بالقياس إلى مدينة "بغداد" المدوَّرة، كون "الرافقة" بنيت على شاكلتها، وكلاهما من عهد الخليفة المنصور، فإنه لابدّ أنْ يكون للرافقة "الرقة" أربعة أبواب, ويشير ابن "حوقل" في معرض حديثه عن مدينة "المهدية" فيقول: «ولها بابان ليس لهما فيما رأيته على الأرض شبه ولا نظير غير البابين على سور "الرافقة"، وعلى مثالهما عملاً، ومثل شكلهما اُتُّخذا».

وحول هذين البابين يذكر ابن شداد فيقول: «ولماَّ كان سنة /180/هـ خرج "الرشيد" من "بغداد" وسار إلى "الرقة" فاتخذها موطناً، وبنى سورها، واسمه مكتوب على "باب السبال" من الجانب الشرقي مثاله يذكر الكتابة فيقول: أمر بعمارته أمير المؤمنين "هارون الرشيد" أطال الله بقاءه بتولي الفضل بن الربيع مولاه».

ولماَّ كان سنة /180/هـ خرج "الرشيد" من "بغداد" وسار إلى "الرقة" فاتخذها موطناً، وبنى سورها، واسمه مكتوب على "باب السبال" من الجانب الشرقي مثاله يذكر الكتابة فيقول: أمر بعمارته أمير المؤمنين "هارون الرشيد" أطال الله بقاءه بتولي الفضل بن الربيع مولاه

ويُفهم من قول "ابن شداد" (وبنى سورها) أنَّ المقصود بذلك تلبيس السور بمادة الآجر كما هي عادته مع المنشآت المعمارية التي شيَّدها جده الخليفة "المنصور". ولم يبقَ من بوابات "الرافقة" سوى أطلال "باب بغداد" عند الزاوية الجنوبية الشرقية, ولكن في الوقت الحاضر وبعد إجراء الحفريات الأثرية في هذه المنشأة المعمارية نستطيع إعطاء وصفاً لهذه البوابة على النحو التالي: شيدت البوابة من مادة الآجر الرقي المعروف بمقاساته /27×10×7/سم مع مادة الجبس. ولهذه البوابة مدخلاً واحداً بقوس مدبب, وبجواره على اليمين وعلى اليسار يوجد قوسان مجزوءان ومدببان على شكل محرابين واسعين لتزيين واجهة البوابة على شكل زخارف هندسية بواسطة الآجر "الهزر باف" وتعني الألف حنية وحنية, وهذه الزخارف الهندسية تبدو على شكل معينات من الجبس في قسمه العلوي, بينما القسم السفلي له شكل أصم وبدون زخارف, مما أضفى عليه مشهداً بديعاً وجميلاً.

باب حران

واليوم لم يبق إلاَّ القوس الذي على يسار البوابة. وفي الجزء العلوي من واجهة البوابة، وعلى علو ستة أمتار من القوس المدبب يوجد أحد عشر محراباً جميلاً عليها من الداخل زخارف بالآجر والجبس زال منها ثلاثة محاريب, وبقي منها ثمانية فقط. وبمجرد الولوج من البوابة يشاهد قاعة أبعادها /15×15/م (لعلها كانت مقببة) لها عقود منفذة بالآجر والجبس, مازالت أثار هذا العقد تشاهد مع أثار الأعمدة الخشبية في الجزء المتبقي من المنشأة.

ويلاحظ أيضاً بقايا "المقرنصات"، حيث يوجد فوق هذه القاعة طابق ثان تعلوه قبة مرتفعة, حسب التقاليد المعمارية في كل من "بغداد" و"سامراء". وتخلل السور مجموعة من الطوق "طاقات" وظيفتها تحقيق حرية الحركة والاتصال للعسس المرابطين على السورين. إلى جانب ذلك من كل طاقة من الداخل كان يمتد شارع بشكل مستقيم ويخترق المدينة إلى ساحة مركزية تتوسطها, وكان يوجد داخل الساحة قصر الإمارة والمسجد الجامع, وكانت هذه الشوارع مكتظة بالدكاكين والحوانيت.

باب بغداد من الخلف

خنـدق المدينة: كان للمدينة خندق مائي يلفها من الجهات الثلاثة الشرقية والشمالية والغربية, أما في الجهة الجنوبية فكان "الفرات", وكان الخندق يتقدم السور الخارجي، ويشكل مانعاً مائياً للمدينة. وكان هذا الخندق يزوَّد بالماء من نهر "الفرات" عبر قناة حفرها الخليفة "هارون الرشيد" من مكان يبعد عن "الرقة" مسافة /17/كم غرباً "دامان". وقبل التوسع العمراني العشوائي للمدينة باتجاه الشمال، كنا نشاهد آثار هذه القناة والفرع الذي كان يزوَّدْ الخندق بالماء من قناة النيل.

وكانت أرضية الخندق مبلطة بمادة الآجر، من نوع آجر "الرقة" تبلغ أبعاده /40×40×5/سم، وكانت نهايات القناة من الجهتين الجنوبية الشرقية، والجنوبية الغربية مزَّودة بقساطل فخارية لتصريف المياه الزائدة من القناة إلى النهر. وكان للقناة أو الخندق أبعاد، فعرضه في الأعلى/15،90/م، وعند القاع /9،5/م. وحتى نهاية سبعينيات القرن الماضي كانت القناة موجودة لكن بعد ذلك ردمت من قبل مجلس مدينة "الرقة"، وجُعل مكانها شارع معبَّد يطوف المدينة من جهاتها الثلاث, والمساحة القائمة بين الشارع المنشأ والسور نُظِّمَ فيها حديقة خضراء على امتداد كامل السور المتبقي.

سور الرافقة، ويبدو في وسطه باب حران

وبعد أنْ انتهى المهندس المعمار من بناء السورين التفت إلى بناء ثلاث منشآت معمارية أخرى داخل السور الأول وهي: المسجد الجامع "مسجد المنصور" وقصر الإمارة, لكن هذا القصر دمر وأزيل في بداية القرن العشرين, وكان قائماً عند تقاطع شارع "سيف الدولة" مع شارع /23/ شباط الحالي. والمنشأة المعمارية الثالثة هي ما يسمى اليوم بـ"قصر البنات".