تشهد "الرقة" حراكاً كبيراً بزراعة النخيل، وهناك رغبة في جعلها واحة نخيل، وبغية تشجيع زراعة النخيل، وتأمين الغراس الكافية للراغبين بزراعته، أحدثت وزارة الزراعة مركزاً لإكثار النخيل في "القحطانية"، بهدف تشكيل نواة أولى لبساتين أمهات تنتج فسائل نخيل تلائم بيئة ومناخ المنطقة.‏

ولتسليط الضوء على مركز إكثار النخيل في "الرقة"، والغاية من إنشائه التقى موقع eRaqqa المهندس "مصطفى الحمادي"، مدير مركز إكثار النخيل في "القحطانية"، ورئيس مجلس إدارة جمعية "زالبا" لحماية البيئة والذي تحدث، قائلاً: «تنتشر زراعة نخيل التمر في سورية منذ الألف الأول قبل الميلاد، فواحات النخيل في "تدمر"، وكذلك آثارها شاهدة اليوم على تأصل هذه الشجرة في المنطقة.

إن الفكرة من توزيع هذه الكميات من أشجار النخيل هو العمل على جعل "الرقة" عبارة عن واحة نخيل، فلو كل بلدية تزرع كمية من النخيل في الحدائق المخصصة لها، في حديقتين أو ثلاث، إضافة للجزر في الشوارع لعادت مدينة "الرشيد" لسابق عهدها في كثرة نخيلها

لقد أولت سورية أهمية خاصة لتطوير هذه الشجرة عبر إحداث دائرة بوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي متخصصة بالنخيل، يتبع لها العديد من المراكز لإكثار النخيل ضمن الحزام البيئي الملائم لزراعة النخيل في محافظات "حمص" و"دير الزور" و"الحسكة" و"الرقة"، ومركز إكثار النخيل في "القحطانية" من تلك المراكز والذي أحدث بقرار منذ عام /2007/».

جانب من مدينة الرقة

ويضيف "الحمادة": «يقع المركز ضمن منطقة الاستقرار الزراعي الخامسة التي يقل معدل أمطارها عن/200/ ملم سنوياً، ويسودها مناخ شبه جاف، والغاية من المراكز السابقة هي إدخال أصناف عالمية وجمع الأصناف والسلالات الجيدة والملائمة بيئياً من النخيل سواء المحلية منها أو المستوردة لتكون بمثابة بساتين أمهات، ونواة للتوسع الكمي والنوعي لهذه الشجرة المباركة ضمن الحزام البيئي الملائم لانتشار النخيل عبر إكثار النخيل بالفسائل، وأهم الأصناف الموجودة بالمركز هي: "البرحي"، "خلاص"، "مجهول"، "نبوت سيف"، "خستاوي"، "جش ربيع"، "شاهاني"، "زغلول"، "كبكاب أصفر"، "لولو"».

وعن طرق إكثار النخيل يقول "الحمادي": «هناك طريقتان لعملية الإكثار، الطريقة الأولى الإكثار الجنسي (البذري)؛ حيث تعرف بذور النخيل باسم النوى، وهي الأصل في تكاثر النخيل حيث تنتج النباتات الجديدة من الأجنة الجنسية الموجودة بها، وكانت طريقة الإكثار البذري متبعة حتى وقت غير بعيد في مناطق زراعة نخيل التمر، ويعود لها الفضل في انتشار شجرة النخيل في معظم المناطق التي تزرع فيها، وعلى الرغم من سهولة إنبات النوى وإمكانية الحصول عليها فقد قل استخدامها حديثاً لوجود بعض السلبيات، والتي تتمثل بانفصال الجنس وإعطاء نباتات نصفها مؤنث والآخر مذكر، وعدم وجود طريقة يتم الكشف المبكر بها عن الجنس في المراحل الأولى من الزراعة، وكذلك رداءة ثمار معظم الإناث وتأخرها بالإثمار غالباً واختلافها عن الأم؛ حيث يكون لكل نخلة تركيباً وراثياً مخالفاً للأخرى.

المهندس محمود العابد

أما الطريقة الثانية للإكثار فهي الإكثار الخضري (الفسائل، زراعة الأنسجة)، فقد بدأ استعمال "الفسائل" بالإكثار منذ زمن غير محدود، وتعتبر الطريقة الأساسية والأفضل في إكثار النخيل، ويرجح أن استعمالها بدأ منذ بداية اختيار أصناف معينة ولا زال مهماً حتى بعد التوصل إلى تقنيات الزراعة النسيجية، والفسائل عبارة عن نموات جانبية تنشأ من البراعم الإبطية للسعف، وهي عادة ما تخرج بالقرب من سطح الأرض بجانب جذع النخلة الأم، ويكون لها مجموعها الجذري الخاص بها والمنتشر بالتربة، ومن ثم يمكن فصلها وزراعتها مستقلة، وتكون مشابهة تماماً للأمهات المأخوذة منها.

وأما ما يظهر منها بعيداً عن سطح الأرض وعلى ارتفاعات مختلفة فتسمى "الرواكيب"، وهي أقل شيوعاً، وتنشأ أيضاً من براعم إبطية تظل ساكنة ثم تنشط نتيجة لعامل من العوامل الفيزيولوجية، وهي غير صالحة للزراعة إلا إذا تم تجذيرها عن طريق إحاطتها بأكياس "البولي ايتلين"، أو الصفائح المملوءة بالتربة الرطبة أو أي وسط يحفظ الرطوبة بصورة جيدة حول قاعدة "الراكوب"، مثل نشارة الخشب أو "البيتموس" (عمل ترقيد هوائي لها)».

وعن الأسباب التي جعلت شجرة " نخيل" التمر صديقة للبيئة يتابع "الحمادي" حديثه قائلاً: «إن ورقة النخيل "السعفة" مركبة ريشية يمتد عمرها إلى أكثر من ست سنوات، وبعدها يتوقف نشاطها وتفقد صبغة" الكلورفيل"، ثم تجف ولكن تبقى ملتصقة بالجذع ولا تسقط لأنها لا تكون منطقة انفصال (سقوط) لذلك يجب أن يتدخل الإنسان لإزالتها وبالتالي تعتبر شجرة النخيل من الأشجار النظيفة لا تترك أوساخاً حولها، كما يلعب "نخيل التمر" دوراً مهماً في تلطيف الجو، والحد من التلوث لما يقوم به من تنظيف الهواء وتنقيته وتلطيفه من خلال عمل أوراقه كمصفاة للأتربة وذرات الغبار إضافة لإغناء الهواء بغاز الأوكسجين كأحد نواتج عملية التركيب الضوئي.

كما تعمل أشجار النخيل على تنظيم الرطوبة والحرارة في الجو المحيط بها، وتمتص الملوثات الجوية من خلال طبقة "الكيوتكل" في أوراقها التي تعد مستودعاً لها، إضافة لما تؤديه هذه الطبقة من حماية النبات من الظروف البيئية غير الملائمة كالتقلبات الجوية وفقدان الماء.

كما أن السعف المزال والثمار المتساقطة منها على الأرض لها فائدة في تحسين خواص التربة عند تحللها، كما أن جزءاً كبيراً من العناصر المفقودة نتيجة امتصاصها من قبل أشجار النخيل يعود إلى التربة ثانية عن طريق الثمار المتساقطة على الأرض والسعف الذي يترك على أرض البستان لفترة طويلة، ويتحلل في التربة.

تلعب أشجار النخيل دوراً في حماية المزروعات التي تزرع في المسافات البينية، نظراً لما توفره من بيئة خاصة توفر الظل وتحمي من التقلبات الجوية ولفحات الحر والرياح الجافة للمحاصيل البينية والمجاورة، وتجود زراعة النخيل بالبيئات الجافة وشبه الجافة، لأن الوريقات سميكة محاطة بطبقة شمعية، و"الخوصة" منطوية على محورها الطولي على شكل قارب مقاومة للرياح، وفقدان الماء منها قليل بعمليتي التبخر (النتح)، كما أن فتحات الثغور صغيرة الحجم وغائرة، وتتعمق جذور النخيل كثيراً وتصل إلى أبعد من /10/ أمتار لذلك تؤدي شجرة النخيل دوراً هاماً ورئيساً في تثبيت التربة، والحفاظ عليها من الانجراف، والمحافظة على رطوبتها إضافةً لتحملها الإجهادات البيئية ما دعا إلى استخدامها ببرامج مكافحة التصحر».

وعن القيمة التنسيقية لشجرة نخيل التمر يوضح "الحمادي" بقوله: «إنّ طبيعة الساق المستقيمة غير المتفرعة والطويلة تتيح الرؤية لسائقي السيارات عند زراعتها في منصفات الطرق إضافة لعدم تشابك خطوط الكهرباء والهاتف معها وتعتبر من الأشجار النظيفة كما تؤمن الظل للأشجار البينية والأزهار في حال زراعتها بين أشجار النخيل إضافة للدور البيئي الذي تقوم به كما تم شرحه كشجرة صديقة للبيئة.

كما تحدث لموقعنا المهندس "محمود العابد" رئيس مصلحة الحدائق في مجلس مدينة "الرقة"، الذي يقول: «إنّ مجلس مدينة "الرقة" يعمل على التوسع الأفقي في الحدائق وزراعة الأشجار، وخاصة النخيل وزراعة الجزر الوسطية في الشوارع مثل شارع "سيف الدولة" وشارع "هشام بن عبد الملك" وشارع التصحيح، فقد قمنا بزراعة شجر النخيل بعمر بين السبع والتسع سنوات وبارتفاع مترين، وكانت نسبة نجاح زراعتها /98.5%/».

ويضيف "العابد": «تعيش شجرة النخيل في كل مناطق "الرقة"، ولكن من حيث الثمار هناك مناطق ينضج الثمر لغاية البلح فقط، وأفضل عمر للشجرة أثناء زراعتها ومن خلال التجربة من سبع ولغاية عشر سنوات، بتوجيهات من محافظ "الرقة" قام مجلس المدينة في "الرقة" بجلب عشرين ألف شجرة نخيل وزعت عشرة آلاف شجرة في السنة الماضية، وخمسة آلاف في هذه السنة، وهناك خمسة آلاف في مشتل مصلحة الحدائق، ومقره حديقة "الرشيد"؛ حيث يوزع كل خمسة عشر يوماً لبلدية أو دائرة حكومية، وقد تم تعميم ذلك على البلديات في الأرياف والمؤسسات الحكومية من يود أخذ شجر النخيل مجاناً، يقوم بتقديم طلب إلى المحافظة حسب الحاجة وبشكل مجاني».

وعن تلك البادرة يقول "العابد": «إن الفكرة من توزيع هذه الكميات من أشجار النخيل هو العمل على جعل "الرقة" عبارة عن واحة نخيل، فلو كل بلدية تزرع كمية من النخيل في الحدائق المخصصة لها، في حديقتين أو ثلاث، إضافة للجزر في الشوارع لعادت مدينة "الرشيد" لسابق عهدها في كثرة نخيلها».

ومن الجدير ذكره أنّ شجرة النخيل في "الرقة" ليست بجديدة فلها جذور تاريخية، وتشكّل جزءاً من الموروث الشعبي لأهالي "الرقة".