تشكل مساحة "البادية" نحو /55%/ من المساحة الكلية للقطر العربي السوري، وهي في محافظة "الرقة"، تشغل أكثر من هذه النسبة بقليل، ومع كبر هذه المساحة ظلّت "البادية" بمنأى عن التطوير، ما خلا بعض المشاريع التنموية، والتي يأتي على رأسها مشروع تنمية البادية، لكن إحداث الهيئة العامة لإدارة وتنمية "البادية"، ومقرها مدينة "تدمر"، فتح أفاقاً رحبة، تنطلق من رؤية جديدة لتطوير وتنمية "البادية"، مما يؤكد على أهمية هذه المساحة التي تشغل حيزاً كبيراً من مساحة سورية.

وللحديث عن "البادية وآفاق تنميتها وتطويرها، التقى موقع eRaqqa بتاريخ (10/12/2009) الكاتب والصحفي "محمد جاسم الحميدي"، والذي بدأ حديثه عن البادية، قائلاً: «"البادية" السورية أعجوبة من الأعاجيب، ومن لا يراها كذلك لا يعرفها..! يعتقد الكثيرون أن البادية السورية فقيرة، ونحن نصفها بأنها غير صالحة للزراعة، وحين نصفها بذلك كأننا نقول إنها لا تصلح لشيء فهي لا قيمة لها ولا أهمية، إنها "للكب" أو الرمي، أليس من الغريب أن نتجاهل أكثر من نصف سورية، ونهملها أو نرميها، ولا نقدّرها حق قدرها؟!

البادية السورية ليست فقيرة، بل هي أغنى منطقة في سورية بالثروات الباطنية التي تتمثل بالنفط والغاز والفوسفات والإسفلت والرمال الملونة بأشكال متعددة... وأغلب ما نصدره هو من "البادية" السورية التي نتهمها بالفقر وهي الغنية، بل هي الأغنى..! نريد أن نأخذ منها ولا نعطيها

تبدو البادية للعابر سهولاً فقيرة المناظر، رتيبة المشاهد، إلاّ أنها في حقيقتها شاسعة واسعة، شديدة الغنى والتنوع والحيوية، في نباتاتها وحيواناتها، ومشاهدها الطبيعية، وفي إمكاناتها المختزنة المرئية منها والمخفية، فهي إذن ليست فقيرة ولا على أي مستوى، أو على أي صعيد».

من بادية الرقة

وعن غنى أراضي البادية بالثروات الباطنية، يقول "الحميدي": «البادية السورية ليست فقيرة، بل هي أغنى منطقة في سورية بالثروات الباطنية التي تتمثل بالنفط والغاز والفوسفات والإسفلت والرمال الملونة بأشكال متعددة... وأغلب ما نصدره هو من "البادية" السورية التي نتهمها بالفقر وهي الغنية، بل هي الأغنى..! نريد أن نأخذ منها ولا نعطيها».

ويتابع "الحميدي" حديثه حول غناها بالآثار، قائلاً: «البادية السورية ليست فقيرة، بل هي الأغنى بالمواقع والتلال الأثرية من حصون وقلاع ومعابد وقصور ومدن، ومن أهم تلك الآثار "تدمر"، "الرصافة"، قصر "الحير الشرقي"، قصر "ابن وردان"، "معبد الشمس" في "أثريا"، "حلبيا" و"زلبيا"، "الأندرين"، مملكة "ماري"، والعديد من الحصون مثل: قلعة "نجم"، "جعبر"، "النخيلة"، "صفين"، "الجزلة". إضافة إلى عشرات التلال الأثرية الأخرى...!».

من ثروتنا حيوانية

وحول التنوع الحيوي في طبيعتها، يضيف قائلاً: «"البادية" السورية ليست فقيرة، بل هي الأغنى من حيث الطبيعة والمشاهد الطبيعية، فالبادية ليست مجرد سهول رتيبة، ولا تلال جرداء، إنما تضم جبالاً شاهقة، وتلالاً عالية، وأودية متنوعة، منها الصخرية، ومنها الترابية، ومنها الرملية، بعضها عميق كأنما جدرانه جبال شاهقة، وبعضها عريض كأنما هي مجاري أنهار قديمة، وبعضها سيلات ضيقة أو واسعة، تظل خضراء تحفل بالحياة معظم أيام السنة.

وفيها كهوف ومغارات، منها الكهوف الصنعية الأثرية، والمدافن الأثرية، ومنها الأودية الممتدة تحت الأرض، وكأنها شبكة مياه متكاملة، وكأن الأودية التحت أرضية أوانٍ مستطرقة تصب في بعضها بعضاً، ومن تلك الأودية، في محافظة الرقة فقط: الدحل والدحيل والقاطر والعلكة.

محمد جاسم الحميدي

وبالنسبة للمياه، فهي ليست فقيرة، بل هي الأغنى، ذلك أن الأودية الكثيفة في البادية تحضن كل قطرة ماء تنزل من السماء، فلو أقمنا سدوداً عليها، لاستطعنا أن نحصد ماءها فنحول القلّة إلى كثرة، ونستخدمها في الوقت المناسب بدلاً من أن نهدرها..

وعلينا ألاّ ننسى أن الفرات يشق البادية، فالفرات من مياه البادية، فماذا لو أخذنا عدّة أقنية مغطاة إلى عمق البادية في الشامية، لا لنصلح بها الأرض، فأنتم ترون أنها لا تصلح للزراعة، وهذا فيه الكثير من الحقيقة، فلنترك "البادية" حقلاً من أجل تربية الثروة الحيوانية المتنوعة، ولنكثّر الأنواع، فندخل في التربية الجمال والغزلان...

ولكن قبل ذلك علينا أن نزرع "البادية" بالزراعات النادرة التي تناسبها، وأولها النخيل الذي يجب أن نتوسع فيه، وثانيها الفطر، وثالثها الزراعات العلفية، ليجد قطيعنا الهائل، الذي لا ينضب ما يأكله».

وحول الثروة الحيوانية، وتواجدها في "البادية"، يقول "الحميدي": «البادية السورية ليست فقيرة، بل هي الأغنى بالثروة الحيوانية، ونستطيع أن نجعلها أكثر غنى، وذلك بالاهتمام بتربية الجمال والغزلان، و"البادية" كانت ملاذ الغزلان دائماً، وهي أكثر حيواناتها، ونحن نستطيع أن نبعث تلك الصور القديمة، بحيث تعود قطعان الغزال وأسرابه تجول في "البادية"، ويصبح رأس مال أهل "البادية" يقاس بما يملكون من غزلان، ثم نحدد ملاعب خاصة لصيد الغزلان عبر رياضة الصيد، ونفتح مصانع لتعليب لحم الغزال الذي يصيده الرياضيون، الذين يأتوننا من كل مكان».

هل تظل مسألة تطوير البادية وتنميتها في دائرة الأحلام أم تتحول إلى حقيقة، وبهذا المحور يختم "الحميدي" حديثه، قائلاً:«ما أحكيه ليس حلماً، بل إنه الإمكانية الأقرب إلى العقل والمنطق، وهي واقع كان قائماً من قبل.. ولكن علينا أن نعرف ثروتنا حقاً، وأين تكمن، إنها في "البادية"، فيكفينا لوماً للبادية، والقول إنها فقيرة، وعلينا ألاّ نكتفي بالفتات الذي ترسله المنظمات الدولية لتمويلها، وأن نتوقف عن شحاذة ما لا يصل إلاّ أقلّه إلى "البادية" من تمر وعدس وطحين وغيره، فالبادية ليست فقيرة، ولا تجدّ عليها الحسنة، وهي ليست فناءنا الخلفي الذي نرمي به كل الأشياء الخردة التي لا تستعمل، وليست مجرد حقل أجرد، أو هضبة بائرة، أو مراحاً محدوداً..

كي تحسن "البادية" معيشتنا، وتجعلنا أغنياء فتمنحنا الراحة، لابد أن نؤمن أنها غنية، وأنها /57%/ من سورية، وبالتالي علينا أن نمنحها /57%/ من اهتمامنا، ومن مياهنا، ومن مواردنا، ومن دخلنا، إن "البادية" هي مستقبلنا الذي نهدره أو نتجاهله..؟!».