"الكمأة" من النباتات التي تظهر في بدايات الربيع، في سنين الخير، واشتهرت بها أراضي البادية، لقلِّة الزراعة والرعي فيها، وصفت بأنها ابنة البرق والرعد، ويفيض موسمها إن جاء المطر في أوائل الخريف، وسعرها أعلى من سعر اللحم، وهي من أنكه المأكولات، وتؤكل بطرائق متعددة، حسب البيئة وما اشتهرت به مطابخها.

وقد وصل سعر الكيلو غرام الواحد في موسم هذا العام إلى نحو /800/ ليرة سورية، والأدنى منها وصل إلى حدود /300/ ليرة سورية، وعلى مرِّ السنوات الخمس الماضية، التي حفلت بانحباس مطري، خاصة في أشهر الخريف، كادت تنقرض، سوى من بعض الكميات التي ترد من أراضي "البادية" الممطورة، أو من "بادية" العراق، وشهدت الأسواق المحلية في هذه السنة نوعاً جديداً من "الكمأة"، ورد من نواحي بلاد المغرب العربي، وهي بسعر أقل من أسعار "الكمأة" السورية، التي تعتبر من أغلى أنواع "الكمأة" في العالم.

تلفظ بالسريانية القديمة: "كيما"، وكذلك بالآشورية، واستمدت العربية منها التسمية، لأن اللغة العربية آخر مرحلة من مراحل تطور اللغة السريانية. وأهل "الرقة" يقولون عن الواحدة المفردة "جماية"، والجيم فارسية، وجمعوه على "جمه" فأبدلوا الألف المهموزة في آخر الكلمة، بهاء متروكة

وللتعريف بـ"الكمأة" وأنواعها، ووصفها، وما قيل فيها من شعر، وما حملته الذاكرة الشعبية في هذا النوع من النبات، ومواقع تواجدها في "الرقة"، وطرائق طبخها، التقى موقع eRaqqa بتاريخ (2/3/2009) الباحث في التراث الشعبي الفراتي السيد "علي السويحة"، الذي تحدث بداية عن "الكمأة" لغة، بقوله: «"الكَمْءُ"، و"الكمأة" جنس فطور من فصيلة "الكمئيات"، لها لون يميل إلى الغبرة، تنبت وتتكاثر تحت الأرض، فتجنى وتؤكل مطبوخة، ويختلف حجمها بحسب أنواعها، وجمعها "أكْمُؤ"، و"كَمْأَةٌ"، و"المكمأة" الموضع الذي تكثر فيه "الكمأة". و"الكمَّاء"، هو بياع "الكمأة"، وجانيها للبيع، وأهل الفرات أبدلوا الهمزة بياء في آخر الكلمة، ولفظوا الكاف جيماً فارسية، فأصبحت "جماي".

من أنواع الكمأ الجيد الأغلى سعراً

وترد على لسان أحد المطربين العراقيين:

جماي ماني جماي/ درب الجما اندليتو

نوع آخر من الكمأ

والله هواها يعذب/ طول العمر داريتو.

والعرب يأنفون من الإقبال على تجارة "الكمأة"، فقد أنشد "أبو حنيفة":

من أنواع الكمأ الرخيص سعراً

لقد ساءني والناس لا بعلمونه/ عراجيل كمَّاء بهن مقيم.

وذكر "لسان العرب": سمعت إعرابياً يقول: بنو فلان يقتلون "الكمَّاء" والضعيف، دلالة على أن من يجني "الكمأة" ويبعها به ضعف مادي، وكنا نسمع باعة "الكمأة"، ينادون عليها: "سمرة يا بنت العرب"».

وعن أسماء "الكمأة"، يقول "السويحة": «تلفظ بالسريانية القديمة: "كيما"، وكذلك بالآشورية، واستمدت العربية منها التسمية، لأن اللغة العربية آخر مرحلة من مراحل تطور اللغة السريانية. وأهل "الرقة" يقولون عن الواحدة المفردة "جماية"، والجيم فارسية، وجمعوه على "جمه" فأبدلوا الألف المهموزة في آخر الكلمة، بهاء متروكة».

ويتحدث "السويحة" عن أماكن وجودها في مناطق "الرقة" قائلاً: «لقد عاصرنا سنين "الكمأ" منذ خمسين عاماً، ولكن لم نرَ مواقع وجوده في المناطق المحيطة بمدينة "الرقة".

وقد ذكر لي أحد المعمرين أن وجوده ما بعد شارع /23/ شباط، حتى سور "الرافقة"، وهذا الموقع يقع في وسط "الرقة" حالياً، وقال آخر: إن أكثر وجوده في منطقة "تل البيعة"، وما حوله، وشمالاً حتى "جورة السوس"، و"تل المعز"، وهما موقعان شمال مدينة "الرقة"، بعد سكة الحديد بقليل.

وأكثر تواجده في مناطق "البادية" البعيدة عن الرعي والزراعة، وحول "الرصافة"، أو في جبل "البشري"، أو ما بعد جبل "الحوار" (جبل الشامية). وأكثر ما كان يجتنيه هم الرعاة، بحكم تجوالهم الطبيعي في البراري، فكان الراعي يحضر مساءً إلى بيته، وفي جعبته كمية تكفي عشاء أفراد أسرته».

ويصف "السويحة" "الكمأ" بقوله: «هو نبات متولد بباطن الأرض، بلا بذر، ولا عرق، ولا ورق ولا زهر، وهو من رتبة "الزقيات"، والفصيلة "الكمأية" أرضية تنتفخ حاملة بوغها، وتؤكل مطبوخة.

ويعتقد العرب أن بقاءها تحت الأرض لعام آخر، فيمطرها مطر الصيف، فتتحول إلى أفاعٍ، ومعظم "الأكمؤ" في ديار الشام من الجنس الذي اسمه: (terfezia)، ويكون حجمها ما بين الجوزة، إلى ملء قبضة اليد، ويتكاثر طبيعياً في السنة الممطرة، وخاصة في الأراضي التي تتعرض إلى مطر الوسمي (مطر الخريف).

ويستدل عليه من ارتفاع الأرض التي تكمن فيه "الكمأة"، ووجود نبات "الجريد" في منطقة ما، هو مؤشر على وجود "الكمأ"».

وعن اعتقاد أهل "الرقة" بزراعة "الكمأة" وتكاثره الطبيعي، يقول: «كنا نرى في سنين الخير "الكمأة" بكثرة، فالناس يقبلون على شرائه، وحينما تنتهي المرأة من تنظيف "الكمأة"، تسفح الماء في "الجنينة"، التي لم تكن تخلو من بيت، أملاً أن ينبت في العام القادم في ذات المكان، ومن المؤكد أن الماء المسفوح الناتج عن غسل الفطر، ينبت فعلاً في العام القادم الفطر. لذلك خلص أهل "الرقة" بأن "الكمأة" لا تزرع على عكس "الفطر".

أما عن تكاثره فهناك علاقة ما بين البرق والرعد، وظهور "الكمأ"، ويقال أن "الكمأ" ابنة البرق والرعد، وكنا صغاراً نسمع الرعد ونرى البرق، فنرتعب، فتردد أمهاتنا عبارة: إذا لم ترعد ولم تبرق، لن تأكلوا "الكمأ"، فتهدأ نفوسنا».

وعن أنواع "الكمأ"، يقول: «من أنواعها "الزبيدي"، وهو كبير الحجم، شكله الخارجي يميل إلى البياض، وداخل أبيض ناصع، إسفنجي غير منتظم الشكل، وسمي بالزبيدي، لأن داخله الأبيض، يشبه الزبدة، وهو من أرخص الأنواع.

الكمأة التي تميل إلى الغبرة السوداء، فهي ملساء ناعمة، محتواها صلب، وحجمها من الجوزة إلى محتوى قبضة اليد,

"الجبأة"، ويقول عنها أهل "الرقة": "الجباة"، بإهمال الهمزة، وتميل إلى الحمرة، وقد شبه أهل "الرقة" آخر مرحلة من مراحل حفر الآبار، وعلى ترابه المستخرج "الجباة"، أي الأرض الحرّة الحمراء، تشبيهاً بـ"الجباة" الحمراء.

ومن طرائف ما ذكر بين البائع والمشتري عن "الكمأ"، أن بدوياً رأى في سوق "الرقة" أنواعاً متعددة من "الكمأ"، فسأل أحد الباعة عن أسعارها، فقيل له: ما بين /500/ إلى /700/ ليرة سورية، فأطرق قائلاً: ولما اختلاف السعر؟ فكله "جما"! فرد عليه البائع: من أي القبائل أنت؟ فأجابه: من عنزة، فقال البائع: هل كل "عنزة" مثل "أبو العيش" "مجحم بن مهيد"؟ فسكت البدوي وانصرف».

ويتحدث باحثنا "السويحة" عن طرائق طبخ "الكمأ" عند أهل "الرقة"، قائلاً: «تحك وتنظف من الرمل والتراب، وتسلق في الماء المملح، وفي هذه الحالة تؤكل كنقل، وتفرم بعد سلقها وتقلَّى بالسمن العربي، وبوضع فوقها البهار.

وأيضاً يجعلونه مع اللحمة والسمنة، وتوضع فوق البرغل، وتطبخ مع البرغل، بعد قليها بالسمن، وتوضع دقائق على النار، ثم تقدم، كما يطبخها الأغنياء "محشي" وتحشى بعد تفريغها باللحمة والمكسرات، وأيضاً تفرم مع اللحمة وتشوى على النار بطريقة "الكباب"، وهذا النوع من أنكه أنواع طبخها، أو تشوى مع لحمة الشقف.

وذات مرّة سألت أحد أطفالي عن طعمها، فقال: مثل طعم البطاطا، إلاّ أن سعرها غالٍ، وأطرقت رأسي ساهماً، وأنا أردد: أن كثيراً من سواد الناس، إن لم يعرفوا طعم "الكمأ"، فقد نسوه..!».

وعن كيفية حفظ "الكمأ" (المونة) عند أهل "الرقة"، يقول "السويحة": «يكثر "الكمأ" في سنين الخير، ولكثرته يجمع كل بيت ما اجتناه، فيشققونه (شقيق)، وفصيحه في اللغة وشيق، وأهل "الرقة" قلبوا الأحرف، ولفظوا القاف جيماً مشبعة، وقد يكون من شق، فلفظوه (شجَّ)، والشق هو الشج لغة، والوشيج لغة هو لحم مقلي، يقدد، ويحمل في الأسفار، وهو القديد، لا تمسه النار.

وأهل "الرقة" يشججون، أي يقددون الخضروات الصيفية، وأيضاً "الكمأ"، فيحفظونه لموسم الشتاء، كما فعل أجدادنا حينما صنعوا من "الدبشي" (البطيخ الأحمر) دبساً لكثرته».

وعن ورود "الكمأ" في تراث "الرقة" الشعبي، يقول "السويحة: «يعتبر المجتمع الفراتي من المجتمعات العريقة بتراثها وأغانيها وأهازيجها وأمثالها الشعبية، وقصصها ورواياتها الشفاعية، ويتشابه المجتمع الفراتي من مدخل الفرات في سورية إلى مصبه في "شط العرب"، وكتبوا وغنوا عن كل شيء، ولم ينسوا "الكمأ"، فغنت المطربة الشهيرة "سميرة توفيق" من تراثنا الفراتي العريق:

بين "الرقة" و"دير الزور"/ طالع جما يا طيبو

عبـد السـلام موصي/ كلمن ياخذ عشيره.

وغنى المطرب العراقي "سعدون الجابر":

جماي ما ني جماي/ درب الجمـا اندليتو

والله هواهـا يعذب/ طول العمـر داريتو

وغنوا أيضاً في إحدى الأغاني الشعبية:

ونهود كفع "الجما"/ ونهود ريانه

كما ذكرها الشاعر الكبير "عبد الله الفاضل" بقوله:

هلي يا أهل المحمس والبريجاي/ وقهوة غيرهم حنظل بريجاي

هلي يا الغيمة البيها البرق جاي/ وبيها الروض واجد والجما».

ويختتم "السويحة" حديثه قائلاً: «وأهل "دير الزور" يتزايدون على "الكمأ" عند الشراء بالجملة، كما يحدث حين تنزل "البامياء" إلى السوق. وهم يتناولون "الكمأ" ثريداً كثريد "البامياء".

وفي سنين الخير يلجأ تجار "دير الزور" إلى تصريف بضائعهم إلى أقرب سوق لهم، وهو سوق "الرقة"، التي أصبحت سوقاً لـ"دير الزور"، كما كانت "بغداد" سوقاً لمنتجات "الرافقة" (الرقة)، فيباع فيها زيت "الرقة" وصابونها وحبوبها».