«حتى الأمس القريب، كانت منطقة "تل ابيض" تُعرف بنبع "عين العروس"، وتُشتهر بها، فهو من علاماتها البارزة، ونقطة جذب سياحية هامة، ومن مياهه يتشكّل نهر البليخ، الذي كان يتدفق بمياهه الثرّة ليروي أراضي المنطقة، ويعمّر سهولها، وعلى ضفاف النهر، وفي جوار النبع، كانت تنمو أشجار الصفصاف والسرو والتوت، وفي أفيائها كان المصطافون يقضون أجمل الأوقات، وأمتعها.

وقرب النبع وإلى الشرق منه قليلاً كان هناك نبع للمياه الكبريتية الساخنة، يُعرف بحمام "علي"، يقصده طالبو الاستشفاء من الأمراض الجلدية، وإلى جواره من جهة الجنوب ما تزال آثار الطاحونة القديمة شاهدة على وجودها، وفي المنطقة مقام للنبي "إبراهيم" عليه السلام، وشكّلت هذه العوامل مجتمعة، فرادة موقع النبع، وميزة إضافية لقرية "عين العروس"، فقصدها المصطافون، وأصبحت موئلاً لطالبي الراحة والاستجمام من شتى المدن السورية».

ذكرياتنا عن النبع لا تنسى، فعلى ضفافه دفنا أجمل الذكريات، وفي أفيائه غنّينا أعذب الألحان، وأشجاها، وكلنا حنين أن يعود ذاك الماضي الدافئ، سيما ونحن نشهد بوادره الأولى، بعودة المياه إلى مجاريها، والمشروع المتكامل الذي يجري تنفيذه حالياً، والذي سيسهم في إعادة الحياة إلى منطقة النبع، وإعمارها

هذا ما ذكره لموقع eRaqqa بتاريخ (16/2/2009) السيد "توفيق الحاج إمام" من أهالي قرية "عين العروس" في معرض حديثه عن تاريخ النبع، وما آل إليه في السنوات الأخيرة، وتعديات الأهالي على مجراه، وآثار ذلك على تلوث المياه والتربة.

مدخل نبع عين العروس

ويضيف "الحاج إمام" قائلاً: «بدأت مياه النبع تغور منذ بداية التسعينات، إلى أن نضبت نهائياً في عام /1994/، وتحول النبع إلى مكبٍ لنفايات المدينة، وباتت أقنية الصرف الصحي تصب مياهها الآسنة في مجراه، فتحولت المنطقة المحيطة بالنبع إلى بؤرة للأوبئة والأمراض السارية، وفي السنوات الأخيرة عاد النبع إلى تدفقه، وأصبحت مياهه تجري طيلة فصل الشتاء والربيع، وتنضب في الصيف، ولكن في السنتين الأخيرتين بات النبع دائم الجريان، فماذا فعلنا في سبيل إيجاد مكب قمامة بديل وتنفيذ محطة للصرف الصحي؟».

وعن المشاريع التي أنجزت لتأهيل نبع "عين العروس" يقول السيد "خليل الباكو" رئيس مجلس مدينة "تل أبيض": «نفّذ مجلس المدينة مشروعاً متكاملاً لإعادة تأهيل نبع "عين العروس"، وعلى مراحل، وشملت المرحلة الأولى من المشروع تعزيل وتسوية أرضية النبع، وفرشه بالبحص الفراتي، وإنشاء قاعدة استنادية من البيتون المسلّح، مع حصيرة من الحجر البازلتي، وبوابات لعبور المياه، بكلفة قاربت /4/ ملايين ليرة سورية، في حين شملت المرحلة الثانية، إنشاء رصيف دائري يحيط بالنبع، ودربزون داخلي وخارجي، مع إنارة تزيينية ومقاعد حجرية، وأحواض للزهور ونباتات الزينة، بكلفة /1,7/ مليون ليرة، وقد انتهى المشروع بمرحلتيه الأولى والثانية، ونقوم حالياً بتنفيذ المرحلة الثالثة، وتشمل تجهيز حديقة تطل على النبع من الجهة الشمالية الغربية، مساحتها /14/ ألف م2، حيث تم تنفذ تصوينة للحديقة بكلفة /3,4/ مليون ليرة، وسنقوم بتجهيز الحديقة بالكامل خلال مراحل المشروع المتلاحقة».

العين يفيض بالماء من جديد

وعن كافة الأعمال التي قام بها مجلس المدينة في سبيل تأهيل منطقة النبع، وتعبيد الطرق المؤدية إليه، أضاف قائلاً: «ضمن خطة المجلس الاستثمارية لعام /2008/ قمنا بإعادة ترصيف الطريق الذي يربط طريق عام "الرقة" ـ "تل أبيض" بموقع النبع، بكلفة وصلت إلى /700/ ألف ليرة، وأكملنا المشروع في خطة العام الحالي بكلفة /600/ ألف ليرة، وعبّدنا طريقاً آخر ببقايا المقالع والكرابية الكلسية، وهو عبارة عن محلق خارجي يربط "عين العروس" بالنبع من الجهة الشمالية، وقد طرح مجلس المدينة المقصف المطل على النبع من الجهة الشمالية للاستثمار، وقد رسا على أحد المتعهدين وسيوضع في الاستثمار لاحقا بعد صيانته وتأهيله».

وحول مصادر تلوث نبع "عين العروس" والإجراءات التي اتخذها المجلس، يقول "الباكو": «سعينا من خلال كافة الجهات المعنية لتأمين مكب بديل لقمامة المدينة، وخاصة بعد عودة الحياة لمياه النبع، وتماشياً مع المشروع المتكامل لتأهيل منطقة النبع، واصطدمنا بعوائق كثيرة في هذا المجال، فما أن يتم إقرار الموقع الجديد لمكب القمامة حتى تبدأ معارضة الأهالي، وقد توقف المشروع مراراً، ونحن ننتظر حالياً الموافقة لشراء قطعة أرض صالحة لأن تكون مكباً لقمامة المدينة، وبديلاً عن المكب الحالي الذي يلوث مياه النبع، أما فيما يخص محطة المعالجة فقد تمت الموافقة على تنفيذ المشروع، وأجريت عليه كافة الدراسات اللازمة، وهو في طور التعاقد لتنفيذه، ونأمل أن تنتهي مشكلة المكب، ومحطة المعالجة مع انتهاء مشروع تجميل النبع، حتى تعود المنطقة إلى سابق عهدها، في استقطاب السياح والمصطافين».

مجرى النبع يعود للحياة

ويختتم "توفيق الحاج إمام" حديثه قائلاً: «ذكرياتنا عن النبع لا تنسى، فعلى ضفافه دفنا أجمل الذكريات، وفي أفيائه غنّينا أعذب الألحان، وأشجاها، وكلنا حنين أن يعود ذاك الماضي الدافئ، سيما ونحن نشهد بوادره الأولى، بعودة المياه إلى مجاريها، والمشروع المتكامل الذي يجري تنفيذه حالياً، والذي سيسهم في إعادة الحياة إلى منطقة النبع، وإعمارها».