترتفع هذه الأبراج كما سميناها سابقاً الشرف المدورة فوق السور /245/سم ثم فصيل ثالث للسكن، ثم قصور أولاد "المنصور"، ثم سور المسجد وقصر الإمارة. وكانت المساجد الجامعة لها أسوار دفاعية كما الأسوار الخارجية ولها أبراج ولكن أقل ارتفاعاً، وهذه الهيئة من المساجد كانت من ميزات فترة حكم "المنصور"».

وحول بناء "الرافقة" العباسية، يقول "النجم": «جاء بناء "الرافقة" كما تقدم مثل حدوة الفرس، وذلك لأن الضلع الجنوبي جاء محاذياً لنهر "الفرات"، ولم يتطلب من هذه الناحية إقامة سور مضاعف أو خندق مائي. وذلك لاستحالة الهجوم من هذه الناحية، أما بقية السور فإن طول محيطه /5000/م، يحصر مساحه قدرها /1،468،000/م2 وله أبراج ضخمة، يبلغ محيط البرج ما بين /15 – 16/م، ولم يتبق إلا برج واحد منها في الزاوية الشرقية الجنوبية، حيث ينتهي الضلع المستقيم الجنوبي ليبدأ السور بالدوران.

مادة بناء السور من اللبن غير المشوي، أبعاده /40×20×11/ وبعضها في حجم مضاعف، والآجر المشوي مربع الشكل طول ضلعه /27/سم وبسماكة /7/سم، ويدخل هذا الآجر بتلفيح النواة الطينية، ويستند السور على قاعدة من الحجارة أو من الآجر بطول /85/سم وعرض /55/سم وارتفاع /30/سم، وكانت المدينة محصنة مثل "بغداد"، تبدأ بالخندق المائي، فالسور الأول، ثم الفصيل غير المسكون، ويليه السور الثاني، وأخيراً السكن وسور الجامع الذي يميز تلك الفترة بأسوارها الدفاعية أيضاً.

أما الخندق المائي فكانت أبعاده من الأعلى /15،9/م، ومن الأسفل /9،5/م، ولم يذكر أحد أن "للرقة" فصيلاً خارجياً بين الخندق والسور، أما السور الأول وهو الأصغر، وسماكته /4،5/م. ولم يذكر احد ارتفاع السور. ثم يأتي فصيل غير مسكون وعرضه /20،8/م، أما السور الثاني وهو الأكبر والأعلى، ويبلغ سماكته /5،8/م، وأيضاً لم يذكر أحد ارتفاعه».

وبالنسبة لأبواب مدينة "الرقة"، "الرافقة"، يقول "النجم": «رأينا أن "الرافقة" هي الأخت الصغرى لمدينة "بغداد" بأسوارها ولنراها بأبوابها، حيث لم يعطِ المؤرخون أي شيء عن أبواب مدينة "الرافقة"، سوى أنها مثل أبواب "بغداد" تماماً، ولكن أصغر حجماً منها، وليس لدينا الآن سوى مخططين، يعود الأول للمؤرخ والعالم "هرتزفلد" عام /1907/م، والمخطط الثاني الذي وضعه العالم "كريسويل" في عام /1931/م.

النظرة الأولى للمخطط الأول تبين أن "للرقة" أربعة أبواب. وقد وضع عليها كلمة باب، ولكنه أضاف باباً خامساً سماه الباب الرئيسي. وحسب رسم "هرتزفلد" فإن توضع الباب الخامس كان خاطئاً، حيث زحف بالباب قليلاً إلى الشمال ليدخل من بعد البرج الكبير الذي على السور الداخلي. وهذا الدخول لا يفضي إلى أي فعالية حيوية كما أراد "المنصور" أن تكون أبوابه، فهو يدخل من زاوية ضيقه جداً لا تساعد على الدفاع، بل هي نقطه ضعف في الدفاع وهو ثغرة في هذا الحصن المنيع، وعند قياس المسافة الفاصلة بين السور والباب الخامس، كما يقول "هرتزفلد" فإن الباب يقع في الفصيل بين السورين، وبذلك يكون قد ألغى مخطط الأبواب في مدينة "الرافقة" التي على شاكلة "بغداد" بأبوابها أيضاً.

ورأيي في الموضوع أن نأخذ بالمخطط الثاني الذي وضعه "كريسويل"، حيث بين توضع الأبواب الثلاثة والباب الرابع الجنوبي لم يضعه على المخطط لأن امتداد المدينة الحضرية قد هدمه، وأصبحت بدلاً عنه أبنية معاصرة. وكذلك عيَّن وبكل دقة ما نسميه "باب بغداد" على المخطط، حيث يفضي إلى الفراغ الموجود أمام السور الجنوبي، وكأنك تعبر الخندق المائي وتدخل من السور الأول لتعبر الباب ليفضي بك إلى فراغ وليس إلى داخل المدينة لذلك أستبعد أن يكون باباً "للرافقة"، وأعتمد الأبواب الأربعة التي وضعها كل منهما على مخططه، وأستثني الباب الخامس ليكون بذلك مطابقا لما أراده "المنصور" من مدينته المحصنة.

أما الأبواب الأربعة فهي "باب السبال" في الشرق، يقابله "باب الجنان" في الغرب، و"باب حران" في الشمال ويقابله باب مجهول الاسم، وعلى الأغلب كان هذا الباب يفتح أيام انحسار نهر "الفرات" للخدمة، فلم يكن له صفة دفاعية، إنما صفة خدمية.

ويذكر ذلك المؤرخ "البلاذري" في "فتوح البلدان" صفحة /179/، وكذلك "البغدادي" في "مراصد الإطلاع" الجزء2 صفحة /595/: أن للرافقة ثلاثة أبواب فقط، وهو يطابق ما ذكرناه. ولكي نكون منطقيين ونطابق "الرافقة" على "بغداد"، فعلينا أن نحدد مكان قصر الإمارة. ونرى إن كان يتقاطع مع الأبواب الأربعة في مركز المدينة، فقصر الإمارة على الأغلب كان يقع كما يقول الشاعر والمؤرخ لتاريخ "الرقة" ومرمم السور على وضعه الراهن المرحوم "مصطفى الحسون" في الندوة الدولية لتاريخ "الرقة" التي عقدت عام /1981/ في مركز المدينة، ويقول: الظاهر أن "الرشيد" كان يقيم خلال هذه الفترة في المركز، وهو الفعالية الحقيقية لروح المدينة. ولولاه لما كانت هناك حياة في المدن التي صممها "أبو جعفر المنصور"، حتى ولو جاء المركز منحرفاً قليلاً باتجاه الشمال الشرقي، فـ"الرافقة" ليست محكمة الدوران. وبذلك تكون شوارع المدينة تتقاطع في المسجد الجامع وقصر الإمارة».

ويختتم "النجم" حديثه، قائلاً: «يقول "الرشيد" الدنيا أربعة منازل "دمشق"، و"الرقة"، و"الري"، و"سمرقند"، وقد أصبحت الرقة العاصمة الفعلية لدولة "الرشيد" مدة ثلاثة عشر عاماً وبها كان حرم الرشيد ووزراءه وأعلام عصره وخزائنه ودار لضرب النقود وسكها. ولم يغادرها طول هذه المدة إلا إلى غزو أو حج، ولم يدخل "بغداد" إلا مروراً بها خلال أسفاره. وسميت هذه الفترة بـ"أيام العروس"، وكان "الرشيد" يغزو من "الرقة" ففي عام /190/ للهجرة حضّر "الرشيد" لغزو كبير، حيث فتح مدينة "هرقلة"، وانتصر انتصاراً كبيراً على غريمه "نقفور" الشهير.

وتضيف الروايات أن "الرشيد" استحسن ابنة حاكم المدينة وتزوجها وبنى لها قصراً وسماه على اسم مدينة والدها، وتختلف الروايات في ذلك، كما شيَّد "الرشيد" قصوراً عدة أهمها "قصر السلام"، و"القصر الأبيض"، و"قصر الخشب" و"قصر هرقلة"، وللأسف لا نعرف أماكنها ما عدى المتبقي من "قصر هرقلة"».