اعتمد أهل "الرقة" قديماً على الطواحين المائية، التي كانت تقام على نهر "البليخ" لانتظام مجراه، وعدم فيضانه كنهر الفرات، وما زالت إحدى تلك الطواحين قائمةً في "عين العروس"، تمثل شاهداً على تلك المرحلة.

موقع eRaqqa وللحديث عن هذا الموضوع التقى بتاريخ (26/12/2008)، الباحث الأستاذ "حمصي فرحان الحمادة"، الذي تحدث لنا عن تاريخ الطواحين في "الرقة"، بالقول: «مع دخول الآلة إلى سورية، بعد دخول القوات الفرنسية، أنشئت مطحنتان في عام /1935/م، الأولى كانت للسيد "علي الويس"، حيث كانت تعمل على الفحم الحجري، وموضعها الحالي يقع إلى الجهة الجنوبية الغربية من باب "بغداد"، في موضع جامع الدكتور "عبد السلام العجيلي"، أما الثانية فكانت لـ"عبيد آغا الكعكه جي"، وكانت تعمل على الديزل، وهي تقع حالياً في مكان بناء "الكعكه جي"، في حارة "البكري"، وفي الثامن من حزيران عام /1937/م، قام "الكعكه جي" بإنشاء معمل للثلج بجانب الطاحونة، وكان الأول في محافظة "الرقة"».

عندما تم صناعة البوظة في محافظة "الرقة"، كان الأولاد يحملونا في أقماع خاصة ويدورون بها في الشوارع، وكنت من جملتهم، حيث كنا نقضي الساعات الطوال ونحن نجوب دروب المدينة، وحاراتها، وأزقتها، إذ كنا نبيع القطعة منها بفرنك واحد، وكانت أياماً رخيةً بالنسبة لنا، حيث كان للأشياء طعم آخر

وعن الطاحونة الثالثة وموضعها يقول "الحمادة": «وقام المرحوم "عبيد آغا الكعكه جي" بنصب طاحونة أخرى في منطقة ما بين الجسرين، في المكان الذي يطلق عليه حالياً "قباب الكعكه جي"، وذلك في عام /1937/م، كما تم إنشاء طاحونة أخرى في منطقة "السوافي"، لآل "الحاضري"، وذلك في أربعينيات القرن الماضي، وفي عام /1949/م، تم إنشاء طاحونة عرفت باسم طاحونة "البوز"، أنشأها "طحان إخوان" من مدينة "حلب"، وكان فيها محرك "رستم" قوة /75/ حصاناً، وأنشأ معها معمل للثلج، كما تم ولأول مرة في محافظة "الرقة" صناعة البوظة في هذا المعمل، سميت بوظة "لذيذة"، وكان ذلك في عام /1952/م».

بناء الكعكه جي حيث بنى عبيد آغا طاحونته

ويتذكر باحثنا "الحمادة" عن تلك الأيام فيقول: «عندما تم صناعة البوظة في محافظة "الرقة"، كان الأولاد يحملونا في أقماع خاصة ويدورون بها في الشوارع، وكنت من جملتهم، حيث كنا نقضي الساعات الطوال ونحن نجوب دروب المدينة، وحاراتها، وأزقتها، إذ كنا نبيع القطعة منها بفرنك واحد، وكانت أياماً رخيةً بالنسبة لنا، حيث كان للأشياء طعم آخر».

ويعود "الحمادة" للحديث عن الطواحين، فيقول: «أنشأ "جاسم الحاج عبو" طاحونة في بداية الخمسينيات، إلى الشرق من شارع "المنصور" حالياً، وانتقلت ملكيتها إلى الحاج "صالح المصارع" في عام /1952/م، ثم إلى "عبد الله الفرج"، الذي قام بنقلها إلى الجهة الجنوبية، بالقرب من مغسلة "العبو" للسيارات حالياً، وانحصر عملها لاحقاً على إنتاج الثلج، كما أنشأ في بدية الستينيات من القرن الماضي، الحاج "أحمد الخلف السعيد"، مطحنة في حارة عشيرته "الشبلي سلامة"».

الباحث الحمادة

ويختتم "الحمادة" حديثه لنا عن طواحين "الرقة" بالقول: «آخر مطحنة ما زالت تعمل حتى الآن، هي مطحنة "المغمورين"، الواقعة في حي "الرميلة"، ولكن بعد أن تم إنشاء مطحنة "الرشيد" التابعة للدولة، لم يعد يسمح بإنشاء طواحين أهلية، ومما أذكره وجود مطحنة خاصة لقشر "الأرز"، الذي اشتهرت منطقة من مناطق "الرقة" بزراعته، ودعيت خربة "الرز"، وأنشأ تبعاً لذلك السيد "جاسم الحاج عبو" في عام /1949/م تلك المطحنة الخاصة بقشر الأرز، وذلك في حارة "البرجكلية"».

ويذكر أن مراحل تنظيف القمح قديماً قبل إرساله للطحن، تبدأ بالغربلة، من قبل شخص مختص، أو النسوة في المنزل، وكان هنالك عدة "غرابيل" لهذا الأمر، ثم يمر بالمرحلة الثانية، والمعروفة بـ"الصوالة"، وهي غسله بالماء، ثم ينشر بالشمس لحين جفافه، وينقل للطاحونة، وكانت النساء غالباً هنَّ من يقمن بذلك بمساعدة الأطفال.