«تصنّف "الرقة" ضمن المناطق الجافة أو شبه الجافة، وجاء هذا التصنيف تبعاً لمعدل الهطول المطري، الذي لا يتجاوز /150/مم في أغلب مناطق المحافظة، وبذلك عُدّت المحافظة، أو أجزاء واسعة منها، جزءاً من "البادية" السورية، وضمن هذا التصنيف، هل استطاع قاطن "البادية" التأقلم مع بيئته؟ وما المزايا التي تتيحها "البادية" لإمكانية تحقيق سياسة التوطين؟.

تلعب "البادية" دوراً هاماً في حياة أي منطقة, وخاصة إذا كانت المنطقة جافة، قليلة الأنهار والينابيع، كما هو حال محافظة "الرقة"، التي تقع معظم أراضيها في "البادية", باستثناء الشريط الشمالي الضيق, وحتى الينابيع القليلة التي كانت تجري في أراضيها، جفت, وغاضت مياهها, وظلت المحافظة تعتمد في مصادر مياهها على نهر "الفرات" وحده».

من أهم الشعاب الموجودة في محافظة "الرقة"، شعيب "محمد علي", "الجزلة", و"نخيلة", ومن أشهر أوديتها الوادي "الكبير", "الخرار", "النهر", "الجيري", ووادي "رحوم", وهذه الأودية تتنوع حسب طبيعة الأرض التي تمر بها, فتضيق وتعلو إن كانت صخرية, وتتسع إن كانت ترابية أو رملية، ويقتصر استثمار هذه الأودية في الوقت الراهن، على السدات التجميعية التي أقامها فرع تنمية "البادية" في مقاطع متعددة من واديي "رحوم" و"الجيري"

ذكر ذلك الكاتب والصحفي "محمد جاسم الحميدي"، وهو يتحدث لموقع eRaqqa بتاريخ (16/12/2009)، عن علامات الحياة التي تختزنها الأودية في بادية "الرقة".

مقطع من وادي الخرار

ويتابع "الحميدي" حديثه، قائلاً: «اشتهرت "الرقة" قديماً بالعديد من الأودية الهامة, وقد استخدمت هذه الأودية لمختلف الأغراض من قبل الإنسان الأول، الذي بنى حضارته على ضفاف الأنهار ومسارات الأودية، واستمر ذلك حتى أواخر نهوض الحضارة العربية الإسلامية, ومن أهمها الوادي "الأحمر", "الفيض", "قره موخ", "بوزيك", "الجلاب"، "الطريفاوي"، ووادي "بئر محيسن"، وكلها تقع في منطقة الجزيرة، واستفاد قاطني هذه المنطقة من هذه الأودية عبر شق أقنية لنقل المياه وري الأراضي, ومنها قناتي "النيل", و"سروج".

أما أودية بادية "الشامية", فقد كانت تقام عليها سدود تحصر المياه وتحولها إلى الحصون والمراقب القائمة فوق هضاب "البادية"، والمشرفة على سقي "الفرات", وتؤكد المصادر التاريخية أن العصرين الروماني والبيزنطي كانتا الفترة الذهبية لاستثمار مياه "البادية", ونستدل على ذلك من الصهاريج الكبيرة المنتشرة في "البادية"، ومن خلال السدات التي أقيمت على مسارات الأودية، وانتشار الحصون والمراقب بجوارها، كحصون "صفين" و"نخيلة" و"الجزلة"، التي ما زالت مياهها تتسرب من بين الصخور على شكل ينابيع, في معظم أيام السنة, وتغزر في السنوات المطيرة».

ويقول المهندس "ياسر السليمان"، مدير فرع مشروع تنمية "البادية" في "الرقة": «بالرغم من اهتمامنا بتطوير "البادية", وتنمية مراعيها, واستثمار آبارها, إلا أننا لم نلتفت حتى الآن إلى أوديتها, ولم نسعَ لاستثمارها, مع أنها يمكن أن تغير حياة قاطني "البادية"، فيما لو استثمرت بالشكل الصحيح, لأن الاستفادة منها واستثمارها, يشكل أهم حصاد مائي في "البادية"، وأودية "البادية" تتنوع تبعاً لتضاريس المنطقة المحيطة، فمنها ما تنهض حافتاه عالياً كجدران من الصخر ويطلق عليها اسم "الشعب"، وهي عبارة عن انفراج بين جبلين, ومنها ما تتسع ضفافه تاركة مساحات خضراء واسعة تنمو فيها شجيرات "البادية", وتبتعد حوافه العالية, وهذا ما يخصه أهل منطقتنا باسم "الوادي".

ومن الأودية ما يجري في سهول واسعة, لذلك يتسع مجراها, ويتحدد بأجراف غير مرتفعة, كثيراً ما تتعرض للحت والتغيير, وفي حال الفيضان الواسع فإنها تغمر مساحات واسعة جداً من الأراضي والسهول المحيطة به, كما يحدث أحياناً في وادي "الخرار" في السنوات التي تشهد هطولاً مطرياً غزيراً, حيث يتحول الوادي إلى نهر حقيقي دافق, تهدر فيه المياه, غامرة الأراضي الزراعية على ضفتي الوادي».

ويضيف "السليمان"، قائلاً: «من أهم الشعاب الموجودة في محافظة "الرقة"، شعيب "محمد علي", "الجزلة", و"نخيلة", ومن أشهر أوديتها الوادي "الكبير", "الخرار", "النهر", "الجيري", ووادي "رحوم", وهذه الأودية تتنوع حسب طبيعة الأرض التي تمر بها, فتضيق وتعلو إن كانت صخرية, وتتسع إن كانت ترابية أو رملية، ويقتصر استثمار هذه الأودية في الوقت الراهن، على السدات التجميعية التي أقامها فرع تنمية "البادية" في مقاطع متعددة من واديي "رحوم" و"الجيري"».

وتحدث لموقعنا المهندس "محمود الكراش"، مدير فرع هيئة إدارة وتنمية "البادية" في "الرقة"، عن أهمية وادي "الخرار"، وإمكانية استثماره، قائلاً: «يقع وادي "الخرار" بين "زور شمر"، و"الغانم العلي", يخترق هضاب البادية, وتحيط به الهضاب العالية, إلا أن سريره واسع جداً تنتشر فيه شجيرات "الطرفاء", وهي غابات حقيقية في المواقع التي تستنقع فيها المياه, فتبدو وكأنها واحة خضراء وسط جفاف "البادية"، وتأتي شهرة وادي "الخرار" من أنه مدمر في السنوات التي يفيض فيها, ولكن المجهول هو أنه كنز بيئي بامتياز، ولم تكتشف إمكاناته الكامنة القابلة للاستثمار.

وادي "الخرار" يشبه أودية الأنهار الكبرى, فجروفه الصخرية متباعدة, وهي تحصر غالباً أرضاً خصبة، وتربة صالحة لنمو النباتات، والأشجار البيئية, وقد تضيق تلك الجروف الصخرية أحياناً لتشكل خوانيق، كخوانيق "الفرات", وفي أقسام متعددة منه ترى مياهاً تجري لا تعرف لها مصدراً, ويعتقد أنها تتغذى من عيون صغيرة عدة، أهمها عيني "الخضرة" و"مجالي", وتستنقع في بعض أقسامه الأخرى مياهاً وافرة تغذي حياة متجددة من غابات "الطرفاء" الكثيفة، والممتدة لمسافات طويلة في عمق الوادي, وتنتشر في مستنقعاته وحولها النباتات المعمرة من "الزل"، و"البردي"، و"الغرقد البري"، و"الكبر"، وفي مياهه المستنقعة تجد "السلاحف"، و"الضفادع"، وطيور "اليمام"، و"الهدهد"، و"الباشق"، و"السماني"».

وعن إمكانية استثمار وادي "الخرار"، والاستفادة منه لأغراض السياحة البيئية، يتابع "الكراش" حديثه، قائلاً: «وادي "الخرار" وسريره، والأراضي والهضاب المجاورة له، يمكنها أن تتحول إلى محمية بيئية جميلة, تضاف إلى محميتي "الثورة" و"طوال العبا"، وذلك باعتمادها أولاً كمحمية بيئية، وإقامة سدود صغيرة على مسار الوادي تؤمن الحصاد المائي, وعبّارات تنظم جريانه, وابتكار وسائل ري مناسبة، وتشجير هضاب الوادي وأراضيه بالأشجار والنباتات البيئية, وتسوير موقع المحمية، ومنع مختلف أشكال التعديات عليها، وتربية أنواع من الحيوانات الداجنة والطيور, وبذلك نكون قد سعينا لتكون المنطقة من المقاصد السياحية البيئية في المحافظة».

ويختتم الكاتب "الحميدي" حديثه عن أودية "الرقة"، قائلاً: «بالرغم من صغر مساحة بادية "الشامية" في "الرقة"، مقارنة بباديتي "حمص" و"دير الزور", إلا أنها تختزن علامات الخصب والنماء، وتمتاز بكافة الإمكانات التي تجعل حصاد المياه فيها وفيراً, حيث تنتشر عشرات الأودية والشعاب والمسيلات, ومن شأن ذلك الحصاد, لو تم فعلاً, أن يحول "البادية" إلى قطعة خضراء كثيرة المياه والنبات.

وعلى الجهات المعنية أن تعمل على حماية "البادية"، وتطويرها، وتنمية مراعيها, والحفاظ على تنوعها الحيوي البيئي, واستثمار أوديتها، وأن يسبق ذلك دراسات متكاملة, ومعرفة دقيقة بالأودية والمواقع التي يمكن استثمارها, وبذلك نستطيع أن نضع حداً لتصحر أراضي البادية، ونمنع هجرة سكانها، ونوفر لهم كافة مقومات الحياة، وأن نضع "البادية" في طريق الاستثمار البيئي السياحي، وفي هذه الحال فقط يمكن أن تعود "البادية" إلى سابق عهدها، سهول خضراء واسعة ومنبسطة، تضم تنوعاً حيوياً لا يمكن أن توفره أي منطقة أخرى».