هل حقيقةً أنَّ "الرقة" بعد غزو المغول لها، وتدميرهم ثقافتها الحضارية وبنيتها الداخلية، بقيت قروناً طويلة، أرضاً خراباً، سكنتها الغربان، وعافها البشر؟ وهل صحيح أنها لم تكن حتى الماضي القريب مأهولة بالسكان؟ سؤالان أثارا الكثير من الجدل بين أوساط الباحثين في تاريخ "الرقة"، موقع eRaqqa وبتاريخ (11/11/2008) التقى بالباحث "محمد العزو"، وبسؤاله عن الواقع الديموغرافي للرقة، بعد الغزو المغولي لها، تحدث بقوله: «في حدود عام /1321/ م، الموافق /731 /هـ، زار أبو "الفداء" "الرقة"، وقد ذكرها في تقويمه حيث يقول: «"الرقة" في زماننا مدينة خراب ليس فيها أنيس»، وبعد أكثر من قرنين وربع من زيارة "أبي الفداء" لمدينة "الرقة" لم نعرف عن أخبارها شيئاً يذكر، حتى جاء عام /1574/م حين زارها الطبيب "ليونهارت واوولف"، حيث يَذكرُ في تقرير له وصفاً لقصر في المدينة و/1200/ جندي من جنود السلطان التركي، وكانت المباني والأسوار بحالة يرثى لها، يبدو أنَّه بعد التدمير الذي لحق بالمدينة إثر الغزو المغولي لها, قد بنيت بعض مبانيها، وأنه حدث استيطان جديد ربما وقع مع إنشاء المراكز التركية، وكنقطة ومحطة هامة لطرق الاتصال بين سورية والعراق ولم تكن حينها ذات أهمية تذكر، وحسب رأي الرحالة "ليونهارت" فإنَّ التجار فضلوا أنْ يستعملوا الطرق التجارية ذات المسار الشمالي، المارة بالبيرة "براجيك" حيث تجتاز الفرات وتتابع طريقها إلى "أورفه" (أديسا).

وفي/1650/م قام الرحالة التركي "أولياء جلبي" بزيارة إلى "الرقة"، وقد أكد في كتابه "سياحة ناما" أنَّ "الرقة" كان فيها سكان ثابتون، ويذكر أيضاً أنَّ "التركمان" قد دمروا المدينة وعلى أثرها أصبحت "الرقة" تابعة لأورفا (أديسا)، وحسب النظرية الشعاعية التي يقول بها علماء الآثار والتاريخ، فإنَّ "الرقة" كانت مكاناً للِّقاء الشتوي للعرب والتركمان، بينما هي في شهر تموز خالية على الإطلاق من السكان، وكانت "الرقة" في تلك الفترة وحتى في الفترات اللاحقة، مكاناً قصياً لذلك نجد أنَّ الرحالة الأوربيين المتأخرين، الذين كانوا يأتون عبر "براجيك" و"أورفا" والمنطقة، لم يذكروا "الرقة" رغم وجودها، ومن جهة أخرى نجد أنَّ بعض الرحالة الذين زاروا المنطقة في القرنين الثامن والتاسع عشر الميلاديين، قد رسموا "الرقة" على خرائطهم، مثل الرحالة "ريتشارد بوكوك" و"ج.م كيناير"، وهذا يعني أنَّ المدينة لازالت حية رغم خلوها من السكان، إنَّ الانقلاب الجديد في حياة مدينة "الرقة" قد حدث في بداية القرن التاسع عشر الميلادي، حيث بدأ الاستيطان الجديد لمجمل وادي الفرات والجزيرة السورية، إذ كانت البداية متواضعة ومع مرور الزمن تكونت مجموعة من المدن من بينها "الرقة".

إن هذه القبائل تعود في أصلها ونسبها إلى الأرومة العربية الأصيلة, وأن كل القبائل العربية منذ الألف الثالث ق.م، هي في حالة حركة دائرية مستمرة, بعضها تحضَّر واستقر في القرى وفي الحواضر, وبعضها الآخر استمر في حركته الدورانية، إن تدوين تاريخ أي قبيلة أو أي عشيرة، يتطلب منا امتلاك وثيقة علمية، نعتمد عليها في صحة ما نقوله, لذلك فالحديث عن هجرة "الأبي شعبان" إلى سورية بشكل عام و"الرقة" بشكل خاص، يتطلب أن يكون بين أيدينا مثل هذه الوثائق، ورغم كل الصعوبات التي تصادفنا, فإننا نستطيع إلقاء الضوء على مثل هذه الهجرات, ولكن بحذرٍ شديد، وخلافاً لكل ما قيل حول هجرة هذه القبائل, ومن أنها هاجرت إلى أرض الرافدين في نهاية القرن الثاني الهجري, فإننا نقول, مع المعذرة الشديدة, أنَّ قبائل "الأبي شعبان" هي موجودة في العراق وسورية منذ أكثر من ألف سنة أو أكثر، قبل القرن الثاني الهجري, أما الهجرة الثانية فقد حدثت في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، عندما قدمت موجة كبيرة من قبائل "عنزة" (الفدعان) من الجزيرة العربية، هرباً من الجدب والقحط، الذي حلَّ بأرض "نجد" و"الحجاز"، وقد استقرت هذه القبائل على النحو التالي: "ضنا الوِلِدْ" إلى الغرب من نهر البليخ, بين "مسكنة" وتل "أبي هريرة" ومخفر "الحمام"، في حين أنَّ "ضنا ماجد" استقروا في الشرقي، أي شرقي نهر البليخ, وكانوا في الشتاء يعبرون نهر الفرات إلى الجهة الشامية، أماَّ الهجرة الثالثة إلى مدينة "الرقة" كانت في بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي, أي بعد عام /1850/م، وكانت أوائل المجموعات المهاجرة، عبارة عن مجموعة من الأفراد وليست على شكل عشائر, استقرت حول المخفر التركي الذي أقيم في حدود عام /1860/م لمراقبة عبور النهر وحفظ الأمن في المنطقة، وهكذا نجد أنَّ تأسيس المخفر قد لعب دوراً أساسياً في جذب المهاجرين وتثبيت المسكن في "الرقة", وأنَّ أغلب المهاجرين الجدد قدموا من "أورفة" و"الموصل" و"العشارة" و"ديار بكر" الذين شكلوا النواة الأولى للمدينة الناشئة

الرحالة "زاخاو" زار "الرقة" عام /1879/م حيث أشار في كتابه (رحلة إلى سورية وبلاد الرافدين) أنه كان هناك مجموعة من السكان يقطنون في دور سكنية في مختلف مناطق المدينة القديمة، وأن عددهم يقارب مئة شخص ويقول: «أعتقد أنَّ التجار هاجروا إليها من مدينة "حلب"»، أماَّ الرحالة الليدي "آن بلينت" التي مرت في "الرقة" عام /1878/ م أكدت أنها لم ترَ سكان داخل أسوار المدينة القديمة, فهي بذلك محقة لأنها مرت في المدينة أثناء فترة الصيف، والسكان في هذه الفترة هم خارج المدينة, فبعضٌ منهم يمارس زراعة الخضار على ضفاف النهر "القبيات" ويسكنون في بيوت مشيدة من مادة القصب والسوس (سيباط), والبعض الأخر من السكان يكونون قد رحلوا مع قطعان ماشيتهم إلى منطقة الشمال، وراء مساقط الغيث ومواضع العشب والكلأ, وفي نهاية فصل الصيف يعودون أدراجهم إلى المدينة، أما انطباع عالم الآثار "أرنست هرتسفلد" الذي زار "الرقة" في عام /1907/م فقد أكد بأنها (مدينة حديثة جداً)، وأنها كانت تضم مركز بريد وبرق, وأن سكان المدينة كانوا يعيشون من التجارة مع العرب المحيطين بالمدينة من صناعة قصب السكر ومن حفريات اللقى الأثرية، وبعد خمس سنوات من زيارة "هرتسفيلد" للرقة، وفي شهر أيار من عام /1912/م قدم إلى "الرقة" الرحالة التشيكي "لويس موزيل"، وقد أكد أنه وجد فيها سكاناً عددهم /300/عائلة, ولكن هذا الرقم قد يكون نتيجة لتقديرات غير مؤكدة والسبب في ذلك عدم وجود استقرار سكاني في المدينة في تلك الفترة الزمنية ليشكل مساحة أفقية واسعة، أما الاستيطان المبكر في محيط المدينة القديمة، فقد حدث أن عشائر "الأبي شعبان" استوطنت منطقة "الرقة" منذ عام /1650/م, وكانت منازلهم على شواطئ الفرات، امتداداً من الحدود الإدارية لمحافظة "الرقة"، مع "دير الزور" شرقاً، إلى منطقة "شمس الدين" غرباً, ويشكل هذا الاستيطان الهجرة الأولى لمنطقة "الرقة" بعد تدميرها من قبل الغزو المغولي في عام /1259/م».

بداية هجرة البدو إلى الرقة

وبسؤال "العزو" عن تاريخ هجرة قبائل "الأبي شعبان"، وقبيلة "عنزة" إلى "الرقة"، تحدث قائلاً: «إن هذه القبائل تعود في أصلها ونسبها إلى الأرومة العربية الأصيلة, وأن كل القبائل العربية منذ الألف الثالث ق.م، هي في حالة حركة دائرية مستمرة, بعضها تحضَّر واستقر في القرى وفي الحواضر, وبعضها الآخر استمر في حركته الدورانية، إن تدوين تاريخ أي قبيلة أو أي عشيرة، يتطلب منا امتلاك وثيقة علمية، نعتمد عليها في صحة ما نقوله, لذلك فالحديث عن هجرة "الأبي شعبان" إلى سورية بشكل عام و"الرقة" بشكل خاص، يتطلب أن يكون بين أيدينا مثل هذه الوثائق، ورغم كل الصعوبات التي تصادفنا, فإننا نستطيع إلقاء الضوء على مثل هذه الهجرات, ولكن بحذرٍ شديد، وخلافاً لكل ما قيل حول هجرة هذه القبائل, ومن أنها هاجرت إلى أرض الرافدين في نهاية القرن الثاني الهجري, فإننا نقول, مع المعذرة الشديدة, أنَّ قبائل "الأبي شعبان" هي موجودة في العراق وسورية منذ أكثر من ألف سنة أو أكثر، قبل القرن الثاني الهجري, أما الهجرة الثانية فقد حدثت في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، عندما قدمت موجة كبيرة من قبائل "عنزة" (الفدعان) من الجزيرة العربية، هرباً من الجدب والقحط، الذي حلَّ بأرض "نجد" و"الحجاز"، وقد استقرت هذه القبائل على النحو التالي: "ضنا الوِلِدْ" إلى الغرب من نهر البليخ, بين "مسكنة" وتل "أبي هريرة" ومخفر "الحمام"، في حين أنَّ "ضنا ماجد" استقروا في الشرقي، أي شرقي نهر البليخ, وكانوا في الشتاء يعبرون نهر الفرات إلى الجهة الشامية، أماَّ الهجرة الثالثة إلى مدينة "الرقة" كانت في بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي, أي بعد عام /1850/م، وكانت أوائل المجموعات المهاجرة، عبارة عن مجموعة من الأفراد وليست على شكل عشائر, استقرت حول المخفر التركي الذي أقيم في حدود عام /1860/م لمراقبة عبور النهر وحفظ الأمن في المنطقة، وهكذا نجد أنَّ تأسيس المخفر قد لعب دوراً أساسياً في جذب المهاجرين وتثبيت المسكن في "الرقة", وأنَّ أغلب المهاجرين الجدد قدموا من "أورفة" و"الموصل" و"العشارة" و"ديار بكر" الذين شكلوا النواة الأولى للمدينة الناشئة».

الباحث محمد العزو