تمكنت البعثة الأثرية الوطنية الطارئة العاملة في دائرة آثار محافظة "الرقة" من العثور على لوحة فسيفسائية كبيرة مستطيلة الشكل يعود تاريخها إلى القرن السادس الميلادي، وذلك في موقع "حويجة حلاوة" على ضفة بحيرة "الأسد" بالقرب من ناحية "الجرنية".

وأوضح السيد "محمد سرحان الأحمد"، مدير دائرة الآثار والمتاحف في "الرقة" لموقع eRaqqa بتاريخ 22/9/2011 قائلاً: «دلّت عمليات التنقيب الطارئة التي قامت بها البعثة الأثرية الطارئة التي تم تشكيلها للتنقيب في الموقع المذكور الكشف عن مساحة /58/ متراً مربعاً من اللوحة، وما تزال عمليات التنقيب مستمرة في الموقع المذكور، ومن المتوقع كشف المساحة الكاملة من اللوحة في الأيام القليلة القادمة، واللوحة عبارة عن حصيرة مكونة من أشكال هندسية متنوعة من المثلثات والمربعات متداخلة بشكل فسيفسائي ومنفذة بالفصوص ذات الألوان الأبيض والأسود والأحمر».

دلّت عمليات التنقيب الطارئة التي قامت بها البعثة الأثرية الطارئة التي تم تشكيلها للتنقيب في الموقع المذكور الكشف عن مساحة /58/ متراً مربعاً من اللوحة، وما تزال عمليات التنقيب مستمرة في الموقع المذكور، ومن المتوقع كشف المساحة الكاملة من اللوحة في الأيام القليلة القادمة، واللوحة عبارة عن حصيرة مكونة من أشكال هندسية متنوعة من المثلثات والمربعات متداخلة بشكل فسيفسائي ومنفذة بالفصوص ذات الألوان الأبيض والأسود والأحمر

وقال المزارع "حسين علي العيسى"، الذي ساهم باكتشاف اللوحة: «بينما كنت أقوم بسقاية الأشجار في منزلي الريفي المجاور لمدرسة "حلاوة"، حدث عطل في ماسورة المياه، وأثناء عمليات الحفر التي ترافقت مع إصلاح الماسورة، ظهرت معالم اللوحة من خلال أجزاء لقطع صغيرة براقة تدل على أنها جزء من لوحة أثرية في موقع مجاور لسور المدرسة الملاصق لبستاني، فقمت على الفور بإبلاغ مديرية آثار ومتاحف "الرقة" والناحية والبلدية عن ظهور هذه اللوحة الأثرية في بيتي. بعدها أرسلت مديرية الآثار بعثة أثرية للتنقيب في الموقع المذكور».

أعضاء البعثة أثناء عمليات التنقيب

ويقول الآثاري "أيهم آل فخري"، رئيس البعثة الأثرية الوطنية الطارئة: «تم الإبلاغ عن وجود طرف لأحد اللوحات الفسيفسائية في منطقة حويجة "حلاوة" عن طريق أحد المواطنين في القرية، وإثر ذلك قمنا بتشكيل بعثة وطنية طارئة للتنقيب الأثري في موقع التل، وبعد إجراء السبر الأولي تبين لنا وجود لوحة فسيفسائية، ثم قمنا بفتح أسبار بطول /12/ متراً، وعرض سبعة أمتار، حيث تبين وجود قطع فسيفساء ذات أشكال هندسية، مؤلفة من عدد من المربعات والمثلثات كل مربع طوله /10/سم، منفذة بالألوان الحارة والباردة، كما يوجد الإطار الذي يحيط باللوحة يحتوي على مثلثات مرصوصة بالفصوص ذات اللون الأحمر، والمثلثات المتقابلة بالرأس، التي تشكل ما يشبه الفراشة، كذلك تم التعرف على أطراف اللوحة التي تعتبر امتداداً لقاعة كنيسة أو مجمع كنسي.

تعود اللوحة إلى القرن السادس الميلادي، وتدل المؤشرات الأولية على أنها تشكل أرضية لقاعة كنيسة، وبعد إتمام الحفر سنحاول الوصول إلى موقع المذبح في الكنيسة المتوقعة، أو محرابها، وبالنسبة لهذا النموذج الفسيفسائي، التي تجسد الحيوانات والطيور، فقد توقف العمل في مثل هذه النماذج، واتجه العمل إلى الرسومات الهندسية اعتباراً من بداية القرن الثامن الميلادي».

الباحث الآثاري محمد العزو

وحول هذا الاكتشاف الأثري، وأهمية موقع "تل حلاوة"، يقول الاثاري "محمد العزو": «يقع تل "حلاوة" الأثري غرب ناحية "الجرنية" على الضفة الشرقية لبحيرة "الأسد"، ويعود تاريخ هذا التل إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وقد نقبّت فيه بعثة أثرية سورية ألمانية مشتركة منذ ثمانينيات القرن الماضي.

يتكون التل من هضبتين آ ـ ب يفصل بينهما خليج مائي تشكل نتيجة ارتفاع منسوب البحيرة. في عام /1980/م عثرت البعثة المنقبة في القرية المجاورة للتل على أرضية فسيفسائية ضمن سور مدرسة بنيت حديثاً آنذاك، وتتكون هذه اللوحة من مجموعة من اللوحات التي تمثل ثوراً وأسداً وعدداً من الغزلان وبعض الأشجار، وقد قامت المديرية العامة للآثار والمتاحف في "دمشق" بإرسال طاقم فني من المعمل الفني بالمديرية، حيث قاموا بتصوير ورسم اللوحات، والعمل على رفعها ومعالجتها، ومن ثم قامت دائرة آثار ومتاحف "الرقة" بعرض اللوحات في متحف "الرقة" الأثري».

أعمال التنقيب عن اللوحة

ويتابع "العزو" حديثه، قائلاً: «في هذا العام وبينما كان أحد المزارعين القيام بأعمال تشجير في أرضه المحاذية لسور المدرسة القديم من الخارج، عثر على هذه اللوحة، ومباشرة شخصت مجموعة من الآثاريين من مديرية آثار ومتاحف الرقة، ومديرية آثار ومتاحف دير الزور، حيث قاموا بعملية التقصي بجوار السور من الداخل والخارج، وعثروا على امتداد اللوحة القديمة داخل السور، والتي تمتد بطول /20 متراً تقريباً من الشمال إلى الجنوب، حيث ظهر مدخل الكنيسة في الجهة الجنوبية داخل المدرسة وعثروا على الجنية الرئيسية للكنيسة من جهة الشرق.

وتتكون هذه اللوحة من مجموعة من الرسومات المتناسقة، وهي على شكل مربعات موروبة ترتبط بعضها بالبعض، بواسطة سلسلة من قطع الأحجار الصغيرة ذات اللون الأسود ضمن إطار يلف اللوحة بالكامل بعرض /20/سم، وهذا الإطار مكون من أشكال هندسية مختلفة على أرضية بيضاء.

ويقول المختصون أن تاريخ هذه اللوحة يعود إلى النصف الثاني من القرن الخامس الميلادي /470/ ميلادية، وتتميز منطقة "الرقة" باحتوائها على مجموعة من المواقع الأثرية التي تعود إلى الفترة المسيحية، وهي موزعة حسب الاتجاهات الجغرافية المعتمدة أثرياً، إذ عثر الخبراء على لوحات فسيفساء في منطقة "تل أبيض" و"عين العروس"، وبالقرب من "حمام التركمان"، وكذلك في "تل الشيخ حسن" على ضفاف "البليخ" شمال "الرقة"، وإلى الشرق من مدينة "الرقة" عثر المنقبون أيضاً على لوحات فسيفسائية في كل من تل "الشيخ سعيد"، وبالقرب من منطقة "المناخر" (البراكين القديمة) في ناحية "الكرامة". وفي الجنوب عثر المنقبون على لوحات مشابهة في مدينة "الرصافة" الأثرية مما يؤكد على أن العصر المسيحي ساد أغلب المناطق في سورية بشكل عام وفي "الرقة" بشكل خاص. وهذا يعني أن الفترة المسيحية كانت غنية بآثارها من أديرة وكنائس ومجمعات.

واللوحات الفسيفسائية هي نوع من الفن الذي ميّز الفترة المسيحية بأشكالها البديعة ورموزها الدينية.

بقي أن نشير إلى أن لوحة حلاوة الجديدة هي أرضية لكنيسة يعتقد الخبراء أنها كانت تقع ضمن مجمع كنسي كبير».

يذكر أن منطقة "الجرنية"، وضفاف بحيرة "الأسد" غنية بالمواقع الأثرية الهامة، وأشهرها تل "المريبط" الذي يحتوي على أقدم مسكن بشري بالتاريخ يعود إلى عشرة آلاف سنة خلت، و"تل العبد" و"تل الشيخ حسن" و"الممباقة" وجبل "السن" والقبور البيزنطية المنتشرة في هذه المناطق.