تمتلك محافظة "الرقة" كل المقومات لتكون مدينة سياحية بامتياز، فوجود العديد من مواقع الآثار المنتشرة في ربوع المحافظة والتي تحكي تاريخ عشرة آلاف عام من تاريخ البشرية والحضارات التي تعاقبت على هذه المنطقة، ومازالت آثارها شاهداً على عظمتها ومنها آثار مدينة "الرقة" ومدينة "الرصافة" وقلعة "جعبر" ومملكة "توتول" وأول مسكن في التاريخ في موقع "المريبط"، وليس عبثاً أن يتم اختيارها من أجمل أربع مدن في الدنيا في العهد العباسي، وأن يتخذها "هارون الرشيد" الخليفة العباسي مصيفاً له ومقراً للخلافة العباسية في السنوات الخمس الأخيرة من خلافته، وتشهد آثار القصور العباسية وسور "الرقة" على عظيم الاهتمام الذي كان يوليه "الرشيد" لهذه المدينة.

وللوقوف على واقع القطاع السياحي في محافظة "الرقة" التقى موقع eRaqqa مدير السياحة الدكتور "فيصل الحسن"، والذي استهل حديثه بداية عن المقومات السياحية في المحافظة قائلاً: «تعتبر محافظة "الرقة" إحدى بوابات "سورية" إلى "تركيا" والعالم عبر المعبر الحدودي في "تل أبيض" ونقطة وصل بين المحافظات الشرقية ومحافظـــات القطر الشمالية والوسطى، وتمتاز بتنوع مناخي وتنوع في المقومات الطبيعية السياحية والمواقع الأثرية والدينية والحرف اليدوية التقليدية والعادات والتقاليد الشعبية وحرارة الاستقبال وكرم الضيافة.

نسعى مع وزارة السياحة ونأمل أن يتحقق، خاصة أن توجه الوزارة مع الاستثمار الأمثل لكل المقومات السياحية على امتداد القطر، مع العلم أن الهيئة العامة للاستثمار السياحي في المحافظة، لم تقدم شيئا بحكم أنها ليست المسؤولة عن الاستثمارات السياحية

وتمتلك المحافظة كل المقومات التي ستجعلها في القريب العاجل مدينة سياحية، بالإضافة لوجود عدد كبير من الأضرحة لعدد من الصحابة، والتي تعتبر أساس السياحة الدينية، مثل مقام الصحابة والتابعين "عمار بن ياسر" و"أويس القرني" و"أبي بن قيس النخعي" و"وابصة بن معبد الأسدي"، وكاتدرائية القديس "سيرجيوس" وكنيسة "الزوراء" في "الرصافة" و"دير زكى"، وإلى السياحة البيئية في بحيرة "الأسد" وضفافها، ومحمية جزيرة "الثورة" في قلب بحيرة "الأسد" والحوائج النهرية (الجزر) في نهر "الفرات" العظيم، وعلى امتداد النهر في المحافظة، ومغارة "الكاطر" التي تعتبر ثاني أطول مغارة في العالم».

الدكتور فيصل مصطفى الحسن

وعن الدور الذي تقوم به مديرية السياحة لتنشيط الحركة السياحية، أمام ما تمتلكه "الرقة" من مقومات سياحية كبيرة، يتحدث "الحسن" قائلاً: «تعمل مديرية سياحة "الرقة"على تأمين المتطلبات الضرورية لتسهيل وصول السياح إلى هذه المواقع بالتعاون مع المحافظة، ودائرة آثار ومتاحف "الرقة"، وهناك مركز لخدمات السائح والشرطة السياحية في "جعبر"، ونعمل حالياً بالتنسيق مع الآثار والمتاحف على تأمين موقع لبناء مركز خدمات متكامل في "الرصافة"، وننتظر تخصيصنا بمركز استعلام سياحي في البوابة الحدودية في "تل أبيض".

وقد تم طباعة عدد من البروشورات للترويج للمحافظة ولمواقعها السياحية والأثرية، وكان لمديرية السياحة مساهمة في إنتاج الأفلام الترويجية التي قامت بها المحافظة للترويج للمحافظة، ونعمل حالياً بالتنسيق مع الوزارة على إنشاء موقع الكتروني خاص بمديرية سياحة "الرقة" ونأمل أن ننتهي منه خلال أقصر فترة ممكنة».

سور الرافقة مع باب بغداد من الجو

وعن إشكالية عدم رسم سياسة لإقامة سياحة في "الرقة"، على الرغم من توافر أسس سياحية ووجود نهر الفرات والحوائج النهرية والبادية، يتحدث "الحسن" قائلاً: «سبق أن طرح هذا الموضوع وتمت مناقشته في ورشة السياحة البيئية في محافظة "الرقة" عام /2008/، وعلى أثرها تم وضع برنامج تنفيذي لذلك إلا أنه تعثر بسبب تعدد الجهات التي تعمل فيه، وقد أكدناه مراراً، وأعتقد أنه آن الأوان لاستغلال هذه الكنوز البيئية وتوظيفها في المرحلة الأولى للسياحة الداخلية، مع ملاحظة أن ذلك يحتاج إلى رصد اعتمادات كبيرة لتأمين البنى التحتية لهذه المواقع وتجريف نهر "الفرات" في المواقع الرئيسة مثل مدينة "الرقة".

كذلك يحتاج الموضوع إلى تضافر كل الجهود في وزارات السياحة والإدارة المحلية والزراعة والري والبيئة، وتشكيل فريق عمل، ووضع خطة مع برنامج زمني للتنفيذ، والأهم من ذلك رصد الاعتمادات المالية اللازمة».

مقام عمار بن ياسر

أما عن دور وزارة السياحة في إقامة منشأة سياحية ضخمة تكون النواة الرئيسية لصناعة سياحية حقيقية في محافظة "الرقة"، فيقول "الحسن": «نسعى مع وزارة السياحة ونأمل أن يتحقق، خاصة أن توجه الوزارة مع الاستثمار الأمثل لكل المقومات السياحية على امتداد القطر، مع العلم أن الهيئة العامة للاستثمار السياحي في المحافظة، لم تقدم شيئا بحكم أنها ليست المسؤولة عن الاستثمارات السياحية».

ويتابع في السياق ذاته قائلاً: «هناك صعوبات مختلفة تعيق عمل المديرية منها عدم وجود عدد كاف من المهندسين في المديرية وعدم وجود أطر فنية مدربة وعدم وجود ملاك عددي للمديرية وقلة الاعتماد المرصد للمديرية ونقص في الآليات.

أما الصعوبات خارج نطاق عمل المديرية فتتمثل في عدم توفر البنى التحتية في المحافظة الضرورية لاستقبال استثمارات واعدة ومنها المطار والجسور على نهر "الفرات" والاوتوسترادات، وقلة ما ينفق لتحسين الجوانب السياحية، وخاصة الأماكن ذات الطابع السياحي، وقلة الاعتمادات التي تصرف على ترميم الأوابد الأثرية والاهتمام بها، خاصة أن "الرقة" تمتلك عدداً كبيراً من هذه التحف الأثرية ومنها مدينة "الرصافة" وقلعة "جعبر" وآثار مدينة "الرقة"».

وعن تنشيط السياحة في المحافظة من خلال افتتاح بوابة "تل أبيض" الحدودية، يقول "لحسن": «بإجراء مقارنة بين أعداد القادمين والمغادرين عبر البوابة الحدودية في "تل أبيض" خلال السنوات /2006-2010/ وخلال الأشهر الأولى من عام /2011/ نجد تضاعف الأعداد بنسبة كبيرة خلال العام /2009، 2010/ مقارنة مع العام /2006/، وخلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي بلغ عدد القادمين /178960/ وعدد المغادرين /179253/ أي بوسطي زيادة عن الأشهر الخمسة الأولى من العام 2006 يعادل 23.8 ضعفاً.

وهذه الأرقام تشير بشكل لا يدع مجالا للشك لأهمية البوابة الحدودية في تنشيط حركة القدوم والمغادرة والحركة السياحية والاقتصادية في المحافظة».

تعتبر بحيرة الأسد رافداً سياحياً بامتياز، ويبقى السؤال ما العوائق التي تحول دون استثمارها، وحول هذا يقول "الحسن": «هناك أكثر من عقبة أمام استثمار بحيرة "الأسد"، منها ما تم الانتهاء منه، ومنها ما زال قائماً إلى الآن ويحتاج إلى حل سريع، بداية حرم البحيرة، والذي تم الانتهاء منه وتخفيضه إلى /50/ م كحرم مباشر في المواقع "الكرين"، "جعبر"، "شعيب الذكر"، "الفخيخة"، وذلك بموجب القرار الصادر عن المجلس الأعلى للسياحة.

والجهات المشرفة تتعدد على ضفاف البحيرة من وزارات الري والسياحة والزراعة والإدارة المحلية والمحافظة، وأعتقد أن الحل يكمن في اتفاق هذه الجهات على تشكيل فريق عمل دائم برئاسة السيد المحافظ وعضوية ممثلي هذه الجهات، مهمة الفريق وضع الخطوط العريضة لكيفية وطريقة الاستثمار لضفاف البحيرة وشواطئ نهر "الفرات"، وحل كل المشاكل التي تعترض عملية الاستثمار، إضافة إلى أن المنطقة بالكامل تحتاج إلى البنى التحتية التي تتناسب مع أهمية البحيرة والمواقع المحيطة بها ومنها (مطار- طرق- سكك حديدية- جسور- مرافئ ....)، وهناك عوامل أخرى مهمة أيضاً، مثل الترويج والتسويق، وهي من العوامل الهامة والتي تفتقدها مواقع البحيرة وضفافها خصوصاً ومحافظة "الرقة" عموماً، ويجب التركيز على هذا الجانب من قبل وزارات السياحة والثقافة والإعلام.

وعلى الرغم من عقد مؤتمر استثمار للمنطقة الشرقية في عام /2008/، وعدد من ملتقيات الاستثمار السياحي في "دمشق" إلا أن مواقع "الرقة" عموماً لم يكن لها نصيب من الاستثمارات، وهذا باعتقادنا يعود إلى خصوصية كل منطقة من مناطق القطر، ورغبة المستثمرين في الاتجاه إلى المناطق المروجة بشكل جيد، وبالتالي إذا أردنا استثمار ضفاف البحيرة ومواقع "الرقة" الأخرى يجب علينا تنظيم مؤتمرات وملتقيات لمواقع البحيرة خصوصاً، ومواقع "الرقة" عموماً والإعداد الجيد لذلك مع ضرورة وضع دليل سنوي للمواقع المطروحة للاستثمار في المحافظة.

ومن المتوقع أن تبدأ الشركة الكويتية بانجاز مشروع في "شعيب الذكر" قريباً، وبكلفة أولية بحدود/60/ مليون دولار أمريكي وإذا ما تم هذا المشروع فسيحقق نقلة نوعية في المنطقة من حيث الاستثمار السياحي وتأمين فرص العمل المباشرة وغير المباشرة».

وعن الآفاق المستقبلية للنهوض بالسياحة في المحافظة، تحدث "الحسن" قائلاً: «تتمتع المحافظة بالعديد من نقاط القوة التي ترشحها لأن تكون مستقبلاً منطقة سياحية من الدرجة الأولى إذا ما توافرت الشروط المناسبة للاستفادة من هذه النقاط وتوظيفها بالشكل الأمثل فهذه الشواطئ بمئات الكيلومترات على ضفاف بحيرات وأنهار المحافظة ومئات المواقع الأثرية والطبيعية والدينية التي تزخر بها المحافظة كفيلة بتصور نهضة سياحية واقتصادية كبيرة جداً للمحافظة وبالتالي يمكن استثمار ضفاف "الفرات" في مدينة "الرقة"، والجزر الفراتية أي الحوائج النهرية، والمواقع الأثرية، وشواطئ بحيرة "الأسد" وبحيرات "الفرات"، ومنطقة "البادية" والتنوع البيئي في المحافظة.

ونأمل أن يتم تحويل محمية "الثورة" إلى مشروع رائد على مستوى القطر في مجال السياحة البيئية في إطار جدول زمني محدد، وتحويل المشاريع التي طرحت في أسواق الاستثمار إلى منشآت مستثمرة مع ضرورة تأمين البنى التحتية الأساسية للمحافظة من مطار- جسور على نهر "الفرات"- اوتوسترادات- طرق سياحية- خدمات عامة، لتسهيل وصول السياح إلى المحافظة، والإسراع بتنفيذ مشروع منطقة ما بين الجسرين، وتنفيذ متحف "الرقة" الجديد، وتنفيذ جسر معلق يربط قلعة "جعبر" بمحمية جزيرة "الثورة"، وتنفيذ محلق حول بحيرة "الأسد"».