منذ عشرة آلاف سنة خلت، عرف سكان منطقة "الفرات" الصيد وفنونه، وشكل نهر "الفرات" أحد الحواضن الأساسية الغذائية لاستمرار الحياة، فحيث الماء تتوافر أسباب البقاء، وعلى مدى عصور متعاقبة تفنن الإنسان باختراع أفضل السبل وأيسرها لاصطياد الأسماك، فكانت البداية مع الأعواد ثم الرماح فالشباك وصولاً إلى أشكال جديدة عرفت بالصيد الجائر.

ما حقيقة الصيد الجائر؟ وهل أدى استخدام وسائل الصيد الجائر بواسطة الديناميت والمتفجرات والسموم والصعق بالكهرباء إلى نضوب الثروة السمكية في نهر الفرات؟ وهل أصيبت مناطق من الفرات بالتصحر؟ وما السبل لعلاج ومكافحة أشكال الصيد الجائر؟ أسئلة توجه بها موقع eRaqqa إلى السيد "محمد زين الدين" مدير عام الهيئة العامة للثروة السمكية في هذا اللقاء..

  • يعتبر السمك من المواد الغذائية الأساسية، وهو جزء هام من الناتج الوطني، كيف نستطيع الحفاظ على هذه الثروة الهامة وتطويرها؟
  • السيد محمد زين الدين

    ** تعد الأسماك من المواد الغذائية العالية القيمة، التي تدخل في قوت الإنسان، والثروة السمكية أحد مصادر الدخل لعدد كبير من العاملين في مجال الصيد والنقل والبيع، لذلك عملت الدولة عبر برامجها وخططها على تطوير هذا المنتج، والحفاظ على أنواع الأسماك المتوافرة، وزيادة التنوع الحيوي، بما يكفل تجديد الحياة المائية، وتحقيق عامل الاستدامة.

    تشترك عوامل عدّة في تطوير هذا المنتج، وتوفير الأجواء الملائمة لاستمراريته، أولها حمايته من التعدي، المتمثل بالصيد الجائر، ثم تأتي أهمية تطوير المنتج من خلال عمليات الاستزراع المتواصل للإصبعيات التي تغني الأنهار والمسطحات المائية بالأسماك والتنوع الحيوي، إضافة إلى العمل البحثي المتواصل، من خلال إعداد الدراسات العلمية الخاصة بتكاثر الأسماك، والحياة النهرية، واستنباط سبل جديدة في مجال تربيتها وتنميتها وتغذيتها ضمن أحواض أو أقفاص أو محميات خاصة، وإيجاد الأرضية المناسبة لعملية التوعية والإرشاد بأهمية الثروة السمكية.

    تجربة الأقفاص العائمة في بحيرة الأسد

  • أدت عمليات الصيد الجائر إلى الإخلال البيئي في الأنهار والمسطحات المائية، وندرة الأسماك واختفاء أنواع عدّة منها.. ما حقيقة الصيد الجائر؟ وما الإجراءات التي اتخذتها الهيئة للحفاظ على الثروة السمكية؟
  • ** هناك نحو /16/ نوعاً من الأسماك التي تعيش في نهر "الفرات"، أشهرها "الرومي" و"البني" و"الكرسين" و"الكارب"، و"البوري"، و"الجري"، و"المطواق"، و"السللور"، و"الحنكليس"، و"الجزر"، و"الفرخ"، و"المشط البحري"، ونتيجة استخدام وسائل السيد الجائر، باتت أنواع عدّة مهددة بالانقراض، مثل "الرومي"، بعد أن أصبح من النادر أن ترى "الجزر" أو "الفرخ"، وهذه النادرة كانت تصل أوزان الواحدة منها إلى أكثر من /100/ كغ.

    مراسل الرقة مع مدير عام الثروة السمكية

    الصيد الجائر حقيقة واقعة، وهي قديمة ومتجددة، والصيد بالوسائل الممنوعة والمحرمة مستمر، والدليل حجم المصادرات وأرقامها، ومصادرة الشباك والمحركات الكهربائية والأدوات الأخرى المستخدمة بشكل مخالف، لا تنهي هذه الآفة، ولا تمنع العاملين في هذا المجال قطعياً من الاستمرار في استخدام الوسائل الممنوعة، لذا كان لا بد من توفير السبل القانونية التي تشكل رادعاً حقيقياً للمخالفين، تمثل بإعداد قانون الضابطة السمكية، وهو حالياً قيد الدراسة مع الجهات الوصائية، لكن الأهم من هذا الإجراء حاجتنا إلى برامج عمل متكاملة تتضمن التوعية والإرشاد بأهمية الثروة السمكية، ومدى ما يخلفه الصيد الجائر من أضرار كبيرة للبيئة النهرية، والإخلال بتنوعها الحيوي، وتجديد الحياة المائية.

    إن إجراءات التوعية والإرشاد تتطلب تضافر جهود الجهات الوصائية والرقابية مع العاملين، وخاصة الاستفادة من إمكانات وسائل الإعلام المختلفة المسموعة والمرئية والمقروءة في نشر المعلومات التوعوية، وإقامة الندوات العلمية في مجال الحفاظ على هذه الثروة الوطنية الهامة.

  • هل هناك رؤية مستقبلية لتطوير العمل البحثي في مفاصل الهيئة؟
  • ** في خطة عمل الهيئة البحثي من قبل لجنة البحث العلمي ودراسة استراتيجيات الهيئة، حددت خطواتها الأولية لتطوير الثروة السمكية في الأنهار والبحار في مختلف النواحي المطلوبة، ومنها موضوع الحفاظ على الأنواع المهددة بالانقراض في نهر الفرات، وذلك بالاستعانة والاستفادة من القدرات العلمية والبحثية لممثلين عن الجامعات السورية والمراكز العلمية المتخصصة، لذلك تم إنشاء مركز بحثي في "دير الزور" سوف يباشر ببدء الأبحاث الخاصة بعمليات التفريخ للأنواع المهددة بالانقراض لإعادة إعمار نهر "الفرات".

    كما ندرس حالياً إمكانية إقامة محميات نهرية بالقرب من نقاط الحماية، ولمسافات محددة، يمكن السيطرة عليها، ويتم منع الصيد فيها في مختلف أيام السنة، وليس في فترات المنع فقط، وتشكل أماكن تفريخ مثالية وآمنة للأسماك، وتعطي الأسماك الراحة لتجديد حياتها، وتكون نواة رئيسة لإعادة الحياة المتجددة في نهر الفرات.

  • ما الخطوات العملية التي اتخذتها الهيئة لتطوير الثروة السمكية؟
  • ** تنحصر الأهمية القصوى في تطوير الثروة السمكية في إطار الحماية أولاً، ومعالجة أوضاع الأنواع المهددة بالانقراض من خلال إجراء الأبحاث المختلفة لمكاثرتها ضمن مخابر خاصة إن أمكن ذلك، وهو ما يسهم في إعادة إعمار المسطحات المائية بشكل عام.

    تأتي عملية زراعة المسطحات المائية زراعة علاجية في سلم أولويات عمل الهيئة، لأنها تعالج وضع الماء من التلوث وتهديد الأعشاب، وهنا يأتي دور زراعة سمك "الكارب العاشب" و"الكارب الفضي" في رفع الملوثات وتجديد الحياة المائية، ولابد من حماية عمليات الزراعة لكي تأتي ثمارها ناضجة. وهناك زراعة إنتاجية للإصبعيات في المسطحات المائية بهدف إنتاج أسماك تسويقية، وبدأنا بتجهيز هذه الطريقة وتأمين مستلزماتها عن طريق التوجه لزيادة الإصبعيات لزوم أبحاث الهيئة وإعمار المسطحات، وبناءً عليه تم تحويل إنتاج مزرعتي "عين الطاقة" و"القلعة" من العملية الإنتاجية التسويقية إلى إنتاج الإصبعيات.

    كما أن عملية إعمار المسطحات المائية والسدود من أدق وأعمق العمليات، لأنها تحتاج إلى دراسة عميقة وشاملة للتنوع الحيوي للمسطحات المائية، لكي يتم الإعمار بما يتلاءم مع هذا التنوع، وكي لا يكون هناك سيطرة لنوع جديد على حساب الأنواع المحلية.

    إن أي إجراء ستتخذه الهيئة أو الجهات الحكومية قاطبة، إن لم يترافق بإجراءات رفع مستوى الوعي، وإدراك المتعاملين مع الثروة السمكية وأهمية الحفاظ عليها، لن نستطيع تحقيق أي شيء، لذا يجب أن يقتنع المواطن أن الثروة السمكية هي حاجة له وللأجيال القادمة كمصدر من مصادر الغذاء العالي القيمة، وكمصدر مكمل للدخل المنزلي للعاملين في هذا المجال، وتنمية هذا القطاع يدخل ضمن إطار الدور الاجتماعي للمبدأ الاقتصادي الذي تعمل به الحكومة، وهو اقتصاد السوق الاجتماعي.

  • هل لدى الهيئة نيّة للبحث عن سبل عيش آمن للصيادين خلال فترات المنع؟
  • ** تمتد فترة منع الصيد لمدة تقارب ثلاثة أشهر اعتباراً من 15/3 وحتى نهاية شهر أيار من كل عام، ولابد من الإشارة أولاً إلى أن الصياد الحقيقي الممتهن للصيد، ومن خلال التجربة لا يتجه إلى مخالفة القوانين، ولا يستخدم أدوات الصيد الجائر، لا ضمن فترات المنع، ولا خلال فترات السماح، لأنه يعلم ما هو تأثير الصيد الجائر على الثروة السمكية، وإن حصيلة صيده خلال فترات السماح ستكون مضاعفة عشرات المرات.

    وأمام هذه التحديات يجب أن نولي اهتماماً لتطوير عمل جمعيات الأسماك التي تتبع لاتحاد الفلاحين، والهيئة جاهزة لتقديم أشكال العون كافة والمؤازرة لهذه الجمعيات، لكي تكون عوناً وسنداً للصيادين، وتسهم في دعم أعضائها مادياً ومعنوياً.

    وهناك رؤية تتعلق بتطوير أداء عمل المزارع السمكية الخاصة بما ينعكس إيجاباً على العاملين في هذا القطاع الهام، وتأمين الإصبعيات الإنتاجية اللازمة لرفع إنتاج الثروة السمكية على المستوى الشخصي والوطني. كما ندرس حالياً إمكانية تأمين بعض أنواع الإصبعيات للمزارعين الذين يملكون شبكات ري حديثة لإقامة مزارع خاصة تشكل أحد السبل المكملة للدخل المادي الخاص لهؤلاء المزارعين.

  • ما الخطط الإستراتيجية للهيئة مستقبلاً؟
  • ** يبلغ نصيب الفرد السوري من الأسماك سنوياً نحو /1,5/كغ، وهي نسبة متدنية قياساً لنصيب الفرد العربي الذي يصل إلى حدود /7/كغ، ونصيب الفرد في العالم يصل إلى حدود /11/كغ، من هنا يأتي دور الهيئة في المساهمة في رفع مستوى نصيب الفرد السوري من الأسماك، وهذا الهدف ينعكس إيجاباً على الجيل بشكل عام، ويخفف من وطأة فاتورة الدواء، والوصول إلى جيل قوي خال من الأمراض، لما يحتويه السمك من قيمة غذائية عالية الجودة، ولتحقيق هذا التطلع بدأنا بوضع الإطار التجريبي لتنفيذ تجربة بحثية لإنتاج الأسماك البحرية في الأحواض بمنطقة "بانياس" بهدف استزراع هذه الأنواع، وتشجيع القطاع الخاص في هذا المجال، لأن التجارب أثبتت أن هذا النوع من الإنتاج هو فرصة استثمار حقيقية وآمنة، وذات مردود اقتصادي جيد، مع الإشارة إلى أن هذا النوع من الاستزراع هو هدف عالمي، وليس محلياً، لأن الثروة السمكية على العموم تتعرض للاستنزاف المستمر حتى أصبحت تطلق عبارة التصحر على بعض المسطحات المائية، وهذا دليل على أن الثروة السمكية في تراجع مستمر، لذا اتجه العالم نحو استزراع الأنواع البحرية في المزارع الترابية والإسمنتية أو في الأقفاص العائمة في البحر أو البحيرات، وتجربتنا في هذا الإطار ستتم بإشراف مباشر من الجامعات السورية لإقرار الأسلوب الأكثر ملاءمة للظروف المحلية، علماً أن هذا المشروع دراسة وتصميماً وتنفيذاً يتم بخبرات وطنية، وتنفذه جهات القطاع العام.