«هناك العديد من القرى أو النواحي أو المناطق في مدينة "الرقة"، التي ورد ذكرها في الوثائق التاريخية، وذلك قد يكون لأهمية موقعها سواء من الناحية العسكرية أو الاقتصادية، أو لأنها كانت مسرحاً لأحداث تاريخية هامة، وغير ذلك من الأسباب، ولعلَّ من بين المناطق الرقية التي ورد ذكرها في الوثائق العثمانية، هي قضاء "السبخة" أو ناحية "السبخة" حالياً، حيث تبين هذه الوثائق، التطور الإداري لهذه الناحية، وذلك ابتداءً من منتصف القرن السابع عشر وحتى مطلع القرن العشرين».

هذا ما قاله الباحث الرقي "حمصي فرحان الحمادة"، لموقع eRaqqa بتاريخ (12/12/2009)، في معرض حديثه عن التطور الإداري لناحية "السبخة" الواقعة شرق مدينة "الرقة"، وتبعد عنها حوالي /30/ كم، حيث يقول:

نعلمكم أن سلفكم "محمد كنج" قد أظهر عجزاً في ملاحقة العربان، لذا نرى عزله وتكليفكم بالمهمة، لقاء مبلغ /15/ ألف "غرش"، أواخر ذي الحجة، سنة/1153/هـ

«كان السلطان مراد الرابع (1623-1640) أعظم سلطان عثماني اقترن اسمه بالأساطير لدى البدو الفلاحين حسب قول "لونكريك"، ومما يروى عنه: أنه مرَّ بطريقه عام /1636/م، على قرية "الدلحه" إلى الغرب من "السبخة"، وأكرمه أحد أفراد عشيرة "الجمَّاسة"، وكان اسمه "ذيب"، وجاموسته تدعى "نملة"، فقال السلطان عند عودته لعاصمته: «نملة وراعيها ذيب، أكلنا منها رائباً وحليب»، وأعفى كل الجواميس على "الفرات" و"دجلة" من الضريبة التي كانت تقدر بـ/22/ "أقجة"، وأطلق على سنجق "السبخة"، سنجق "الجماسة"، ومازال "الجماسة" إلى اليوم، يعيشون في هذه القرية، وهم عشيرة من "البوشعبان".

الباحث حمصي فرحان الحمادة

كانت إمارة بادية الشام متدوالة بين أفراد عشيرة "البو ريشة"، فتولاها "حمد آل عباس" في سنة /1725/م، وأول عملٍ قام به، تصفية ورثة والي "الرقة" "عثمان باشا"، بتنفيذ المرسوم السلطاني الذي صدر عن القسطنطينية، موجهاً إلى والي "حلب"، "عبد الله باشا"، ومتسلم "الرقة"، "سليمان"، ومتسلم "دير الرحبة"، و"سلمية"، و"سنجق الجماسة"، ناحية "السبخة" وتوابعها "حمد آل عباس باشا"، بالتحري والقيام بالإجراءات اللازمة للحصول على متروكات وزيرنا "عثمان باشا" المخفية: «لقد تبين لنا أن والي "الرقة" الذي سقط شهيداً عند افتتاح مدينة "تبريز" كان مديوناً بأموال طائلة، تقدر بـ/58138/ قرشاً للأملاك والأموال الأميرية لمقاطعة "الرقة"، أواسط جمادى الآخر /1138/م، السلطان "أحمد الثالث"».

في /24/ ذي القعدة /1147/هـ - /1734/م، صدر عن محكمة "أورفا" ما يلي: «جاء من الوزير "أحمد باشا" والي "الرقة" بتوجيه الإمارة إلى شيخ "الموالي" الشيخ "فندي الحسين البو ريشة" على قضاء "السلمية"، و"دير الرحبة"، و"سنجق الجمَّاسة"» وقد وصل في أواسط صفر عام /1147/هـ للشيخ "فندي الحسين" تنبيه وإنذار موجه إلى أمير الأمراء "حمد العباس باشا"، المتصرف في أقضية "دير الرحبة"، و"السلمية"، و"سنجق الجماسة"، والعشائر في "حمص" و"حماة"، و"معرة النعمان" وتوابعها: «نطلب إليكم صيانة وحماية الأهالي، ومنع تعديات بعض العربان، ليكون الجميع بحالة طمأنينة، وراحة بال، وإحلال العدل والحق، وحفظ السكان والرعايا، ورفع الظلم عن الضعفاء، صدر عن مقام "القسطنطينية" في أواسط صفر /1147/هـ».

وفي عام /1737/م، جاء تعيين "محمد آغا كنج"، وطلب منه المحافظة على عربان "الموالي" بعد وفاة الشيخ "فندي الحسين"، واعتباره مسؤولاً في أقضية "دير الرحبة"، و"السلمية"، و"سنجق الجماسة" عن توزيع المؤونة لمدة /53/ يوماً، حرر هذا "الفرمان"، في ربيع الأول /1150/هـ من قبل السطان "محمود الثاني بن مصطفى الثاني".

وفي كتاب موجه من "أحمد باشا" والي "حلب" و"الرقة" إلى "حمد العباس باشا"، في عام /1739/م، كما تشير المخطوطات: أن الذين شغلوا أراضي شامية "الرقة"، و"سنجق الجماسة" وجزيرتها من "الشوايا" والعربان، لم يدفعوا ما عليهم، فأوعزنا إلى أمين سر "حلب" "الحاج علي آغا" أن يلتزم تحصيل الضرائب بمعرفة شيخهم "حمد السقلاوي" لقاء أتعابه وقدرها /2000/ قرش.

وفي سنة /1740/م، اضطرب حبل الأمن وكثرت تعديات العربان على القوافل، وبدا عجز الشيخ "محمد آغا الكنج"، فعادت الدولة وأسندت إلى الأمير "حمد العباس"، منصب المحافظة على الأمن بأمر سلطاني موجه إلى متصرف "دير الرحبة"، و"سلمية"، و"سنجق الجماسة"، يقول: «نعلمكم أن سلفكم "محمد كنج" قد أظهر عجزاً في ملاحقة العربان، لذا نرى عزله وتكليفكم بالمهمة، لقاء مبلغ /15/ ألف "غرش"، أواخر ذي الحجة، سنة/1153/هـ». وقد جاء تكليف متصرف "دير الرحبة"، و"السلمية"، و"سنجق الجماسة"، الشيخ "حمد العباس" بحجة شرعية لحماية سكان "حلب" وأطرافها و"حمص" و"حماة" و"الشامية" وعشائر "رشوان" من تعدي العربان عليهم.

ثم جاء في أمر سلطاني صادر في أوائل شعبان /1156/هـ - /1743/م، ما يلي: «بناءً على وفاة شيخ عشيرة "الموالي"، واختيار العشيرة إياكم "حسن بن عباس" وبناءً على التوصيات الواردة بحقكم من والي "طرابلس" الوزير "مصطفى باشا" وإنهاء الوزير "أحمد باشا" تعيينكم قائداً، نقلدكم إمارة العشيرة، رغماً عن نزوح ابن الشيخ "محمد الكنج"، وأخيكم "رجب" إلى "البصرة" و"بغداد" مع قلة من العشيرة، نود إليكم المحافظة على الأمن وحراسة الأهلين، وحماية الطرق في منطقة "السلمية"، و"دير الرحبة"، و"سنجق الحماسة"».

بسبب اختلال الأمن، بجعل إمارة الموالي إلى "ابن كنج" بدلاً من الشيخ "حسن آل عباس" لم تستتب الأمور، وكان ذلك عام /1744/م، فبدأت البوادي تمور بالعربان، الذين يتعدون على الفلاحين الآمنين، مما اضطر الدولة إلى إرسال أمر سلطاني، يعين فيه الأمير "حسن آل عباس" جاء فيه: «نظراً لأنكم أكبر وألين وأشجع أمراء قبيلة "الموالي"، فضلاً عن أنكم المتصرف السابق لـ"دير الرحبة" و"السلمية"، و"سنجق الجماسة"، "السبخة"، نوجه إمارة عشيرة "الموالي" إليكم، اعتباراً من /2/ ربيع الأول /1157/هـ».

ويتابع "الحمادة" حديثه في السياق ذاته: «في سنة /1280/هـ الموافق /1864/م، أُلحقت "دير الزور" بولاية "حلب"، وكانت ملحقة بـ"أورفا"، وجُعلت "الرقة" ناحية أُلحقت بـ"دير الزور"، وفي سنة /1285/هـ/1869/م، جُعلت "الرقة" مركز قضاء، وألحقت بمتصرفية "دير الزور"، وفي عام /1870/م، جعلت "دير الزور" مركز لواء، ملحق بـ"حلب"، وجعل متصرفاً فيه "أرسلان باشا"، فأُلحق به قضاء "الرقة"، و"السبخة"، و"العشارة"، و"البصيرة"، و"بوكمال" و"الشدادي"، و"سنجار"، و"نصيبين"، و"رأس العين"، و"ديران شهر"، و"مسكنة"، وجعل "تدمر" ناحية ملحقة به و"تل عفر"، وفي سنة /1876/م، انفصل لواء "الرقة" عن "حلب"، وجعل ارتباطه بـ"اسطنبول" وأُلحق قضاء "السبخة" بـ"دير الزور".

وفي عهد الوالي "أرسلان باشا" (1870-1877م) أصبحت "الرقة" مركز لواء، وألحقت بـ"حلب" ومعها "سنجق السبخة"، و"مسكنة"، و"الخابور"، و"تل عفر"، و"سنجار"، وفي سنة /1883/م، فُصلت ناحية "السبخة" عن قضاء "دير الزور"، وألحقت بقضاء "الرقة"، بناءً على طلب شيوخ العشائر، أما في سنة /1917/م، أُعيد قضاء "الرقة" إلى لواء "دير الزور"، وكان في عزم الحكومة، أن تجعل كلاً من "السبخة"، و"الحسكة"، قضاءً تسميه قضاء "الخابور"، وتجعل لكل منهما نواحٍ تجاوره، وفي عام /1922/م، استقر حالة لواء "دير الزور"، وفي هذا العام ألحقت ناحية "معدان" بقضاء "السبخة"».