«انطباعي عن "الرقة" قبل أن آتي لزيارتها كان مبهماً وسلبياً، وكنت أعتقد أن سكانها عبارة عن مجموعة من القبائل البدوية مازالوا يسكنون الخيام، وما عزز ذلك ما قرأته بدليل "برانت" السياحي، وهو من أشهر الأدلة السياحية في العالم المنشورة باللغة الإنكليزية، إذ يقول بما يخص "الرقة":

"لا يوجد هناك شيء مميز عن "الرقة"، وبالتالي لا داعي لزيارتها"، لكني في الحقيقة تفاجأت عند زيارتي لمدينة "الرقة"، إذ وجدت الناس على حقيقتهم، بسطاء جداً، والابتسامة لا تفارق شفاههم، يبادرونك بالتحية فور لقائك، وتدهش من طريقة التعامل التي لا تخلو من الطيبة والمحبة الطافحة».

أتمنى العودة إلى "الرقة" مرة ثانية وثالثة، فرتم الحياة في دمشق متسارع، وسط ازدحام كبير، أما إذا أردت البحث عن راحة البال، فيجب أن تأتي إلى "الرقة" دون تردد، فهي توفر لك كل ذلك في ظل أهلها الطيبين

هذا ما ذكره لموقع eRaqqa البريطاني "فيليب ساندس" الصحفي في مجلة "سيريا تودي"، في معرض حديثه حول زيارته الأولى إلى الرقة، وانطباعه عن أهلها.

الصحفية إيما لوبلانك

ويتابع في السياق ذاته، قائلاً: «في "الرقة" الناس بسطاء، عكس ما تراه في مدينة "دمشق" مثلاً، فهم يتعاملون مع السائح هناك بجدية، وبلغة العمل والأرقام، العديد من الناس يتكلمون اللغة الإنكليزية، ويجيدون التعامل مع الأجنبي، أما في "الرقة"، فالباعة يدعونك إلى محلهم لشرب الشاي أو القهوة، ويعرضون بضائعهم، ولا يريدون ثمنها.. اليوم زرت السوق القديم، وحاولت شراء بساط قديم، وسألت عن سعره، لكن البائع، واسمه "معتز"، لم يأخذ ثمنه، لكن بعد إصرار شديد لم يأخذ إلاّ جزءاً يسيراً من ثمنه، وبعد أن دعاني لشرب الشاي لديه، تعرفت عليه، وعلى طباعه التي تعكس طيبة قلّما تجدها في مكان آخر، وهو يتصرف مع السياح الأجانب بنفس الطريقة والأسلوب».

كما التقينا الكاتبة الأمريكية، "إيما لوبلانك"، التي تعمل مصورة فوتوغرافية في مجلة "سيريا تودي"، والتي ترافق الصحفي "فيليب ساندس" في زيارته إلى "الرقة"، الذي يعد تقريراً صحفياً حول الواقع السياحي والاجتماعي في "الرقة"، تقول: «قبل أن آتي إلى "الرقة"، توقعتها بلدة صغيرة، ووجدت المدينة تتمتع بصفات حضارية، ومبانيها جميلة، ومبنى دار الحكومة من أجمل المباني في سورية، وما يميز "الرقة" وفرة الساحات العامة، والشوارع العريضة، التي تتميز بالنظافة، والمنارة ليلاً، وتوفر جميع الخدمات التي تجعلك تشعر بأنك في مدينة حديثة بكل ما تعني الكلمة من معنى.

إيما وفيليب مع مراسل إيسيريا

أما بالنسبة للسياحة في "الرقة"، فقبل أن نأتي إلى هنا كنّا نملك تصوراً كاملاً عن نهر "الفرات"، وأنا أستغرب عدم وجود منشآت سياحية على شاطئيه، وكنت أعتقد بأننا سنرى خدمات متطورة في هذا الجانب، فمثلاً، يفتقد الناس إلى الأماكن المخصصة للسباحة في نهر الفرات، كما يجب أن يكون على نهر الفرات أماكن لتأجير القوارب والدراجات المائية، فالسائح يحب أن يقضي وقتاً طويلاً من إجازته في شيء جديد يضفي عليه البهجة والسرور، كما تحتاج "الرقة" إلى فنادق، ليست بالضرورة ذات أبهة في العمارة والتصميم، بل تكتسب أهميتها من البيئة المحلية، على أن تكون الخدمات التي تقدمها من فئة الخمسة نجوم، فالسائح الأجنبي يحب أن ينفق أمواله في ظل خدمات سياحية عالية، وليس بمستوى متدنٍ من الخدمات، وكمثال على ذلك يجب الانطلاق في التوجه السياحي من البيئة المحلية، والحفاظ على أصالة الطابع المحلي، ويتم ذلك ببناء أكواخ وبيوت من الطين ضمن حوائج نهر "الفرات"، أو على ضفافه، مع توفير خدمات فندقية عالية المستوى، والقيام بحملة ترويج واسعة، تتضمن التعريف بهذا المنتج السياحي، وما توفره الزيارة المرتقبة من قيمة مضافة في مجال السياحة النهرية والبيئية، وهذه تؤمن عائداً ربحياً لشريحة كبيرة من أهالي المنطقة».

وحول رؤيتها عن المرأة في "الرقة"، والأزياء وطريقة التعامل، تقول "إيما": «رأيت النساء في "الرقة" أكثر انفتاحاً، وتقبلاً للتعامل مع الأجنبي ببساطة لم أكن أتوقعها مطلقاً، وهن يتمتعن بجمال طبيعي، كما أن تنوع ألوان الأزياء يضفي عيهن جمالاً على جمال، فقد أدهشتني بضع نساء في أحد حقول القمح، الذي يطغى عليه اللون الأصفر، بأزيائهن التي تتداخل فيها ألوان الأحمر والأخضر والأزرق مع الأصفر المحترق بأشعة الشمس، وكأنك أمام لوحة تشكيلية لأحد أهم فناني عصر النهضة».

مع محافظ الرقة

وتختتم "إيما" حديثها، قائلة: «أتمنى العودة إلى "الرقة" مرة ثانية وثالثة، فرتم الحياة في دمشق متسارع، وسط ازدحام كبير، أما إذا أردت البحث عن راحة البال، فيجب أن تأتي إلى "الرقة" دون تردد، فهي توفر لك كل ذلك في ظل أهلها الطيبين».

وحول طعام أهل "الرقة"، يقول "ساندس": «تناولت الطعام في عدّة بيوت، إضافة إلى بعض المطاعم، وهو على العموم طيب المذاق، وقليل الدسم، وهو صحي، كما أننا شربنا الماء من الصنبور مباشرة دون أن يتملكنا أي شعور بالخوف، نتيجة علمنا بأنه يرد مباشرة من نهر "الفرات"، إضافة إلى أن العديد من أهالي "الرقة"، يقدمون لك "الشنينة" بعد وجبة الغداء، وهي غاية في الروعة، وهي تدفعك لممارسة طقس القيلولة بعد الغداء مباشرة، وبالمحصلة أتمنى أن أعود لزيارة "الرقة" مستقبلاً، لكي أستطيع اكتشافها أكثر وأكثر».

ويختتم "ساندس" حديثه، قائلاً: «لعّل المشهد الذي حظينا برؤيته، والذي أعتقد بأنه لن يتكرر معنا مرة ثانية، هو رؤيتنا للعجاج، وهو يلف سماء "الرقة"، والعاصفة الرملية التي ضربت المحافظة، حيث كان الطقس أكثر من رائع، وكانت فرصة لنا لالتقاط الصور الجديدة عن هذه الظاهرة، فالشمس لا تراها برتقالية في سماء "دمشق"، أو في مكان آخر، كما تراها في "الرقة"».

يذكر بأن فريق مجلة "سيريا تودي" Syria today يزور "الرقة" لأول مرّة، وهو يتألف من الصحفي البريطاني "فيليب ساندس"، والمصورة "إيما لوبلانك"، والمترجم الصحفي "عبيدة الحمد"، الذي قام مشكوراً بترجمة اللقاء، وتهدف الجولة زيارة "قلعة جعبر" الأثرية، و"بيت الرقة التراثي"، ومحمية "الثورة" البيئية، وبحيرة "الأسد"، والمقامات الدينية، والمعالم الأثرية في مدينة "الرقة"، ونهر "الفرات، والأماكن السياحية المقامة على ضفافه، والتقى الفريق في هذا الإطار الدكتور المهندس "عدنان السخني"، محافظ "الرقة"، وأجرى معه حواراً مطولاً، حول واقع الاستثمارات في "الرقة"، كما التقى مدير السياحة، ورئيس دائرة الحراج في زراعة "الرقة"، والعديد من الفعاليات الثقافية والفنية والاجتماعية في المحافظة، وأجرى معهم حوارات واسعة حول الواقع السياحي والاجتماعي في المحافظة.