في سهل لحقي خصيب، عند ملتقى نهر الفرات والبليخ، وفي وسط شمال سورية، فوق مصطبتي الفرات (الثانية والثالثة) الشماليتين وبارتفاع /420/م عن سطح البحر على درجة عرض (36) وخط طول (39) تقع مدينة الرقـة.

وهي ـ حسب معجم البلدان ـ (بفتح الراء وتشديد القاف) كل أرض إلى جنب وادٍ ينبسط عليها الماء ثم ينضب وكل أرض ملساء على الشط ومستوية فهي رَقَّة وجمعها رِقاق وهي صفائح من التربة الرقيقة المتشققة والمنفصلة عما تحتها. والرُقاق بضم الراء ـ نوع من خبز الصاج والرّقي ـ نوع من البطيخ الأصفر الذي انتشرت منها تسميته وزراعته إلى معظم البلدان العربية ولوقوعها ضمن منطقة قوس الاستيطان البشري الأول الذي يعاصر الفترة ( النطوفية ) ثم العصر الحجري القديم (الباليوليت) وما يليه فقد تم من خلال اللُقى والآثار المكتشفة ـ والدلائل الملموسة أن هذه المنطقة ـ الفرات الأوسط ـ أشادت أول مسكن بشري ثلاثي الأبعاد، واستنبتت القمح وفرضت كل البيعة (توتول ـ TUTUL) الرقة خلال عصر البرونز /3000 ـ 2000 ق.م/ أول رسوم جمركية على السفن النازلة شرقاً والصاعدة غرباً عبر الفرات ما بين جرابلس (كركميش) وتل الحريري (ماري) وبالعكس وبسببها تم تسيير أول حقيبة دبلوماسية على سطح الفرات فيما بينهما، وتعاظمت أهمية توتول بعد اعتناق سرغون الآكادي ـ مؤسس أول أمبراطورية في التاريـخ- عبادة إلهها (داجان) واعتبارها منطلقاً لفتوحاته. ورغم تدميرها على يد حمورابي عام /1850 ق.م/ و/1300 ق.م/ جراء الصراع الآشوري ـ الحثي ـ فقد استمرت على قيـد الحيـاة لتعرف في العصـر الهلنستي باسـم (نيكفوريوم) بعد ما أعاد بناءها سلوقس الأول وفي العصر الروماني جدد حيويتها الإمبراطور غالينوس المتوفي عام 268م وأطلق عليها اسم (كالينكوس) وفي العهد البيزنطي عرفت باسم (ليونتوبوليس) نسبة للإمبراطور ليون الثاني 474م وبقيت حتى عام 739م ـ 18 هـ عندما فتحها العرب صلحاً على يد (عياض بن غنم) لتصبح مركز ديار مضر (مقصد المسافرين ومعقل التجارة) حظيت باهتمام الخليفـة الأمـوي هشـام بن عبد الملك الذي جدد سوقها (سوق هشام الكبير)، وبنى بمواجهتها عبر الفرات مدينـة (واسط الرقة).

أغرى موقعها الاستراتيجي ـ ما بين الشام والعراق ـ الخليفة العباسي (أبو جعفر المنصور) فأوكل لابنه المهدي الإشراف على إشادتها على شاكلة مخطط بغداد الدائري وعندما تولى (أدهم بن محرز) تخطيطها تكيّف مع طبيعة الموقع وأحاطها بسور على شكل (حدوة الفرس) له بابان غربي زال نهائياً وشرقي يعرف بباب بغداد لا زال قائماً كرمز للمدينة وأطلق على المدينة الجديدة اسم الرافقة التي يتوسطهاـ المسجد الجامع وحوله القصور والأسواق بلغت أوج عظمها ما بين /180 ـ 193 هـ 786 ـ 809 م/ عندما اتخذها هارون الرشيد (وطناً له) بعد ما أثقله جو بغداد السياسي والطبيعي شهدت الرقة (الوسطى أو مدينة الرشيد) ازدهاراً عمرانياً يليق بمكانتها باعتبارها (داراً للملك) فتوسعت خارج سور الرافقة وبنيت فيها قصور الخلافة كقصر السلام ـ الخشب ـ الأبيضـ هرقلةـ وقصر البنات، وضربت فيها النقود. شهدت كغيرها من البلدان فترة صراع الأسر المتنفذة خلال فترة ضعف الخلافة العباسية إلى أن دمرها المغول ـ بعد بغداد ـ عام 1259م واعتبرها العثمانيون بداية حكمهم مركز ولاية (إيالة) وتقهقرت إلى أن أصبحت مجرد مركز لمخفر عثماني /قره قول/ أعاقت دخول الفرنسيين لعدة شهور وتعززت أهميتها بعد إشادة الحلفاء عام 1942 جسراً على الفرات، وأصبحت مجرد مركز قضاء (منطقة) حتى عام 1962 لتتحول لمركز محافظة بمساحة 19.620 كم2 يتبعها حالياً /3/ مناطق و/6/ نواحٍ و/1500/ قرية ومزرعة معظمها مخدم بشكل جيد تحولت محافظة الرقة بعد الانتهاء من سد الفرات /50/كم غربها مدينة (الثورة) إلى سلة غذاء للمحاصيل المهمة لتحتل المرتبـة الثانية بزراعة القمـح ـ الشعير ـ القطن ـ الـذرة الصفراء بالإضافة للخضروات والفواكه.

الرقة الحديثة

أشهر آثار المحافظةـ قلعة جعبر على ضفاف بحيرة الأسد ورصافة هشام إلى الجنوب الغربي منها /45/ كم، وحصن مسلمة شمالها الشرقي /65/ كم، وفيها عشرات التلال الأثرية أهمها تل الخويرة وحمام التركمان ـ (زلبا)، وفيها ضريح الصحابي الجليل عمار بن ياسر الذي استشهد في معركة صفين وضريح التابعي أويس القرني.

تشهد حركة ازدهار عمراني وتعليمي من خلال المدارس والمعاهد بكافة اختصاصها، وتم افتتاح جامعة الاتحـاد الخاصة فيها للعام الدراسي /2003ـ 2004/.

متحف الرقة

للاستزادة: يرجى مراجعة مجلة الحوليات الأثرية السورية م 7ـ 8 تاريخ 1957ـ 1958 ـ م15ت 1965م 32ت 1982 تاريخ الرقة للقشيري ـ الموسوعة الإسلامية م3 الرقة درة الفرات لمجموعة باحثين إشراف د.سيهل زكار. الموسوعة العربية دمشق- مجلد حرف الراء.

سور الرقة الأثري